عوائق أمام طلب العلم...!
حمزة بن فايع الفتحي
ومن روائع ابن القيم رحمه الله قوله : ( ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء) .
- التصنيفات: طلب العلم -
والراغبونَ بتاج العلم إنْ سلِموا/ من العوائق لا نقصٌ ولا حزنُ
هي الحياة بلاءاتٌ ومَفرحةٌ/والصابرون لَكَم فازوا وما وَهنوا...!
يتداعون إلى فضله، ويتهمّمون بشرفه، والطريق إلى جمعه، ويبدؤون في الاستعداد الأولي، ولكنهم يتجاهلون عوائق وسدودا، تحول دون المواصلة والتمكن ، وهي التي تعيق المسلم والمسلمة قبل الشروع فيه أو في أثنائه ، ولذا يبدأ أقوام ثم ينقطعون، ويشتد فئام، ثم سرعان ما يُبتلى بعضهم أو يشغل، ولَم يدقق مساره، أو ينقّي طريقه..... ومن ذلك ما يلي :
١/ النية المغلوطة: التي لم يُصحح مقصدها، ولَم يُصفّ سبيلها، والتي فسدت، وساء طريقها، بسبب الرياء أو طلب المنصب أو الشهرة والتطاول على الناس، ومثل هذا المقصد يفسد المسار، ويذهب البركة ، ولو تخطاه صاحبه حيناً، شُغل عنه بالدنيا، ولربما باع دينه بعرَض من الدنيا يسير....!
ولذلك وجب على الطلاب المعالجة، واستعمال المجاهدة، كما هو ديدن السلف والصلحاء عبر التاريخ قال سفيان الثوري رحمه الله ( ما عالجتُ شيئا أشدَّ علي من نيتي ).
ومع التحصيل الأولي والبروز تتعاظم النفس، ويداخلها العجب، ويظن الطالب أن له فضلا على أقرانه، فيتيه في ذلك حتى ينتهي لحالة سيئة من التعلق وحب الاشتهار ، فوجب الحيطة وتعميق المجاهدة والإخلاص ، لأن الرياء محبط للأعمال، ومذهب لجمالها ، ومانع للقبول ...
ومن روائع ابن القيم رحمه الله قوله : ( ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء) .
٢/ استحلاء الراحة : والعلم وقد اختلطت حلاوته بمرارته، يحتاج إلى جد وجلَد، وبذل وتعب، وتخفّف عزيز من الراحة والتبسط المبالغ فيه. قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( المصالح والخيرات واللذات و الكمالات، كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة ، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب، وقد أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة..).
وفِي العلم راحة وارتياح، ولكنها لا تُنال إلا بعد مقدمة نكدة، وتمهيد عسِر، وممارسة صابرة، يعاين الطالب بعدها متعة الحدائق، وياسمين الجنات...! وكما قال أبو إسحاق الالبيري وحمه الله:
فَلَو قد ذقتَ من حلواه طعماً/ لآثرت التعلمَ واجتهدتا
ولم يُشغلك عنه هوىً مطاعٌ/ ولا دنيا بزخرفها فُتِنتا
فقوتُ الروح أرواحُ المعاني/ وليس بما طعمت ولا شربتا...!
ودواء ذلك المرتاح، أن يتأمل فداحة ما ضاع منه من أوقات، وما بدد من محاسن، وما آلت إليه روحه وهمته....!
٣/ تبديد الوقت : لأنه الحياة وظرف العمل والإنجاز، ومسؤولون عنه في القيامة، وكل تقصير فيه مردوده على صاحبه، فلا سعادة ولا إبداع، ولا سباق أو تنافس، لا سيما وقد تزخرفت حياتنا بمناعم ومكاسب لم تستثمر كما ينبغي، قال تعالى:( {ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم } ) [سورة التكاثر] .
وإذا رأيتَ الطالب مضيعا للوقت، مبذرا للزمان، زاهدا في الساعات، فاعلم أنه تناقص عن الرتب، وفاتته الفرص، وتجاوزته المغانم...! واشتهر قول الحكماء ( من علامة المقت تضييع الوقت ).
٤/ جلساء الترويح : إذ الصديق رحيق، والرفيق معين، والجليس أنيس، فإذا آنس بالعلم، وصادقَ بالعلم عظمت الفائدة، ونزلت البركة، وطابت الصحبة . وضرب لهم صلى الله عليه وسلم مثلا رائعا ( كحامل المسك ونافخ الكير...). فتخير من الأصدقاء أعلمَهم وأطيبهم وأنبلهم، قال ميمون بن مهران رحمه الله: ( العلماء هم ضالّتي في كل بلد، وهم بُغيتي إذا لم أجدهم ، وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء ).
٥/ الرفاهية الزائدة : المعتمدة على التوسع في المعاش، فمتاع وملابس وموائد بلا اعتدال وتوقف ، والانقطاع لها ولإصلاحها، وهو مما يتنافى مع تقدير العلم والمسابقة إليه قال تعالى:( {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } ) [سورة الأعراف] . وصح حديث: ( «نهانا رسول الله عن كثير من الإرفاه» ).
٦ / تراجع الهمة والطموح: فلا تتطلع همته إلا إلى سفاسف الأمور، وينسى المعالي والأمجاد، وقد قال تعالى: ( {خدوا ما آتيناكم بقوة } ) [سورة البقرة والأعراف] .
وقال عمر رضي الله عنه( لا تَصغُرنّ همتُك، فإني لم أر أقعدَ بالرجل من سقوط همته ).
وغاية طموحه أهداف دنيوية، ومقاصد تلذذية، لا ترتقي لمقاصد العقلاء الجادين . وتسقط الهمم بالجليس ولوك الخسيس، والتفاني في الرخيص والبئيس...!!
٧/ التشاغل بالتفاهات : من أحاديث الناس وثقافاتهم العديمة والغير منتجة ، كالتوسع في موديلات الجوال والسيارات وأنواع الملابس والموائد والاستغراق إلى ذاك ،بدرجة لا تنتمي للعلم وحبه وإيثاره ...!
٨/ الخجَل الاجتماعي : القائم على تتبع نقد الناس، وعدم الظهور أمامهم بالكتب وحضور الدروس والسبق للمساجد، فقد يخجل ويتراجع عن التنافس العلمي والإيماني بسبب تعليقات الناس..! وكذاك طول العمر والحضور مع الصغار خشية السخرية والتهكم، ولكن العلم أعلا من ذلك، وأغلا لأن يتحمل البلاء من أجله..! وحُكِيَ أن بَعضَ الْحكَمَاءِ رأى شيخا كَبِيرًا يُحِبُّ النظر فِي الْعِلْمِ ويستحي فقال لَهُ : يَا هَذَا أتستحي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عمرِك أفضل مِما كُنْت فِي أوله..!
وتفقه الصحابة الكرام وهم كبار غير مبالين بنقد أو سخرية أو تسفيه...!
٩/ القراءات الموهمة: كالإفراط في علوم غير جيدة كبعض دورات التنمية البشرية، والفكر الإخباري والفني والروايات الساقطة، مع عزوف عن العلوم الجادة والشرعية المتينة وما يسهم في البناء الذاتي والبناء الحضاري...!
فخير علم يُرتجى العلم الشرعي الدائر مع الوحي، وما زاد من علوم الدنيا المفيدة للمرء وأمته، قال العلامة ابن سيرين رحمه الله :( لا تزال على الطريق، ما زلت تطلب الأثر ).
١٠/ تأخيره في الاهتمامات : بحيث تقدم عليه البرامج اليومية، والروتين المتعارف، وربما السوق والتسوق، والرحلات وجلسات الديوانيات والمأدبات، والسياحة الواسعة والتي لا ضابط فيها ولا رادع...!!
إذ يجب أن يكون أولى الأوليات وأشد الاهتمامات لقوله تعالى:( { فاعلم أنه لا إله إلا هو } )سورة محمد .
ومن أخر العلم في برامجه، تأخرت به مراكبه ومعالمه..!
وكان العلامة ابن حزم رحمه الله ينشد:
من لم ير العلم أغلا...من كل شيء يصابُ
فليس يُفلحُ حتى...يحثى عليه الترابُ
١١/ قصْره على التعليم النظامي: فيعتقد بعض السذج أن الجامعات موئل العلم، ولا يتطلب جهدا أكبر من ذلك، وبانتهائها ينتهي الجد، ويُشغل المرء، وتُهجر الكتب، وتُباع المكتبات، ويلتف على الأحبة والأصدقاء...! ويكتفي الطالب بمفاهيم عامة، ومعارف في العلم والدعوة...! وبعدها يهتم بالتوظيف ولقمة العيش، ومشاريع الزواج والسكن وإطابة العيش...!
١٢/ الانهماك التقني : ومتابعة الماجَرَيات والوقائع اليومية، واعتقاد أنها كافية للعلم والاستفادة، وهجر الحفظ النصوصي والإصىغاء التأملي المساعد على إدراك علوم الشريعة. والقراءة التقنية أشبه ما تكون بالنظَرات السريعات، واللمحات الخاطفات، المشوبة بمَجَريات وتعليقات ، تشتت الذهن، وتصرف الفؤاد، والتي لا تصنع طالبا، ولا تبني متقنا حافظا...!
إذ كيف يحصل التركيز، ويكتمل الإتقان فيما دون (الفتح والمغني) ، وأنت تتقلب في جنبات الثقافة العالمية ورسائل الواتسات المختلفة...؟!! خصوصا مع تطورات الجوال وترنماتها، وسرقتها للعيون والأفئدة...!
والخلاصة: انتفع بالتقنية ولكنها لا تكفي عن الكتاب وذخائره وتعليقاته ومسوداته وورقاته، وحالة السكون المودوعة فيه...!
١٣/ التململ القرائي : بحيث يبدأ في كتاب ولا يتمه، وينتقل لآخر، أو يغادر لعلم جديد، فيغشاه التقطع، وينتابه التردد من حين لآخر...! فلا هو تعلم، أو استغرق وقته، أو حقق إنجازاً...! بل في متاهة بعيدة، تنتهي به إلى الإفلاس...! ولربما ابتلي برهق نفسي، أو فتور جسدي، جعله يكل ويمل، والواجب حينئذ التنويع والتغيير، والترفق والترفع، وتجديد النشاط بممارسات اجتماعية وثقافية لاتخل بالمسار، فتُخفف القراءة العميقة مثلا، بقراءة كتب المُلَح والنوادر والشعر والحكمة....! قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله:( قصص الرجال أحب إليّ من كثير من الفقه ). وفِي القرآن الكريم ( {لقد كان في قصصهم عبرة} ..) [سورة يوسف] . وفِي اللحظات الفتورية، نحتاج العبر واللطائف، لا المسائل العواصف...!
١٤/ الطرح التثبيطي: والناشئ من جلسة باردة، أو ديوانية فارغة، لا تقيم للعلوم وزنا، ولا ترفع بالفقه رأساً...!
فيسمع المُجدُّ كلامَ مثبط، ويصغي الراغبُ لنصح محطّم، ويهتم الباحث لمعلومات دنيوي منغمس ،...! همه المال والجاه والتنافس ،،،! وتجاهل أن العلم الشرعي أجلّ جاه وأحسنه وأزينه ( { يرفعِ اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ) سورة المجادلة . وقد أحسن القائل : إنّ الملوك ليحكمونَ على الورى/ وعلى الملوك لتحكمُ العلماءُ..!
١٥/ التمني والتسويف: محب له ويهواه، ولكنه يؤجل ويسوف كثيرا، وتسويفه يبدد عليه الفرص، ويضيع المواهب، وينشغل من جرائه بالدنيا والمجالس والخلان..!
١٦/ قلة الصبر: لأن العلم والصبر صنوان، فيحتاج الطالب إلى صبر على القراءة وصبر على الحفظ، وصبر على التحمل، وصبر على المكاره والجوع ، وصبر على الخذلان ، وفِي الحديث: ( «ومن يتصبر يصبّره الله» ) وقال غير واحد من الأئمة بارتباط العلم بالفقر ومتاعب الحياة ، حتى قال النضْر بن شُميل رحمه الله: ( لا يصير الرجل عالما حتى يجوع وينسى جوعه ).
وقد قيل للإمام الشعبي رحمه الله : من أين لك هذا العلم كله ؟ قال : ( بنفي الاعتماد ، و السير في البلاد ،و صبر كصبر الحمار ، و بكور كبكور الغراب ) .
ولن يفلح التلامذة إذا قل صبرهم، وضاق صدرهم من حفظ محدود، أو فهم مقصود، أو سِفْر ممدود...!
ومن قلّ صبره قل خيره وعطاؤه...!
وقال قتادة رحمه الله: ( الصبر من الإيمان بمنزلة اليدين من الجسد، من لم يكن صابرا على البلاء لم يكن شاكرا على النعماء , ولو كان الصبر رجلا لكان كريما جميلا ).
١٧/ الانغماس الدنيوي: الموغل في أشغال صارفة، وتجارة رابحة أو غير رابحة، فهو بالخيار بينهما، لعزة اجتماعهما إلا في النادر كما حصل لأبي بكر وأبي حنيفة وابن المبارك رحمهم الله.
ولذلك المال ومتعلقاته لا تصلح لمن كان محبا للعلم، إلا بالتضحية بأحدهما ، والموازنة مطلوبة ...!
١٨/ الغرور وعزة النفس : فيأبى أن يتعلم ويحمل الكتب، ويعود تلميذا سائلاً ، درءا للانتقاد، أو خوفا من التجهيل ، إذ يعتقد أن ذلك إقلال واستضعاف، ونسي أن السلف تعلموا بذلك التذلل والتأدب والتلطف،حتى بلغوا ما بلغوا من السيادة والمكانة ، وفِي القرآن ( {قال هل أتّبعك على أن تُعلمنِ مما علِّمت رُشدا} ) [سورة الكهف] .
وقال العتبي رحمه الله:
( كان يقال : السؤدد ؛ الصبر على الذل ).ولابن عباس رضي الله عنه:( ذللتُ طالباً فعززتُ مطلوبا ). وللشافعي رحمه الله: ( لا يُدرَك العلم إلا بالصبر على الذل ).
١٩/ استثقال جمعه: أو العمل به أحيانا، فيبتدئ في بعض المتون فتغشاه الصعوبة ، ويعحب من حفظ الأكابر، ويندهش من طول المجلدات.. وكيف كُتبت أو جُمعت، ومن نقلها...؟!!!
فيملّ ويستحسر، وقد يخشى تبعات العلوم، وكثرة المحفوظ، فيغريه الشيطان أو بعض الأصحاب بالعناية بأصول الإسلام، ودين العجائز، حتى يسلم الامتحان، ومرارة السؤال في القيامة....وقد قَالَ رجل لِأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أُرِيدُ أَنْ أتعلم الْعِلْمَ، وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ. فَقَالَ:( كَفَى بترك الْعِلْمِ إضَاعَةٌ )...
٢٠/ التذبذب المعرفي : وعدم الاستقرار على حال محددة، أو منهج متبع، أو طريق محفوظة ، والسبب الدخول بالبركة والعفوية، أو السير بلا أشياخ ومشاورة، أو تبني جهالات وتخريفات ، والإصغاء لمن ليس له وعي ولا دراية...! فنخلص إلى عدم إتقان، أو ترك وعزوف، بسبب طول الأمد بلا محصلة ومعتمد...! ولمداواة ذاك يحب مراجعة الشيوخ، ومطالعة الكتب الشارحة للمنهج العلمي الرصين، لحل العقدة، ودرء الأزمة ...!
٢١/ الاستعجال الثمَري: من كسب الغنائم، وبلوغ المعالي، والظفر بالأهداف، وحيازة السعادة..! فيأمل كسبها من أول الطريق، ووسط المفازة، وإبان المشاق، ولَم يصبر كالأوائل، أو يتحمل كالأماجد، أو يتريث كالعباقر، والعلم الشرعي عملية جهد وصبر، واستعلاء واستحلاء، وقد قال ابن عطاء في حكمته الشهيرة ( من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة ).
وقال الإمام السبكي رحمه الله :
( والعلم صَعب لا ينال بالهوينى، وليسَت كلُّ الطباع تقبله؛ بل من النَّاس مَن يشتغل عمره ولا ينال منه شيئًا، ومن الناس من يُفتح عليه في مدة يسيرة، وهو فَضل الله يؤتيه من يشاء ).
٢٢/ التساهل السلوكي: الذي يخدش الاستقامة، ويعكر التدين، ولا يضبط خلقا، أو يحفظ حكما والتزاما، قال تعالى ومع مرور الزمان يستسهل المعاصي، ويباشر الذنوب، وهي تخترمه وهو لا يشعر ، وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم :( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ). ومن صور الحرمان ترك العلم او العمل، والتقاعس فيه، والتجاسر على الذنب، عافانا الله واياكم من ذلك .
٢٣/ الانشغال المعيشي: إذ المال عصب الحياة وقوام الحركة ، وإذا نوزع بالعلم آثره أكثر الخلق، ولَم تزل هذه معضلة منذ القدم، قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله : ( ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس، فإنه إذا ضم إلى العلم حيز الكمال، وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقل الصبر، فدخوا مداخل شانتهم، وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم....)
٢٤/ الجدل العلمي: ومماراة السفهاء، وعدم توقير العلماء، ومحاججتهم، ومحبة التعليق على كل صغيرة وكبيرة، حتى يطبع شخصه بالجدل، وروحه باللسن والسلط، مع ارتفاع الصوت، والتطاول، فيفقد البركة، وينفر الاحبة والنَاس عنه، قال تعالى:( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) سورة الزخرف . قال صلى الله عليه وسلم : ( من تعلّم العلم ليُباهي به العلماء، أو يُماري به السفهاء، أو يصرفَ به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم ) . رواه ابن ماجه في السنن وغيره، وصححه الألباني .
٢٥/ الثقافة السائدة : المكونة من ضخ إعلامي مشوش، أو تهريج إلكتروني ، أو تقليعات سنابيين يهونون من عميق العلم ومتينه ودقيقه، ويُشيعون مفاهيم مغلوطة في التكوين والتأسيس والمستقبل، فليس سرا الآن أن الثورة المعلوماتية يتخللها كثير من العبث والضياع وتفخيم المهين ، وتهوين الجيد والشريف، ودعاوى أن العلم هو المادي والتكنولوجي المحسوس، خلافا للشرعي...! فهو بزعمهم لا يبني أمما ولا يصنع حضارة...! فتجد بعض الفئات يفتخرون بالطبيب والمهندس ولا يفتخرون بالفقيه والمحدث، والمفسر الذي يجلّي كتاب الله للناس..! والأمة في بنيتها الحضارية تحتاج لكل العلوم المساندة بدءاً بالشريعة وانتهاء بالدنيوية المحضة، ما دامت تسهم في البناء ، ولا تنفك عن فائدة ...! قال تعالى( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ) سورة محمد. وصح قوله عليه الصلاة والسلام عند ابن ماجة رحمه الله: ( طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم ) وخير العلوم وأجلها العلم المقرب من الله، وهو علم الوحيين، وطريقة الربانيين . وثمة مجتمعات تقلل من شأن المرأة وتعليمها وأنها لن تبلغ مبالغ الرجال، فتسد عليها الأفق، وتوثق منها الحجب، والإسلام قد حضها على ذلك كله ما دامت الفتنة مأمونة، وفِي النطاق الأخلاقي المنضبط، وقد قالت النساء لرسول الله( غلبنا الرجال عليك فاجعل لنا من نفسك يوما... )كما في صحيح البخاري رحمه الله .
٢٦/ الشوق بلا طوق: من الحفظ والجد، والتحصيل والكد، والأماني بلا معان، لأن منتهى ذلك الذهاب والأفول، إذا لم يترجم إلى فعول ونقول ، وصولات ومبادرات ( فاستبقوا الخيرات ) سورة البقرة والمائدة . وذاك الطوق يحمي الطالب من التفلت ويعينه على الثبات، وهو يبتدئ معدنيا ومع الصدق والمجاهدة يستحيل ذهبيا..! وعليه لا يكفي مجرد التشوق بلا تعانق وتعلق، لأنه قد يضعف ويتلاشى، أو ينقلب ضدا بفعل المؤثرات الاجتماعية والبيئية ...!
٢٧/ العثرات المبدئية: كأن يقبل على حلقة فلا ينجح، أو متن فلا يرتقيه، أو كتاب فلا يهضمه، فيضيق ويترك العلم، معتقدا صعوبته، أو أنه ليس مجاله وبابته، وينشد بعضهم مستدلا بقول الشاعر الزبيدي اليماني:
إذا لم تستطع شيئا فدعه...وجاوزه إلى ما تستطيعُ..!
والصواب: المحاولة والتكرار وعدم اليأس، وأن الترك إنما يكون بعد ممارسات شتى، ومداخيل متفرقة، حتى يُكشف الطريق، ويجلو الضباب...!
٢٨/ الخلل المنهجي: كاعتماد البرامج الخاطئة، والبدء بالمطولات، والمتون الصعبة، وسوء التنظيم، والشيوخ المبتدعة، والوصايا الهشة، المنبثقة من غير الوعاة والمتخصصين، وتكلم فئات في غير مجالاتهم، نهجاً وحكمةً وتوجيهاً..! وقد قال الحكماء :( من تكلم في غير فنِّه أتى بالعجائب )...!
مما ينتج عنه النكوص، أو غرس مفاهيم مغلوطة، أو عدم دراية منتهية بالضياع والحيرة.
والعلم إنما يؤخذ من أهله وأوليائه البارعين، وليس كل من هب ودب، أو تزعم واستشرف ..!
وربنا مولانا هو نعم المولى ونعم النصير ....