مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - والطور وكتاب مسطور
وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ
{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} :
أقسم تعالى بعظيم مخلوقاته كجبل الطور الذي قدسه الله بإنزال التوراة وتكليم موسى عليه السلام , واللوح المحفوظ الذي كتب سبحانه فيه كل مقادير الخلائق , والبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يدخلونه مرة أخرى إلى قيام الساعة, والسماء المرفوعة بلا عمد كسقف هائل مرفوع بقوة الله , والبحار التي منعها الله تعالى من خاصية الإغراق واجتياح اليابسة , كل هذا بقدرة الله وقوته.
أقسم تعالى بكل هذا على أن عذابه للكافرين والمجرمين واقع لا محالة , ما له من دافع يدفعه عنهم أو مانع يمنعهم منه.
قال تعالى :
{ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } . [الطور من 1-7]
قال السعدي في تفسيره:
يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة، المشتملة على الحكم الجليلة، على البعث والجزاء للمتقين والمكذبين، فأقسم بالطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته، ما هو من آيات الله العظيمة،
ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن.
{ {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ } } يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، الذي كتب الله به كل شيء، ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم، الذي هو أفضل كتاب أنزله الله محتويا على نبأ الأولين والآخرين، وعلوم السابقين واللاحقين.
وقوله: { { فِي رَقٍّ} } أي: ورق { {مَنْشُورٍ } } أي: مكتوب مسطر، ظاهر غير خفي، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير.
{ {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} } وهو البيت الذي فوق السماء السابعة، المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه لربهم ثم، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وقيل: إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام، والمعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت، وبالوفود إليه بالحج والعمرة.
كما أقسم الله به في قوله: { {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} } وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض، الذي قصده بالحج والعمرة، أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، التي لا يتم إلا بها، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، وجعله الله مثابة للناس وأمنا، أن يقسم الله به، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته.
{ {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ } } أي: السماء، التي جعلها الله سقفا للمخلوقات، وبناء للأرض، تستمد منها أنوارها، ويقتدى بعلاماتها ومنارها، وينزل الله منها المطر والرحمة وأنواع الرزق.
{ {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } } أي: المملوء ماء، قد سجره الله، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض، مع أن مقتضى الطبيعة، أن يغمر وجه الأرض، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان، ليعيش من على وجه الأرض، من أنواع الحيوان وقيل: إن المراد بالمسجور، الموقد الذي يوقد ناراً يوم القيامة، فيصير نارا تلظى، ممتلئا على عظمته وسعته من أصناف العذاب.
هذه الأشياء التي أقسم الله بها، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده، وبراهين قدرته، وبعثه الأموات، ولهذا قال: { {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} } أي: لا بد أن يقع، ولا يخلف الله وعده وقيله.
{ {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } } يدفعه، ولا مانع يمنعه، لأن قدرة الله تعالى لا يغالبها مغالب، ولا يفوتها هارب.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: