مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون

منذ 2018-12-30

أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} :

هل المستكبرون عن أمر الله وشرعه صدر تكذيبهم عن عقول سليمة وقلوب مبصرة فرفضوا كلمات السماء وأنكروا شرائع الله واتهموا أفضل خلقه بالجنون وشوهوا شريعته ورفضوها ووصموها حديثاً بالرجعية أو الإرهاب!!!!! أي عقول هذه التي تصف شرائع الرحمة والهداية والإحسان إلى كل شيء بتلك الصفات وتنكر أوامر الخالق سبحانه وتعبد هواها أو تتقرب لضعاف خلقه على حساب شرائعه اغتراراً بإمهاله لهم , هذا هو الطغيان بعينه ,فالطغيان يعني تجاوز الحد وقد يكون الطاغية من أضعف الناس وأفقرهم لكنه تجاوز كل حدوده مع الله وشرائعه.

أم يدعي هؤلاء أن محمداً صلى الله عليه وسلم أتى بكل تلك التشريعات العظيمة التي تنظم جميع مناحي الحياة وتخبرنا بتاريخ الأرض وأيام الأمم والأنبياء وبما سيأتي من أحداث أهمها أحداث الآخرة بكل تفصيل وتخبرنا عما يجب على العبد تجاه الله وما ينتظره إن أطاع وما ينتظر العصاة , أكل هذا اخترعه عقل محمد صلى الله عليه وسلم , ساء ما يحكمون.

فيا بلغاء العالم : إن محمداً صلى الله عليه وسلم اخترع هذا النظام البديع البليغ لإدارة الحياة والإخبار عن الغيب وأخبار الآخرة ووصل العباد بالله فهلم هاتوا ما عندكم مما يقارب ما أتي به محمد صلى الله عليه وسلم وهيهات أن تفعلوا , فكل عقائد البشر وأنظمتهم مطروحة معروضة وكلها لا تساوي شيئاً أمام عظمة الله وشرائعه.

أم تدعون الخلق والإيجاد يا أصحاب العقول النيرة , فهل أنتم الخالقون؟؟؟!!!! أخلقتم أنفسكم أم خلقتم السماوات وممالكها العلوية العظيمة والأراضين وما فيها من عجائب جسيمة؟؟؟

قال تعالى:

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ } [الطور 32-36]

قال السعدي قس تفسيره:

{ {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } } أي: أهذا التكذيب لك، والأقوال التي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم وأحلامهم؟ فبئس العقول والأحلام، التي أثرت ما أثرت، وصدر منها ما صدر 

فإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا، وأصدق الصدق  وأحق الحق كذبا وباطلا، لهي العقول التي ينزه المجانين عنها، أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم وطغيانهم؟ وهو الواقع، فالطغيان ليس له حد  يقف عليه، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد كل قول وفعل صدر منه.

{ { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } } أي: تقول محمد القرآن، وقاله من تلقاء نفسه؟ { {بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} } فلو آمنوا، لم يقولوا ما قالوا.

{ {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} } أنه تقوله، فإنكم العرب الفصحاء، والفحول البلغاء، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه، وأنكم لو اجتمعتم، أنتم والإنس والجن، لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله، فحينئذ أنتم بين أمرين: إما مؤمنون به، مهتدون بهديه، وإما معاندون متبعون لما علمتم من الباطل.

{ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} } وهذا استدلال عليهم، بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.

وقد تقرر في العقل مع الشرع، أن الأمر لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:

إما أنهم خلقوا من غير شيء أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال.

أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور أن يوجدوا أنفسهم 

فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث أن الله الذي خلقهم، وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له تعالى.

وقوله: { {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } } وهذا استفهام يدل على تقرير النفي أي: ما خلقوا السماوات والأرض، فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدا. ولكن المكذبين { { لَا يُوقِنُونَ } } أي: ليس عندهم علم تام، ويقين يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية والعقلية.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 1
  • -1
  • 9,619
المقال السابق
فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون
المقال التالي
أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً