فتاوى مختارة عن الكسوف للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-
الكسوف له سبب حسي، وسبب شرعي، فالسبب الحسي في كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض، فيحجبها عن الأرض إما كلها، أو بعضها، وكسوف القمر سببه الحسي حيلولة الأرض بينه وبين الشمس؛ لأنه يستمد نوره من الشمس...
1-سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: عن سبب الكسوف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الكسوف له سبب حسي، وسبب شرعي، فالسبب الحسي في
كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض، فيحجبها عن الأرض إما
كلها، أو بعضها، وكسوف القمر سببه الحسي حيلولة الأرض بينه وبين
الشمس؛ لأنه يستمد نوره من الشمس، فإذا حالت الأرض بينه وبين الشمس
ذهب نوره، أو بعضه، أما السبب الشرعي لكسوف الشمس وخسوف القمر فهو ما
بينه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقوله: «
».
***
2-سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما الحكمة من صلاة
الكسوف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكمة من صلاة الكسوف متعددة الجوانب:
أولاً: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أمرنا أن نفزع إلى
الصلاة.
ثانياً: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قد صلاها.
ثالثاً: التضرع إلى الله عزوجل؛ لأن هذا الكسوف، أو الخسوف يخوف الله
به العباد من عقوبة انعقدت أسبابها، فيتضرعُ الناسُ لربهم عز وجل؛
لئلا تقع بهم هذه العقوبة التي أنذر الله الناس بها بواسطة الكسوف أو
الخسوف.
***
3-سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما الحكم لو كانت الشمس عليها
غمام ونشر في الصحف قبل ذلك بأنه سوف يحصل كسوف -بإذن الله تعالى- في
ساعة كذا وكذا فهل تصلي صلاة الكسوف ولو لم يُر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجوز أن يصلي اعتمادًا على ما ينشر في
الجرائد، أو يذكر بعض الفلكيين، إذا كانت السماء غيمًا ولم ير الكسوف؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية، فقال عليه الصلاة
والسلام: « »، ومن الجائز أن الله تعالى يخفي
هذا الكسوف عن قوم دون آخرين لحكمة يريدها.
***
04 سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: متى تشرع صلاة الكسوف
والخسوف؟ إذا كان جزئيًا -أي: في بدايته- أم إذا كان كليًّا؟
أجاب فضيلته بقوله: إذا رأى الكسوف ـسواء كان كليًّا أو جزئيًّاـ
فإنه يفزع إلى الصلاة، ولا يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل
ذلك حين رأى الكسوف وأمر به، ولا يشترط أن يبقى حتى يكمل؛ لأنه أمر
غير معلوم؛ ولأن قوله عليه الصلاة والسلام: «
» يشمل الكسوف الجزئي والكلي،
فيُنادى للصلاة: الصلاة جامعة؛ لتجمع الناس، والأفضل أن يكونوا في
مساجد الجمعة؛ لأن ذلك أكثر للعدد، وأقرب للإجابة، ولهذا نص العلماء
رحمهم الله على أنه يسن الاجتماع لصلاة الكسوف أو الخسوف في الجامع،
ولا حرج أن يصلي كل حي في مسجده الخاص؛ لأن الأمر في هذا واسع.
***
5- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: هل يجوز للمرأة أن تصلي
وحدها في البيت صلاة الكسوف؟ وما الأفضل في حقها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن تصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها؛
لأن الأمر عام: « »، وإن خرجت إلى المسجد كما فعل
نساء الصحابة، وصلت مع الناس كان في هذا خير.
***
6- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما السنة في صلاة الكسوف؟ هل
هي في المسجد أم في المصلى؟ وهل تجب فيها الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة في صلاة الكسوف أن يجتمع الناس لها في
مسجد الجامع؛ لأنه كلما كثر العدد، كان أقرب إلى الإجابة، وإذا صليت
في المساجد الأخرى فلا حرج، وإذا صليت فرادى كما تصليها النساء في
بيوتهن؛ فلا حرج أيضًا؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «
».
***
7- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما هو الراجح في صفة صلاة
الكسوف والخسوف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الراجح في صفتها ما ثبت في «الصحيحين» من حديث
عائشة رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، في كل
ركعة ركوعان وسجودان، وأطال فيهما في القراءة، والقيام، والقعود،
والركوع، والسجود، ولكنه جعل كل ركعة أطول من التي بعدها.
***
8- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: من المعلوم أن السنة التطويل
في صلاة الكسوف لكن إذا كان يشق على الناس فماذا أصنع؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول افعل السنة، فلست أرحم بالخلق من رسول
الحق، صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطال في
صلاة الكسوف إطالة طويلة، حتى إن بعض الصحابة مع قوتهم، ومحبتهم للخير
جعل بعضهم يغشى عليه ويسقط من طول القيام، ففي حديث جابر بن عبدالله
رضي الله عنهم قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه،
فأطال القيام حتى جعلوا يخرون»،
ولهذا انصرف النبي عليه الصلاة والسلام من صلاته وقد تجلت الشمس، مع
أن كسوفها كان كليًا كما ذكره المؤرخون، وهذا يقتضي أن تبقى ثلاث
ساعات أو نحوه والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ ويصلي، فقرأ
قبل الركوع الأول نحوًا من قراءة سورة البقرة، كما في حديث ابن عباس
رضي الله عنهما، وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما سجدت سجودًا قط كان
أطول منها"، وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "فقام النبي صلى
الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام
وركوع وسجود رأيته قط يفعله"، ولم يقل عليه الصلاة والسلام إني سأرحم
الخلق، وأقصر وأخفف.
لذا أفعل السنة، فمن قدر على المتابعة فليتابع، ومن لم يقدر فليجلس
ويكمل الصلاة جالسًا، وإذا لم يستطع ولا الجلوس كما لو حصر ببول أو
غائط فلينصرف. أما أن نترك السنة من أجل ضعف بعض المصلين، فهذا غير
صحيح.
***
9- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما الذي يشرع من القرآن
لصلاة الكسوف؟
أجاب فضيلته بقوله: صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة، بل
المشروع فيها الإطالة، لكن لو أتى مثلاً بسور فيها مواعظ كثيرة فالوقت
مناسب، وكان بعض مشائخنا يستحب أن يقرأ سورة الإسراء، لأن فيها آيات
مناسبة منها قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالأَْيَاتِ
إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَْوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالأَْيَاتِ
إِلاَّ تَخْوِيفًا} المهم أنه يقرأ
ما تيسر، ولكن يطيل القراءة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
***
10- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: ما الركن في صلاة الكسوف؛
الركوع الأول أم الثاني؟ وما الذي يترتب على فوات أحدهما؟ هل يترتب
إعادة الركعة بكاملها أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الركن هو الركوع الأول، فإذا فاته؛ فقد فاتته
الركعة، فيقضي مثلها إذا سلم الإمام؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«
».
***
11- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: من فاته الركوع الأول من
الركعة الثانية ماذا يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يفوته الركوع الأول من الركعة الثانية، أو
الأولى تكون هذه الركعة قد فاتته، وإذا فاته الركوع الأول من الركعة
الثانية؛ فقد فاتته صلاة الكسوف كلها مع الإمام، ولكنه إذا سلم الإمام
يقوم فيأتي بركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان.
***
12- سُئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: من أتم صلاة الكسوف بركوع
وسجدتين بعدما سلم الإمام؛ فهل يلزمه إعادة الصلاة أم ماذا
يفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه إعادة الصلاة إذا كان جاهلاً، أما إذا
كان عالمًا لكنه متلاعب؛ فإن صلاته تبطل.
***
13- حكم صلاة الكسوف
قال بعض العلماء بوجوبها، وصلاة الكسوف وتحية المسجد ونحوهما تجب
بأسبابها، وما وجب بسبب فإنه ليس كالواجب المطلق.
قالوا: ولهذا لو نذر الإنسان أن يصلي ركعتين لوجب عليه أن يصلي مع
أنها ليست من الصلوات الخمس، لكن وجبت بسبب نذره، فما وجب بسبب ليس
كالذي يجب مطلقًا. وهذا القول قوي جدًا، ولا أرى أنه يسوغ أن يرى
الناس كسوف الشمس أو القمر ثم لا يبالون به، كل في تجارته، كل في
لهوه، كل في مزرعته، فهذا شيء يخشى أن تنزل بسببه العقوبة التي أنذرنا
الله إياها بهذا الكسوف. فالقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب.
وإذا قلنا بالوجوب؛ الظاهر أنه على الكفاية.
***
14- مسائل:
الأولى: لو حصل كسوف ثم تلبدت السماء بالغيوم فهل نعمل بقول علماء
الفلك بالنسبة لوقت التجلي؟
الجواب: نعمل بقولهم؛ لأنه ثبت بالتجارب أن قولهم منضبط.
الثانية: إذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضى؛ لأننا ذكرنا
قاعدة مفيدة، وهي (أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت
مشروعيتها) . فالكسوف مثلاً إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا
تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال.
ويعبر الفقهاء -رحمهم الله- عن هذه القاعدة بقولهم: (سنة فات
محلها).
الثالثة: إذا شرع في صلاة الكسوف قبل دخول وقت الفريضة ثم دخل وقت
الفريضة، فماذا يفعل؟
الجواب: إن ضاق وقت الفريضة وجب عليه التخفيف؛ ليصليها في الوقت، وإن
اتسع الوقت فيستمر في صلاة الكسوف.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: