نصح الدعاة أم إسقاطهم!!
قال الحسن البصري: الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء
بسَمات منمّقة موزعة، وأسئلة مثارة خانقة للسامع، على مقاطع لمشاهير، وقصاصات لعلماء، اعتقدت أنها ابتداءً كاللجام الملجِم، أو كالحسام الحاسم بالنص والحجة، فإذا هي مجرد إثارات هوائية، أو تتبعات خاوية، أو تحميلات طاغية،!. وبدلاً من أن تشع وسامة وفقاهة ، أُتخمت قتامة وكآبة ،. ما ينبغي أن يفوه بها عاقل عليم، أو ذو تقوى بصير!! فضلا عن متدين يدعي طلبة الهداية والنفاح عن الإسلام!! نعم ثمة أخطاء، ولكن ليست بهذه الصورة المستعدية الغالية الجانفة!.
ومحاولة إلحاقهم بالفرق المنحرفة، أو فساد عقدي، أو الفكر الداعشي الخارجي، وبعضهم له كتابات صارمة في التحذير منهم.
( {وإذا قلتم فاعدلوا} ) سورة الأنعام .
( {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ) سورة النساء .
حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض.
فإن يكن الفعلُ الذي جاء واحداً
فأفعالُه اللائي سَرَرن ألوفُ
إذ تنتشر هذه الأيام مقاطع لبعض المنتسبين للدعوة، أو جهات مناوئة قمعية، أو مبتدعة - والمهم أولهم- لأن الأعادي بطائنهم مكشوفة، فيستلون كلمات وتعليقات وتغريدات لدعاة، استفاض فضلهم في الناس، وشهد لهم الناس بالخير، وارتضتهم دولهم، وفي الحديث ( أنتم شهود الله في أرضه ). وبعضهم من العلماء المزكين، وفيهم أرباب وعظ وفكر سيار.
فيحملونها على غير محاملها، ويصنعون من الحبة قبّة، ومن الخيط جبلا، ومن الحق باطلا، ومن الخطأ كفرا وضلالا، بغية النصح وتبصير الأنام كما زعموا،
وتجاهلوا أن من هؤلاء علماء متضلعون في الشريعة فقها وشرحا وإفتاء، فكيف يُمسّون ولحومهم مسمومة، وكيف يطعنون وجسومهم مصونة. قال تعالى( {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ) [سورة الزمر] .
وقال ابن المبارك: (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخفّ بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته) .
ولكن إذا تأملت طريقتهم النصحية والحوارية، بدا لك الآتي :
١/ الإفلاس العلمي والحواري، فلا حجج دامغة، ولا منهج حواري موضوعي دقيق!. بل كما قال المتنبي :
كدعواك كل يدعي صحة العقلِ
ومن ذَا الذي يدري بما فيه من جهلِ .
وليتهم دُعوا لمناظرات علنية. فلبان جهل المعتدي، ومتانة علم المعتدى عليهم! ولسان حال الصالح المنال منه:
فلدي أعلامُ الشريعة والتقى
ولدي آلافٌ من الكلماتِ
٢/ الظلم المتعمد والإلجاء المتعنّت الشمولي .( {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا} !.) [سورة المائدة] .
٣/ إهدار المحاسن المشهورة، فلكأنهم جماعة مبتدعة، أو قطاع طرق فكرية وتجارية، لا هم لهم إلا البروز والمصالح الشخصية . وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله (ومن أعظم المحرمات و أشنع المفاسد، إشاعة عثراتهم، و القدح فيهم في غلطاتهم و أقبح من هذا وأقبح: إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك،وربما يكون _ وهو الواقع كثيرا _ أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ، ولهم اجتهادهم).
٤/ مجانبة نهج أهل السنة في المناصحة وكشف الأخطاء. ومتى كانت النصيحة بهذا الشكل المزري، والمفضي للضرر والهلكة، قال الحسن بن ذكوان رحمه الله (مهْ، لا تذكر العلماء بشيء، فيُميت الله قلبك).
٥/ تربية الناشئة على التطاول ونبز الأكابر والصلحاء، وإن اختلفنا معهم، فيبقى لهم منارة مشعة في نفع الناس ، ومحاضراتهم تضرب الآفاق .
٦/ التلاين مع المبتدعة الحقيقيين وإهمالهم، بل ربما الإشادة ببعضهم، فضلا عن أن يفكروا في كشف القتلة والاستعماريين من اليهود والنصارى.
٧/ استعداء السلطات والنظم العربية على فضلاء المجتمع دينا ووعيا وتأثيرا .
٨/ محاولة تنفير المجتمع منهم، ودق إسفين بينهم والنَّاس ، لتكتمل عملية التشويه والإسقاط النفسي والاجتماعي، فيبيت الناس بلا وعي ولا موجه، قال الإمام السخاوي رحمه الله: (إنما الناس بشيوخهم، فإذا ذهب الشيوخ فمع مَن العيش).
٩/ استسهال أعراض الخلائق، والأشنع حينما تلامس دعاة الأمة وقد صح في الحديث (من أربى الربا الاستطالة في عرض مسلمٍ بغير حق). رواه اأو دَاوُدَ .
١٠/ تجرئة المنطق واللسان على آفاته وجرائره ، بدءا بالظِنة ، فمرورا بالزيف، وانتهاء بالفرية. ويشغل الطلاب عن العلم ومسائله الحقيقية، وقد قال أبو سنان الأسدي رحمه الله: ( إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلّم مسألة في الدين يتعلّم الوقيعة في الناس، متى يفلح).
١١/ خلط المسائل الاجتهادية بالقطعية، وتنزيل الفروع وما يسوغ فيه الاختلاف ، منازل الأصول واليقينيات.
وهذا من أقبح صور الجهل والتجني.
١٢/ استقصادههم للمؤثرين فضائيا ومسجديا وتأليفيا، حتى اذا أُسقطوا، راح أبناؤنا للمتردية والنطيحة، أو لجأوا للروايات الماجنة والقنوات التافهة، والمواقع المحرضة، وهو جوهر دعوة مناوئي الصحوة الإسلامية.
١٣/ أكثر المنتقَد عثرات محدودة، ولا تصيب جادة المنهج، أو مما يستوعبه الخلاف ووجهات النظر، وتتبع العثرات مسلك الذين لا يعلمون والذين لا يفقهون ودائما يبتدعون!. ومن يسلم منا من عثرة، أو لا تخالطه زلة!؟. قال العلامة الصنعاني رحمه الله (وليس أحدٌ من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تُغمر في جنب فضله وتُجتنب).
وتربت الأمة على مقولة ابن عساكر رحمه الله (لحوم العلماء مسمومة) وإنما سُمت لأنها أشرف أجساد وفيها أعظم ميراث، وهذا إنما هو للربانيين وليس للمأجورين النفعيين البلعاميين، من قال الله فيهم( {آتَيْنَاه آيَاتِنَا فَانسَلَخ منها} ) [سورة الأعراف] .
ولو أسقط كل عالم وصالح بزلته، لما بقي لنا أئمة كالبخاري وابن معين وابن حبان وأبي حنيفة، والنووي والعيني وابن حجر وأشباههم ، رحم الله الجميع، وأصلح مقاصدنا وأعمالنا.
١٤/ استفادة أعداء الدعوة من العَلمانيين والليبراليين والبدعيين والقوميين لذلك، وبثها في مواقعهم وقنواتهم، وسرورهم بما آل اليه بعض أبناء التيار الإسلامي من الفرقة، وقد بدا تعاطيه الجاهل، أو بوقه المؤجر، أو تصرفه المشين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام!!
ومضة/ قال الحسن البصري: الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء .
- التصنيف: