مظاهر العلمانية قي بلاد المسلمين:المقال الثاني
ملفات متنوعة
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مهمته هي بيان الدين، ومع ذلك أمره الله أن يحكم بين الناس بالعدل، لأن معرفة الدين هي الطريق الصحيح إلى الحكم بالعدل
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة
لا يمكن لأي شخص عرف الإسلام – مهما قلت معرفته به أن يقول أن الإسلام يفرق بين الدين والحكم، بحيث يكون الدين لله والحكم للشعب أو القانون أو مجلس التشريع أو الحزب أو غير ذلك من الإطلاقات العلمانية الباطلة، لأن الإسلام يعتبر جميع البشر عبيدا لخالقهم، ولا مزية لأحد على آخر إلا بالتقوى، ويحرم أن يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وأن من رضي بالتحاكم إلى غير الله فهو طاغوت خارج عن الفطرة محارب لله ظالم لنفسه، متعد لما ليس له، وسيحاسبه الله تعالى عن ذلك.
وفي الإسلام البيان التام الشامل لكل جوانب الحياة سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية.. الخ، بينها الله تعالى في قواعد شاملة وأحكاما جامعة وأمر الناس بفهمها واستخراج كل ما يصادفهم من أحكام وتشريع على ضوئها من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالمشرع في الإسلام هو الله وحده، وما نطق به رسوله والمنفذ للأحكام الشرعية هم الحكام الذين تختارهم الأمة ويرضون بحكمهم لتنفيذ الشرع الشريف، وهؤلاء الحكام ليسوا طبقة فوق البشر، أو لهم صفات إلهية – كما كان يتصور الجاهلون قديما – وإنما هم منفذون فقط، وأن كل مسلم مطالب بأن يعرف الأحكام الشرعية وأمور العبادات والاقتصاد وغير ذلك من أمور الحياة، وبعض آخر يطلب الإسلام من كل أتباعه أن يكونوا صالحين لتنفيذ أحكام الله في كل قضية تعرض للشخص، ومعنى هذا أنه لا يوجد في الإسلام تلك الدعوى النصرانية التي بنى عليها اللادينيون فكرهم، وهي "أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر" فهذه الإزدواجية لا مكان لها في الإسلام، وإنما الذي فيه هو تساوي الناس في التكليف أمام الله ومطالبتهم جميعا بتنفيذ أحكام الشريعة وطاعة ولاة أمورهم في غير معصية الله ورد ما يختلفون فيه إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبهذا تصلح الحياة وتستقيم الأمور ويحصل التنافس في فعل الخير، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].
وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].
وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [ النساء:65].
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مهمته هي بيان الدين، ومع ذلك أمره الله أن يحكم بين الناس بالعدل، لأن معرفة الدين هي الطريق الصحيح إلى الحكم بالعدل، ولم يقتصر الأمر على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل شمل غيره من أمته، فقد أمرهم الله أن يحكموا بالعدل حينما يرتضيهم الناس للتحاكم إليهم، و على هذا فلا فرق بين الدين والحكم أو السياسة، ومن فرَّق بينهما فلجهله أو لميله إلى العلمانية اللادينية.
ولقد كان خلفاء المسلمين هم العُبَّاد، والزهاد، والقواد، والخطباء، والقضاة بين الناس، بل نجد الإسلام يجعل الحكم أوسع مما يتصوره العلمانيون إذ يوجب على جماعة المسلمين مهما كانت قلتهم أن يختاروا لهم أميرا منهم يرجعون إليه عند الاختلاف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» )) .
ومعلوم أن هذا الأمير متدين ملتزم للحكم بما أنزل الله، وعلى طريقة العلمانية لابد أن يكون هذا الأمير غير متدين مستهتر بأحكام الشرع يتم انتخابه بأي طريقة كانت، ولا تسأل بعد ذلك عن الفضل الذي يتميز به عليهم ليكون أميرا لهم إذا لم يكن ملتزما لمنهج الله في حكمه، مراقبا لربه، مخلصا في أداء عمله بالعدل الإلهي.
إنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية نص واحد يثبت التفرقة بين الدين والحكم، لا في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية، ولا في أقوال علماء الإسلام، بل نجد أنه لا شرعية لحاكم لا يتخذ الدين منهجا له.
ولا يوجد كذلك نص واحد يثبت أن أحدا من خلفاء المسلمين من الصحابة أصدر حكما على طريقة الفصل بين الدين والحكم، أو اعتذر عن أي حكم أصدره بأن سياسة الحكم اقتضته، حتى وإن كان مخالفا للدين، بل كانت طريقتهم أن كل حكم يخالف الدين يعتبر حكما جاهليا باطلا، وذلك للتلازم التام بين الدين والحكم، واستمر الأمر على ذلك حتى نبغت فتنة دعاة العلمانية الغربية وإذا بضعفاء الإيمان والمخدوعين من المسلمين يتأثرون بتلك الدعايات ويطالبون مجتمعاتهم بالسير في أثر أولئك في الوقت الذي جهلوا فيه – أو تجاهلوا – أن للغرب أسبابه الظاهرة في مناداتهم بالعلمانية وإقصاء الدين الذي مثله طغاة الكنيسة ردحا من الزمن، وكان على الشعوب الغربية كالكابوس الثقيل، وتغافل هؤلاء عن أن الإسلام ليس فيه شيء من ذلك، بل فيه العدل والنور، وإنه صلح عليه حال من قبلنا، وسيصلح به حالنا لو حكمناه واكتفينا به عن الأنظمة الجاهلية البشرية التي هي محل النقص دائما.