أمور صغار عذب الله أصحابها في النار
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «بينما رجل يجرُّ إزارَه من الخيلاء، خُسِف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» "
إن إبليس لعنه الله فعل ذنبًا واحدًا، وكانت عاقبة ذنبِه اللعنَ إلى يوم الدين، تُرى ما الذنب العظيم الذي فعله إبليس؟
إن المؤمن يخشى ذنبًا فعله لم يغفِرْه الله له فيُعذِّبه به في نار جهنم، وكانوا يقولون: الذنوب جراحات، ورُبَّ جرحٍ وقع في مقتلٍ، ويُذكر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: إن الله يغفر الكبائر فلا تيئسوا، ويُعذِّب على الصغائر فلا تغترُّوا.
قال ابن بطَّال رحمه الله: "ينبغي أن يكونَ المؤمنُ عظيمَ الخوف مِن الله تعالى من كل ذنبٍ، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لأن الله تعالى قد يعذِّب على القليل، وقد قال الله تعالى: { {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} } [الأعراف: 99]".
وأنا أذكر لك بعض من عذبهم الله تعالى في ذنوب اتهموا أنها من محقرات الذنوب.
1- رجل يدخل النار في ذباب:
صحَّ عن سلمانَ الفارسيِّ رضي الله عنه قال: " «دخل رجلٌ الجنةَ في ذباب، ودخل رجل النار في ذباب"، قالوا: وما الذباب؟ فرأى ذبابًا على ثوب إنسان، فقال: "هذا الذباب"، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: "مرَّ رجلانِ مسلمانِ على قوم يعكُفُونَ على صنمٍ لهم، فقالوا لهما: قرِّبا لصنمِنا قربانًا، قالا: لا نشرك بالله شيئًا، قالوا: قرِّبا ما شئتما ولو ذبابًا، فقال أحدهما لصاحبه: ما ترى؟ قال أحدهما: لا نشرك بالله شيئًا، فقُتِل فدخل الجنة، فقال الآخر بيده على وجهه، فأخذ ذبابًا فألقاه على الصنم، فدخل النار» ".
وهكذا دخل الرجل النار في ذباب لَمَّا أشرك بالله عز وجل؛ {{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} } [النساء: 116].
2- يدخل النار بكلمة:
أخرج مسلم عن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث "أن رجلًا قال: والله لا يغفر اللهُ لفلانٍ، وإن الله تعالى قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألَّا أغفر لفلانٍ؟ فإني قد غفرتُ لفلان، وأحبطتُ عملَك"، أو كما قال.
وصحَّ عن ضمضم بن جوس رحمه الله قال: دخلتُ مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخٍ مصفر رأسه، برَّاق الثنايا، معه رجل أدعج جميل الوجه شاب، فقال الشيخ: يا يمامي، تعالَ، لا تقولن لرجل أبدًا: لا يغفر الله لك، والله لا يدخلك الله الجنة أبدًا، قلت: ومَن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا أبو هريرة، قلت: إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله أو لخادمه إذا غضب عليها، قال: فلا تَقُلْها؛ إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " «كان رجلانِ من بني إسرائيل متواخيينِ، أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر مذنب، فأبصر المجتهدُ المذنبَ على ذنب، فقال له: أقصِر، فقال له: خلِّنِي وربي، قال: وكان يعد ذلك عليه، ويقول: خلِّني وربي، حتى وجده يومًا على ذنب فاستعظمه، فقال: ويحك أقصر، قال: خلِّني وربي، أبُعثت عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، أو قال: لا يُدخِلك الله الجنة أبدًا، فبُعث إليهما مَلَكٌ فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده جل وعلا، فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالِمًا، أم كنت قادرًا على ما في يدي، أم تحظر رحمتي على عبدي؟ اذهب إلى الجنة - يريد المذنب - وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار» ".
في رواية: قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لَتَكلَّمَ بكلمة أوبقَت دنياه وآخرته.
وهكذا حبِط عملُ الرجل بكلمة واحدة، فاحذر كلامك، وأمسِكْ عليك لسانك، إن هذه الكلمة كبيرة من الكبائر، فلا أحد يعرف مَن في الجنة ومَن في النار، من المغفور له، ومن المغضوب عليه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " «إن العبد ليتكلَّمُ بالكلمة، ما يتبين فيها، يزلُّ بها في النار أبعد مما بين المشرق» ".
وفي رواية: " «إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة مِن سَخَطِ الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم» ".
وهكذا حبِطَ عمل الرجل بكلمةٍ واحدةٍ؛ فاحذر كلامك، وأمسك عليك لسانك. إن هذه الكلمة كبيرةٌ من الكبائر، فلا أحد يعرف من في الجنة ومن في النار، من المغفور له، ومن المغضوب عليه.
3- رجل يعذب في قبره بسبب بوله:
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة، فسمِع صوت إنسانينِ يُعذَّبانِ في قبورهما، فقال: " «يعذَّبان، وما يعذبان في كبير، وإنه لكبيرٌ، كان أحدُهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة» ".
لم يكن أمرًا عظيمًا يصعُب تركُه ويشُق الإعراض عنه، ثم قال: "وإنه كبير"؛ يعني عند الله عز وجل.
4- رجل يدخل النار في إسبال إزاره:
أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «بينما رجل يجرُّ إزارَه من الخيلاء، خُسِف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» ".
أبهذا الذنب يخسف اللهُ بهذا العبد؟ بلى، { {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} } [النور: 15].
٥- امرأة تدخل النار بأذيتها جارتِها بلسانِها:
صحَّ عن أبي هريرةَ قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصَّدَّقُ، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «لا خير فيها، هي من أهل النار"، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصَّدَّقُ بأثوار، ولا تؤذي أحدًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي من أهل الجنة» ".
6- امرأة تدخل النار في هرة حبستها:
أخرج مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: «كسفتِ الشمسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ثم قال: "إنه عُرِض عليَّ كل شيء تولجونه، فعُرِضت عليَّ الجنة، وعرضت عليَّ النار، فرأيت فيها امرأةً من بني إسرائيل تُعذَّب في هرَّةٍ لها ربطَتْها، فلم تُطعِمها ولم تَدَعْها تأكل من خشاش الأرض» ".
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «دخلتِ امرأةٌ النارَ مِن جرَّاء هرة لها، أو هر، ربطَتْها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلًا» "؛ قال الزهري: ذلك؛ لئلا يتكل رجل، ولا ييئس رجل.
لقد كان سبب عذابها هرَّة لها ربطتها وحبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، وظلت الهرة في محبسها حتى ماتت.
ولم تكن هذه المرأةُ كافرةً، وإنما كانت مسلمة، موحدة لله عز وجل، وعُذِّبت بسبب حبسها هذه الهرة؛ لأنها ربطتها وحبستها وأصرت على معصيتها حتى ماتت الهرة.
- التصنيف:
Belboul Hanae
منذ