من روائع الحكم المقال السادس عشر
عبد الفتاح آدم المقدشي
وهكذا لقد حذَّرنا الله أن يفتننا الكفار عن بعض ما أنزل الله علينا باتباع أهواءنا وهو ما يجرنا إلى مصائب دنيوية وأخروية
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
حول تطبيق الشريعة
قال تعالى { {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} } [ الجاثية: 18 ]
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 70)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي آتينا بني إسرائيل، الذين وصفت لك صفتهم (على شريعة من الأمر) يقول: على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا (فاتبعها) يقول: فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) يقول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله، الذين لا يعرفون الحق من الباطل، فتعمل به، فتهلك إن عملت به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها) قال: يقول على هدى من الأمر وبينة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها) والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي فاتبعها (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) أنظر تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 70)
وقفات على آية الجاثية
الوقفة الأولى : هذا الخطاب وإن كان موجَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يشمل هو وأمته – بأبي هو وأمي - وهو أيضا دليل على أن الله سبحانه كفانا المؤنة حيث جعلنا على شريعة من الأمر ولكن أي شريعة هي ؟ إنها شريعة الله ومنهاج الرحمن وطريقته الحق, إنها صراط الله المستقيم, صراط الله الذي له ما في السموات والأرض, صراط من له الدنيا والآخرة, وله الحمد والنعمة في الدنيا والآخرة { {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} } [ القصص: 70 ]
الوقفة الثانية: قوله تعالى { {فَاتَّبِعْهَا} } هذا الأمر بالطبع يقتضي الوجوب , فمن جعل اتباع شريعة الرحمن بالخيار حيث إن شاء اتبعها وإن شاء تركها فهو ضال مضل قد ترك عبودية الرحمن كما هو امرء واقع في الشرك المحذور مفسد لا مصلح أبداً.
ومعنى الاتباع المشي وراء أوامر الله وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله حذو القذة بالقذة بدون تفلسف ولا ابتداع.
ومعنى الانباع لله ولرسوله الخضوع والانقياد والاستسلام بالرضا التام لأحكام الله في حالات المنشط والمكره والعسر واليسر.
ومعنى الانباع لله ولرسوله اتخاذ منهجهما وطريقتهما المنهج الوحيد والطريق الوحيد الذي يستغني به المسلم من كل المناهج والطرائق الوضعية المضللة التي صدرت من آراء الناس وحثالة أفكارهم.
الوقفة الثالثة : قوله تعالى { {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} } فيه دليل على أن اتباع شريعة الرحمن صيانة من اتباع أهواء الذين لا يعلمون كما أن جهلهم أي جهل الذين لا يعلمون مانع لاتباعهم لمن يعقل قال تعالى { {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} } [ مريم: 43 ] إذاً هنا أن العقل يقتضي أن الجاهل لابد أن يتبع العالم لا العكس ولكن - للأسف الشديد – نرى في هذا العصر الحديث العجب العجاب حيث أن كثيراً ممن تنكبوا عن حقائق الأمور والواقع على الأرض وسلكوا بنيات الطريق وتركوا دينهم نابذين وراء ظهورهم جعلوا أنفسهم الشريفة بالحق تابعين وهم حاملوا لواء الحكمة والخير والصلاح والنور والهداية وجعلوا الذليلين بالباطل متبوعين وهم الكفار حاملوا لواء السفة والشر والفساد والظلمات والضلالات فسبحان مغير الأحوال , وإنما ذلك لذنوبهم ومعاصيهم قال تعالى { {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} } [ يونس : 35 ]
ولذلك اتبع كثير ممن يظنون أنهم أهل الحق بمن لا يهدي إلا أن يهدى من الديمقراطيين وغيرهم فصار المستحق للإتباع تابعاً وصار المستحق أن يكون تابعاً متبوعاَ وهكذا انقلبت الموازين واختلطت الأفهام وصار كثير من المتأولين المبطلين الذين ينتسبون إلى الإسلام إسلامهم إدعاءاً لا يعرفون المعروف معروفاً ولا ينكرون المنكر لكونه منكراً كما جعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً والفتنة حقاً والحق الصريح فتنة حتى صار فيهم الحليم حيران فما ظنك بسواد الناس الأعظم الذي أكثرهم عوام لا يفقهون شيئاً إلا ما أٌشرِب هواهم من الرعاع والغوغاء, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيه أن من لم يلتزم شريعة الرحمن سيتبع الشيطان حتماً ويتخذه أولياء كما أن من اتخذ إلها من دون الله فإلهه شيطان قال تعالى { {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)} } [ الأعراف: 3- 4 ]
وفي هاتين الآيتين أن الأمر والنهي هنا منصبان - كما ترى – بالاستمساك بكتاب الله الذي أنزل بعلم الله من فوق سبع سموات , أما من حاد عنهما يمنة أو يسرة فهو مهدد بأن يهلكه الله ببأسه بياتا أو قيلولة كما أهلك الله بذلك بأممٍ كثيرةٍ ولكن قليلاً ما يتذكر الإنسان أو يعتبر ليعرف مصالحه الدنيوية والأخروية.
وهكذا لقد حذَّرنا الله أن يفتننا الكفار عن بعض ما أنزل الله علينا باتباع أهواءنا وهو ما يجرنا إلى مصائب دنيوية وأخروية فقد قال سبحانه وجلَ شأنه { {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} } [ المائدة : 49 ]
قال الشاعر: كما في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 468)
نور الشريعة يهدي قلب ملتمس ... للحق من ساطع الأنوار مقتبس
والجهل والصدف عن نهج الهدى كفلا ... لا شك للشخص بالخذلان والفلس
وبالشقا والردى والبعد عن سبل ... تفضي إلى جنة المأوى بملتمس
فخذ بنص من التنْزيل أو سنن ... جاءت عن المصطفى الهادي بلا لبس
وسنة الخلفاء الراشدين فهم ... أكرم بهم لمريد الحق من قبس
فإن خير الأمور السالفات على ... نهج الهدى والهدى يبدو لمقتبس
والشر في بدع في الدين منكرة ... تحلو لدى كل أعمى القلب منتكس
من ذاك ذبح لدى المرضى فصاحبه ... على شفا جرف الخسران والتعس
فإن به قصد الجن لفواه فذا ... شرك وكفر جلي غير ملتبس
أولا فبدعة ذي جهل وذي عمه ... تدني إلى درن الإشراك والدنس
فاصغ للحق واردد سواه على ... أربابه من أخي نطق وذي خرس
وهذه حجة التحريض قائمة ... قد أسفرت لمريد الحق فاقتبس
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي