مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - كذبت ثمود بالنذر

منذ 2019-01-18

فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ *وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} :

من آيات الله في السابقين تلك الآيات التي جرت لثمود سواء معجزة الناقة التي انفلقت عنها الصخرة العظيمة يوم سألوا نبيهم معجزة بعدما كذبوه واستكبروا أن يؤمنوا بنبي من بني جنسهم وليس ملكاً من الملوك أو ملكاً من الملائكة , فأرسل الله لهم الناقة معجزة وآية أيد به رسوله صالحاً , فكانوا يشربون من ماء بئرهم يوماً ويشربون من لبن الناقة يوم شربها من البئر , ثم ما كان منهم إلا الضجر والكفر بالنعمة ومناداة أشقاهم بعقر الناقة فعقرها , فتحققت فيهم الآية الثانية وهي الإهلاك العام بالصيحة إلا صالحاً ومن معه من المؤمنين فكانوا كالهشيم اليابس المفتت من شدة الإهلاك , ليكونوا عبرة وآية وعظة يعظ الله بها المؤمنين في كتابه الخاتم الذي يسره لكل قارئ وكل متدبر مؤمن بما فيه.
قال تعالى :

 { {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ *وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } } [القمر 23-32]

قال السعدي في تفسيره:

أي كذبت ثمود وهم القبيلة المعروفة المشهورة في أرض الحجر، نبيهم

صالحا عليه السلام، حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنذرهم العقاب إن هم خالفوه

فكذبوه واستكبروا عليه، وقالوا -كبرا وتيها-: { {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} } أي: كيف نتبع بشرا، لا ملكا منا، لا من غيرنا، ممن هو أكبر عند الناس منا، ومع ذلك فهو شخص واحد { {إِنَّا إِذًا} } أي: إن اتبعناه وهو بهذه الحال { {لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} } أي: إنا لضالون أشقياء، وهذا الكلام من ضلالهم وشقائهم، فإنهم أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر، ولم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر والحجر والصور.

{ { أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} } أي: كيف يخصه الله من بيننا وينزل عليه الذكر؟ فأي مزية خصه من بيننا؟ وهذا اعتراض من المكذبين على الله، لم يزالوا يدلون به، ويصولون ويجولون ويردون به دعوة الرسل، وقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقول الرسل لأممهم: { {قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده} } فالرسل من الله عليهم بصفات وأخلاق وكمالات، بها صلحوا لرسالات ربهم والاختصاص بوحيه،

ومن رحمته وحكمته أن كانوا من البشر، فلو كانوا من الملائكة لم يمكن البشر، أن يتلقوا عنهم، ولو جعلهم من الملائكة لعاجل الله المكذبين لهم بالعقاب العاجل.

والمقصود بهذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح، تكذيبه، ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر، فقالوا: { {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } } أي: كثير الكذب والشر،

فقبحهم الله ما أسفه أحلامهم وأظلمهم، وأشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع، لا جرم عاقبهم الله حين اشتد طغيانهم

فأرسل الله الناقة التي هي من أكبر النعم عليهم، آية من آيات الله، ونعمة يحتلبون من ضرعها  ما يكفيهم أجمعين، { {فِتْنَةً لَهُمْ } } أي: اختبارا منه لهم وامتحانا { {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ } } أي: اصبر على دعوتك إياهم، وارتقب ما يحل بهم، أو ارتقب هل يؤمنون أو يكفرون؟

{ {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} } أي: وأخبرهم أن الماء أي: موردهم الذي يستعذبونه، قسمة بينهم وبين الناقة، لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر معلوم، { {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} } أي: يحضره من كان قسمته، ويحظر على من ليس بقسمة له.

{ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ } الذي باشر عقرها، الذي هو أشقى القبيلة { {فَتَعَاطَى} } أي: انقاد لما أمروه به من عقرها { {فَعَقَرَ} }

{ {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } } كان أشد عذاب، أرسل الله عليهم صيحة ورجفة أهلكتهم عن آخرهم، ونجى الله صالحا ومن آمن معه { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 2
  • 0
  • 9,750
المقال السابق
كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر
المقال التالي
كذبت قوم لوط بالنذر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً