متى ينصر الله المظلومين؟
عبد المنعم منيب
إذ يعصف بكثير منهم الإحباط والاكتئاب نتيجة الأحوال المعروفة التى يلقاها المسلمون من قتل وتشريد فى السنوات الأخيرة ربما يسألون متى وكيف بينما نحن نفنى الآن؟؟
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يشعر المسلمون فى السنوات الأخيرة بالإحباط الشديد بسبب ما حاق بكثير من أبناء أمة الإسلام من جراء الظلم والبغي الغاشم الذي شرد ملايين المسلمين وقتل منهم أو جرح مئات الألوف لا سيما فى مثل سوريا والعراق و فلسطين و غزة وميانمار وغيرها، وصاحب هذا البغي الذي سحق ملايين المسلمين فرح وبطر من البغاة الظالمين المستكبرين الذين غرهم أنهم نجحوا فى سوم المسلمين أشد العذاب قتلا وتشريدا وتهجيرا فظنوا أن هذه نهاية أهل السنة فى المشرق العربي على الأقل، وزاد هذا البطر والفرح من إحباط أهل السنة بمشارق الأرض ومغاربها.
ولكن رغم معرفتنا بأعداد القتلى والمشردين فى مثل سوريا والعراق و فلسطين و غزة وميانمار وغيرها فإننا نتلو باستمرار فى قرآننا قصة الصراع بين أمة الإيمان وبين الشيطان وأوليائه والتي أوجزتها بإيضاح بل فى منتهى الجلاء آيات من سورة القمر إذ قال تعالى: " {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(16)} " فهكذا ذكر الله أنه قبل كفار اليوم كفر قوم نوح وعادوا نبي الله نوح فأهلكهم الله، و وصفت هذه الآيات كيفية إهلاكهم، ثم ذكرت الآيات التالية من أول الآية 18 وحتى الآية 42 "عاد" وتكذيبهم لنبيهم وإهلاكهم ثم "ثمود" وتكذيبهم لنبيهم وإهلاكهم ثم "قوم لوط" وتكذيبهم لنبيهم وإهلاكهم ثم فرعون وقومه وتكذيبهم لنبيهم وإهلاكهم، ثم بعد هذه القصص يقول تعالى " {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ (44)} ".
والآيتان واضحتان إذ ترد ردا جليا على من يعادي الإيمان وأهله فتقول له هل أنتم خير ممن أهلكناهم لما عصوا ربهم وحاربوا رسله؟؟ أم لديكم وثيقة من الله تثبت أنكم بمأمن من عذاب الله الذي أصاب كل من عادى الإيمان ورسل الله؟؟ وإجابة السؤالين واضحة فلا هم خير من عاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون ولا هم يملكون وثيقة تؤمنهم من عذاب الله الذي يصيب البغاة المستكبرين المعاندين لدين الله ورسله.
وبعد هذا تأتي آيتان تكشفان بوضوح شديد مصير كفار عصر ما بعد من ذكرهم الله من الهالكين فى الآيات السابقة فتقول: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ (46)} "
فمصيرهم هزيمة وانكسار فى الدنيا ثم حساب عسير وعقاب مرير فى يوم القيامة.
والآيات وصفت هزيمتهم وفرارهم فى الدنيا وتشتت جمعهم الذي دفعهم للكبر والبطر، ثم عرجت بعدها إلى وصف حالهم فى الآخرة فيقول تعالى فى الآيات التالية من سورة القمر:
" {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} "
وهكذا توجز هذه الآيات من سورة القمر قصة الصراع بين الحق والباطل إيجازا واضحا رائعا فالباطل مهزوم وهالك فى الدنيا ليس بقول الله تعالى ووعده فقط بل بأدلة التاريخ حيث ثبت أن الله أهلكهم ومزقهم شر ممزق عبر القرون وها هي آثارهم المادية باقية تؤكد صدق النبى صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغه عن ربه، ثم هناك المصير الأخروي لأهل الباطل حيث يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر.
ولكن المؤمنين اليوم إذ يعصف بكثير منهم الإحباط والاكتئاب نتيجة الأحوال المعروفة التى يلقاها المسلمون من قتل وتشريد فى السنوات الأخيرة ربما يسألون متى وكيف بينما نحن نفنى الآن؟؟ خاصة وأن اهل الإستكبار يعيروننا الآن بهزيمتنا؟؟
وهنا يبرز قوله تعالى للرد على هذه المعايرة إذ يقول تعالى " {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} " ( [سورة التوبة آية 52] )، فمصير أهل الطغيان واضح عذاب وهزيمة على أيدى المؤمنين أو عذاب يقصمهم من عند الله وفى كلا الحالتين سينقلبون إلى عذاب الآخرة حيث يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر.
أما المؤمنون فلهم (بمشيئة الله وفضله) إحدى الحسنين إما النصر أو الشهادة، قال تعالى " {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} " ( [سورة غافر آية 51] ).
وهنا قد يلح السؤال المعتاد متى هو؟؟
فتأتى الإجابة فى قوله تعالى: " {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} " ( [سورة البقرة آية 241] ).