حوارات العلمانيين بمصر.. طحين بلا دقيق

منذ 2011-06-27

إن المتابع لمشهد الحوارات التي يجريها العلمانيون في مصر، ومن لف لفيفهم، يلاحظ تجاهلهم الواضح للقضايا المجتمعية الحيوية في داخل المجتمع المصري، وحرصهم على الانخراط في مناقشة العديد من القضايا المثيرة للخلاف..


إن المتابع لمشهد الحوارات التي يجريها العلمانيون في مصر، ومن لف لفيفهم، يلاحظ تجاهلهم الواضح للقضايا المجتمعية الحيوية في داخل المجتمع المصري، وحرصهم على الانخراط في مناقشة العديد من القضايا المثيرة للخلاف ، أو التي ينطلقون من غيرها للاشتباك مع أنصار التيار الإسلامي.

 
هذه الحالة أصبحت تبدو بجلاء على شاشات الفضائيات، للدرجة التي جعلت كثيرين منهم ينتقلون من استديو إلى آخر ، للترويج لأفكارهم، موجهين خلالها سمومهم صوب التيار الإسلامي ، أو حتى المتعاطفين معه، والذين يطلقون عليهم "الأغلبية الصامتة"، وهو ما يعتبر إهانة للشعب المصري، الذي ظهر معدنه ووعيه بحقوقه وواجباته في أثناء ثورة 25 يناير، وما تبعها إلى يومنا، بارتباطه بقضايا واقعه، والتمسك بدينه.

 
هؤلاء لم يقتصروا فقط في نشر أفكارهم على الفضائيات ، بل وزعوا أنفسهم على ما يسمى بجولات الحوار ، وفق ما يعرف بمؤتمر "الوفاق القومي"، أو الآخر الوطني، أو غيرهما من مؤتمرات الحوار، ومعظمها مؤتمرات تستهدف التفافا على إرادة المقترعين ، بمطالبة أمثال هؤلاء بتأجيل الانتخابات ، ووضع دستور جديد للبلاد، على الرغم من موافقة أكثر من 77% من الناخبين المصريين على التعديلات الدستورية التي تم الاقتراع عليها يوم 19 مارس الماضي، بأن يكون إجراء الانتخابات أولا، ثم وضع الدستور ثانيا.
 
هذه الحوارات التي يسعى هؤلاء العلمانيون وأنصارهم إلى إثارتها ، لا تعدو أن تكون محاولة يائسة منهم للحيلولة دون اقتراب الإسلاميين من المقاعد"البرلمانية"، فضلا عن سعيهم إلى الحد من زيادة عدد مقاعد أنصار التيار الإسلامي في حال نجاحهم ، ووصولهم إلى "البرلمان"، وفوق ذلك وكله، سعي أمثال هؤلاء العلمانيين إلى الحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، إما بتشكيل للحكومة، أو رئاسة للدولة، خاصة بعد إعلان عدد الإسلاميين ، أو من المحسوبين عليهم عزمهم الترشح للانتخابات الرئاسية .

 
حوارات "مناضلي الفضائيات" أصبحت "حوارات" من طرف واحد، بل بدت أشبه بالخلاف المشترك فيما بينهم، حتى وصلت إلى ما يشبه الطحين الذي لا دقيق له، فيصبح الجهد المبذول جهدا لا فائدة منه، بل وعملا مهدرا ، لا ثمرة له ، وهو ما ظهر في حواراتهم بجلسات الحوار في مؤتمري "الوفاق والوطني"، بعدما قاطعهما عدد غير قليل من الإسلاميين، فاختلف "دعاة الفضائيات" أكثر مما اتفقوا ، فلم يصلوا إلى ما هو توافقي أو ما هو وطني.
 
وإذا كان هذا في حق مؤتمرين ، والذي طحنوا فيه من غير دقيق ولا محاور أو نقاط لمشروع مصر المستقبلي ، فما بالنا بما يدعو إليه أمثال هؤلاء من افتراء على الإسلام وأهله، وكأنه أصبح يقلقلهم، إن لم يكن الأمر كذلك، فضلا عما يحملونه من أفكار تهدم المجتمع، ولا تعمل على بنائه، تسعى إلى تفرقته، ولا تضيف شيئا إلى القدر الذي يطحنون فيه شيئا ، سوى محاولة إطالة أمد المنافسة بخطاب بائد، عفى عليه الزمان، يكاد يتفق مع الخطابات السابقة له، والتي كان يروج لها إعلام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهم أنفسهم الأداة التي كان إعلامه يستخدمهم لمطاردة التيار الإسلامي بمختلف فصائله.

 
أما اليوم، فقد استشعر هؤلاء خطورة ما يتخيلونه من أن "كعكة" الحكم يمكن أن تؤكل منهم، أو قد لا يجدون منها إلا الفتات، متناسين أو متغافلين أن الإسلاميين ليسوا طلابا للسلطة أو دعاة للحكم، بقدر ما يشغلهم تحقيق الدعوة لدينهم، والتأكيد على حكم الإسلام لبلادهم.
 
ولكن على الرغم من ذلك كله، يخوض العلمانيون ومن معهم حملة شعواء في خطابهم ضد كل ما يمكن أن ينال من الحكم الليبرالي الذي يسعون إلى إقامته، للدرجة التي جعلت البعض منهم يتمنى على المجلس العسكري إطالة أمد الفترة الانتقالية ليحكم البلاد، "بدلا من أن يحكمها الإخوان، أو غيرهم من الإسلاميين".

 
على هذا النحو يرى العلمانيون مخالفيهم، للدرجة التي جعلتهم يفهمون خطاب الحوار على أنه خطاب للإقصاء. والإقصاء هنا لم يكن إقصاء فقط للمخالفين فكريا للعلمانيين ومن لف لفيفهم، ولكنه أصبح إقصاء للشعب المصري ممن صوت على التعديلات الدستورية، والتي أقرت بإجراء الانتخابات"البرلمانية" أولا ، ثم تشكيل هيئة تأسيسية "برلمانية" منتخبة لوضع دستور جديد تاليا.
 
هنا لم يكتم أقزام التيارات غير الفكرية غيظهم من أن تدفع هذه الانتخابات بإسلاميين أو حتى بعض المحسوبين عليهم إلى الحكم باختيار شعبي نزيه، فراحوا يركزون في مشهدهم الإعلامي والثقافي حاليا على ضرورة وضع دستور جديد للبلاد ، قبل إجراء الانتخابات "البرلمانية".

 
وهنا يظهر بوضوح إقصائهم ليس للإسلاميين وحدهم، ولكن لكل من صوّت بالموافقة على التعديلات التي جرى الاقتراع عليها، وبالتالي يقصون جملة الذين وافقوا على التعديلات من الشعب المصري.
 
لم يعلن أمثال هؤلاء صراحة عداءهم للإسلاميين ، أو استعداءهم لهم، أو التصريح بأنهم يخشون منافستهم في صناديق الاقتراع ، بل راحوا يرفعون "شماعات" علقوا عليها فشلهم في التواصل مع الشعب المصري، مثل: أن الدستور لابد أن يُنْجَز أولا، لأن من سيدشنه لاحقا سيكونون من أصحاب كتل سياسية بعينها، وأن "البرلمان" المقبل سيأتي بنواب ذوي نفوذ وتأثير مجتمعيين، وما يمكن أن يكون نتاجا لما أفرزه الحزب الوطني المنحل من عمليات تزوير وشراء للأصوات، أو أن الحالة الأمنية، وما تشهده من انفلات في الشارع لا يستقيم معها إجراء الانتخابات، إلى غيرها من عبارات الطالب الفاشل الذي تبلدت ذاكرته ، فلا يستذكر دروسه، ويدعو دائما إلى تأجيل الامتحان، بحجة صعوبة المناهج، أو حتى يفرغ من المذاكرة، فما بالنا إذا ظل كذلك متبلدا. فهل يمكن للامتحان ألا ينعقد ريثما يذاكر هو، وحتى إذا ذاكر فمن يضمن أنه سيحصل على الدرجات النهائية؟

 
لم يكلف أمثال هؤلاء أنفسهم الذود حتى عن أفكارهم البالية بزيارة قرى ومدن مصر المختلفة، فلم يحتكوا بالشعب وبسطائه يوما، ولم يلمسوا في الناس حبهم في الدين، أو أنهم قريبون منهم، بل تجدهم يخاطبون الشعب من وراء غرف مغلقة خلف "كاميرات" الفضائيات، فكان خطابهم فوقيا ، بل واستعلائيا، فما كان من الشعب إلا أن انصرف عنهم، وتجاهل أفكارهم.
 
هم يدركون كل ذلك. ولذلك يرغبون في إطالة أمد الفترة الانتقالية، لعلهم ينجحون في استيراد دقيق من الولايات المتحدة أو غيرها يطحنون به ما في قدورهم، في الوقت الذي ما زلوا لا يستوعبون فيه أن ما يقومون به هو طحن بغير دقيق. وحتما سيظل هكذا على حاله من دون دقيق، ليصبح طحينهم هباء منثورا.

25/7/1432 هـ
 
المصدر: علا محمود سامي - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 3,742

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً