مسائل وأحكام في تربية الأيتام :المقال الثاني
ولكن هل إذا أخطأ اليتيم لا يؤدب كغيره بوسائل التأديب من عبوس فى الوجه ، أو حرمان مما يحب ، أو هجره فترة ، أو حتى ضربه إذا دعت الحاجة ؟
حقوق اليتيم :
لليتيم حقوق أقرها الشرع الإسلامى من أجل أن يحيا حياة كريمة ، لافرق بينه وبين غيره وأقرانه ممن لم يحرموا من نعمة وجود الوالد بينهم ، ومن هذه الحقوق حق الرعاية النفسية له ، ومن وجهة نظرى المتواضعة أن هذا الحق يعد بمثابة العمود الفقرى لهذا اليتيم حيث يترتب عليه نجاح أو فشل هذا اليتيم فى باقى نواحى حياته العملية والسلوكية ، ومتى شعر اليتيم بأنه يعامل كغيره ، لا يحتقره أحد ولا يزدريه ، ولا يسىء إليه ولا يهمله ، فإن ذلك من أقوى الدوافع لديه لتحيق ما يأمله فى هذه الحياة ، ثم إننا نسأل : ما ذنب هذا اليتيم إذا تجهم فى وجهه الناس ؟ ، وما جناه حتى يكون منبوذا أو كما مهملا ؟؟ .
وقد جاءت آيات القرآن الكريم لتراعي اليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية لينشأ نشأة سوية, فأمرت بإكرامه والرفق به ونهت عن قهره وزجره وإهانته , فقد نشأ النبى صلى الله عليه وسلم يتيما ، ولاقى كل الحب والعطف والحنان من جده ثم من عمه ، فكان التذكير للأمة فى شخصه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: { {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } } {الضحى:9 } ، وحاشاه أن يقهر يتيماً ، أو يعبس في وجهه وهو الذي قال فيه ربه عز وجل : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } {القلم: 4} ، لكن هذا النهى موجه إلى الأمة إلى يوم الدين ، وقد ذم الله تعالى أولئك الذين يهينون اليتيم ولا يكرمونه , بل يزجرونه ويدفعونه عن حقه , وجعل ذلك من صفات غير المؤمنين ، المكذبين بيوم الدين, حتى لا يتشبه بهم المؤمنون , قال تعالى: { {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} } {الماعون:1-3} ، فلم يكن على بال أحد أن تأتى إجابة هذا السؤال ، " أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؟؟ " أنه الذى يهين اليتيم على أى صورة تكون هذه الإهانة ، " فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ " .
ولكن هل إذا أخطأ اليتيم لا يؤدب كغيره بوسائل التأديب من عبوس فى الوجه ، أو حرمان مما يحب ، أو هجره فترة ، أو حتى ضربه إذا دعت الحاجة ؟ ، وهى مسألة مهمة ، والصحيح فى هذه المسألة أن تجعل اليتيم كولدك حال تأديبك له ، لا تقسو عليه بغير سبب ، ولا تترك له الحبل على الغارب ، بل ينال ما يستحقه من عقاب حال خطئه ، لأن ذلك من حسن تربيته ورعايته وكفالته .
والذى يرجع إلى فتاوى العلماء فى ذلك يتبين له جواز تأديب اليتيم بضربه ضربا غير مبرحا ليس من قبيل القهر ، وإنما بقصد الإصلاح والتوجيه ، تماما كحال الإنسان مع ولده .
واهتم الإسلام بحق اليتيم المالى ، فاليتيم إما أن يكون غنيا ، وإما أن يكون فقيرا ، فإذا كان اليتيم غنيا له مال ، فالواجب على وليه والقائم على أمره ان يحافظ على هذا المال ولا يتلفه ، أو ينفقه فى غير فائدة ، أو يستولى عليه غصبا وسرقة ، قال الله تعالى : " " {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } " {النساء :2 } ، قال الإمام الطبرى فى تفسيره :" ....أن بعض الأوصياء كانوا يأخذون الجيد من مال اليتيم ويبدلونه بالرديء ، و كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول: " شاة بشاة "! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ، ويقول: " درهم بدرهم " ، لذلك جاءت الآية الكريمة لتنهي عن هذه التجاوزات غير المشروعة بتبديل أموال هؤلاء الضعفاء .ونهت كذلك عما هو أعظم من التبديل ، ألا وهو التجاوز على أصل مال اليتيم فيضمه إلى ماله ويتصرف في الجميع ، ويترك هذا المسكين يقاسي متاعب هذه الحياة الكالحة ، وقد جمع بهذا التجاوز على اليتيم مشكلة الفقر إضافة إلى مشكلة يتمه والحرمان من الوالد السند والمربى .وحذر القرآن الكريم من أكل مال اليتيم فقال الله تعالى :" {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} " { النساء : 10 } وحذرت السنة المطهرة من أكل مال اليتيم ظلما ، واعتبرت ذلك من المهلكات ، روى [ البخارى ومسلم] فى الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: " «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ» " .
كمال عبد المنعم خليل
- التصنيف: