ومضات تربوية وسلوكية:المقال السادس
إن حكمة الحكماء –يا سادة- فكر ليس فيه روح من عاطفة، وأخيلة الشعراء عاطفة ليس لها عماد من فكر. والنمط المفرد من الكلام هو الذي ستسمعونه اليوم، وهو الذي يسوق لك القضية العقلية المسلمة في الثوب العاطفي البارع
بسم الله الرحمن الرحيم
تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير.
(درر سلوكية)
- قال الرحمن ابن مهدي يقول: لولا أني أكره أن يعصى الله، أحببت أن لا يبقى في هذا المصر أحدا إلا وقع في واغتابني، وأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها.
- سئل ابن المبارك ما خير ما أعطى الرجل قال غريزة عقل قيل فإن لم يكن قال أدب حسن قيل فإن لم يكن قال أخ صالح يستشيره قيل فإن لم يكن قال صمت طويل قيل فإن لم يكن قال موت عاجل.
- قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ما أعطى عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح.
- قال الحسن: استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.
- قال بعض السلف: ادخر راحتك لقبرك، وقلل من لهوك ونومك، فإن من ورائك نومة صبحها يوم القيامة.
- قيل للإمام أحمد –رحمه الله-: كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق.
- قال العلام السعدي: عنوان سعادة العبد: إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق.
- قال بعض السلف: صانع المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئا.
- قال الحسن البصري لرجل: تعش العشاء مع أمك تُقر بها عينها أحب إلي من حجة تطوعا.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا صار لليهود دولة في العراق يكون للرافضة أعظم أعوان لهم.
- قال الإمام الذهبي: فالقادة الأعلام يوما من أيام أحدهم أكبر من عمر آحاد الناس.
- قالَ حَمْزَةُ بنُ دَهْقَانَ: «قُلْتُ لِبِشرِ بنِ الحَارِثِ (227هـ): أُحِبُّ أَنْ أَخْلُوَ مَعَكَ. قَالَ: إِذَا شِئتَ فَيَكُونُ يَوماً. فَرَأَيتُهُ قَدْ دَخَلَ قُبَّةً، فَصَلَّى فِيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لا أُحْسِنُ أُصَلِّي مِثلَهَا، فَسَمِعتُهُ يَقُولُ في سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الفَقرَ أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أنِّي لا أُوثِرُ عَلى حُبِّكَ شَيئاً.
فَلَمَّا سَمِعتُهُ، أَخَذَنِي الشَّهِيقُ وَالبُكَاءُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَنِّي لَو أَعلَمُ أَنَّ هَذَا هَاهُنَا، لَم أَتَكَلَّمْ.
- كان محمد بن يوسف الأصبهاني لا يشتري خبزه من خباز واحد، يقول: لعلهم يعرفوني، ولكن إذا جئته لأول وهلة لا يعرف إني فلان الذي يسمع عنه، فتقع لي المحاباة، فأكون ممن يعيش بدينه.
(البدع" href="http://alnajjar66.maktoobblog.com/847260/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%81%d8%a7%d8%b3%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%b9/">من مفاسد البدع)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عند سياقه مفاسد البدع: «ومنها أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن، ورغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب، ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله» [الاقتضاء 2/611، وانظر: 2/741]
(من أقوال الشيخ الطنطاوي عن الأحاديث النبوية)
إن حكمة الحكماء –يا سادة- فكر ليس فيه روح من عاطفة، وأخيلة الشعراء عاطفة ليس لها عماد من فكر. والنمط المفرد من الكلام هو الذي ستسمعونه اليوم، وهو الذي يسوق لك القضية العقلية المسلمة في الثوب العاطفي البارع، تستشرف له النفس فتقبله وتألفه، ويرضاه العقل فيؤمن به ويتبعه، وهو –فوق ذلك- واضح بين يفهمه العامي الذي لم يطلب علما ولم يرو أدبا، ويعجز عن مثله العالم والأديب
وإذا كان في توقيعات الخلفاء وأمثال الأدباء والقليل المتخير من الكلام نفحة من هذا الأريج ووهج من هذه الشمس، فإننا نقرأ ذلك لمتعة البلاغة وهزة البيان، وفي بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أكبر من البلاغة والبيان، هي أنها قانون من عمل به نال سعادة الدنيا والأخرى. [كتاب (نور وهداية) على الطنطاوي، دار المنارة، ص 45-46]
(أشقياء الدنيا)
الأشقياء في الدنيا كثير، وأعظمهم شقاء ذلك الحزين الصابر الذي قضت عليه ضرورة من ضرورات الحياة أن يهبط بآلامه وأحزانه إلى قراره نفسه، فيودعها هناك، ثم يغلق دونها باباً من الصمت والكتمان، ثم يصعد إلى الناس باشَّ الوجه، باسم الثغر، متطلِّقاً متهلِّلاً، كأنه لا يحمل بين جنبيه همَّاً ولا كمداً. مصطفى لطفي المنفلوطي
(الدين والدنيا)
كان واضحا عند الجيل الأول ( جيل الصحابة رضوان الله عليهم ) أن الأمثلة التي ضربها القرآن للدنيا لا تعني تركها أو احتقارها والابتعاد عنها، إنما الذي استقر في أذهانهم، وعقلوه من التنزيل الكريم أن يكون التوجه الأول للآخرة، وأن يكون الهدف الدائم للعمل هو الآخرة، فالدنيا خادمة للدين كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج» وكيف يحتقرونها وفيها يتحقق التمكين للدين، وإقامة الشعائر والشرائع، وفيها يكون الجهاد في سبيل الله، فالأجيال الأولى كانت متوحدة الشخصية، ولم يحدث الانفصام الذي طرأ بعدئذ. [تأملات في الفكر والدعوة، محمد العبدة، دار الجوهري للنشر والتوزيع عمان – الأردن ص 19]
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: