آثار الذنوب والمعاصي على الفرد والمجتمع

منذ 2019-02-13

إن الذنوب والمعاصي لها عواقبُ وخيمةٌ، وآثار سيئة على الفرد والمجتمع، بل إن الحيوانات والجمادات تتضرر بسبب ذنوب ومعاصي بني آدم

 

الحمد لله الذي بيده ملكوت السموات والأرض, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء شهيد، له الحكمة في أمره، وفي شرعه وقدره, ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الولي الحميد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء وإمامهم وخلاصة العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد:

أيها الناس: إن الذنوب والمعاصي لها عواقبُ وخيمةٌ، وآثار سيئة على الفرد والمجتمع، بل إن الحيوانات والجمادات تتضرر بسبب ذنوب ومعاصي بني آدم، فمن آثارها على الفرد؛ أنها سبب لحرمان العلم، قال الله تعالى: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[الأنفال: 29]، وقال: { {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} }[البقرة: 282]. ومن آثار الذنوب والمعاصي على الفرد؛ حرمان الرزق، ففي الحديث: ( «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» )1.

أيها الناس: ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها سبب لتعسير الأمور عليه؛ فلا يكاد يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه، أو متعسراً عليه. ومن آثارها تلك الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه حقيقة، ويحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما ملخصاً لتلك الآثار: "إنَّ للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق"2.

أيها المؤمنون: ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضاً، حتى يعز على العاصي مفارقتها؛ وأنها كذلك تضعف القلب عن إرادته، وتقوي فيه حب وإرادة المعصية، وتضعف إرادته وحبه للتوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، قال الله تعالى: { {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} }[الشورى: 40]. قال بعض السلف: "إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها"3. ومن عقوباتها: أن كل معصية من المعاصي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل؛ فاللوطية على سبيل المثال ميراث عن قوم لوط، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون. و.. و.. إلخ.

أيها الأخوة في الله: ومن أثار الذنوب والمعاصي أنها سبب لهوان العبد على ربه، وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم"4. ومن آثارها: أنها تورث الذل ولا بد، ذلك أنَّ العز كل العز في طاعة الله، وقد كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك"5. وقال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإنَّ ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"6. ومن آثارها السيئة أنها إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه، وإن زاد زادت، حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل» :{ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} }[المطففين: 14]7. وقال بعض السلف في الآية السابقة: "هو الذنب بعد الذنب".

ومن آثار الذنوب والمعاصي على الفرد؛ أنها تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه لعن الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده، ولعن الراشي والمرتشي، ولعن العاق لوالديه، ولعن من ذبح لغير الله، ولعن من غيَّر منار الأرض، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.

ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تتعدى إلى غير مرتكبها، فليست مقصورة على العاصي فقط، بل إنَّ آثارها متعدية إلى غيره من جيرانه، ومن يعيشون معه، بل وحتى لها تأثير على الأرض التي يعيش عليها، وحتى لها تأثير على الحيوانات والجمادات، فمن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار، والمساكن، قال تعالى: { {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} }[الروم: 41].

ومن آثارها على المجتمع عامة؛ أنها سبب من أسباب الخسف والزلازل؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " «توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، إذا علا فجارها على أبرارها، وساد القبيلة منافقوها» "8. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور))9. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (( «ليشربنَّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير» ))10.

أيها الناس: ومن آثار الذنوب والمعاصي على المجتمع أنَّ شؤمها وضررها ليس مقتصراً على العاصي فقط، وإنما متعدي إلى غيره من الجمادات والحيوانات، قال مجاهد بن جبر: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"11. وقد جاء في الحديث الصحيح أنه مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال صلى الله عليه وسلم: ( «(مستريح ومستراح منه» ))12. أما المستريح فهو المؤمن استراح من عناء وتعب الدنيا. وأما المُستراح منه فهو الكافر والفاسق استراح منه العباد والبلاد، وذلك لأنه كان سبباً لكثيرٍ من المحن كمنع القطر من السماء، وما أشبه ذلك.

ومن أثرها على المجتمع أنَّها سببٌ للتمزقِ والتفرقِ والاختلافِ، وهذا ما نراه ونلاحظه اليوم في أمتنا، قال تعالى: { {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} }[الشورى: 30]. ولكن للعجب إنَّ كثيراً من الناس اليوم يعزون ما حلَّ بالأُمَّةِ من تمزق وتشرذم واختلاف إلى أسباب مادية بحتة, أو إلى أسباب سياسية, أو إلى أسباب مالية, أو إلى أسباب حدودية، أو ما أشبه ذلك، وهذا مما لاشك فيه أنه من قصور فهمهم، وضعف إيمانهم، وغفلتهم عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله. أو لا يعلم أولئك أن وراء تلك النكبات والمصائب أسباباً غير تلك الأسباب المادية البحتة أسباباً شرعية، وهي الذنوب والمعاصي، أولم يسمعوا إلى الله وهو يقول: { {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} }[الأعراف: 96-99]. فالله الله -عباد الله- في تقوى الله، ومراقبته في السر والعلانية، والحذرَ الحذرَ من الغفلة، والتمادي في معصيته.

والله نسأل أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وأن يحفظنا بحفظه، وأن يكلأنا برعايته، إنه جواد كريم، بر رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. والله أعلم.


1 رواه أحمد (22386)، وابن حبان (872)، وحسنه شعيب الأرناؤوط.

2 الوابل الصيب (ص: 43).

3 الجواب الكافي (ص: 36).

4 روضة المحبين (ص: 441).

5 الجواب الكافي (ص: 38).

6 إغاثة اللهفان (1/ 48).

7 رواه الترمذي, وقال: حديث صحيح. ورواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم(3422).

8 رواه أحمد.

9 رواه الترمذي، وهو في صحيح الجامع.

10 رواه ابن ماجه وهو في صحيح الجامع.

11 الجواب الكافي (ص: 38).

12 رواه البخاري ومسلم

  • 38
  • 0
  • 145,558

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً