ومضات تربوية وسلوكية:المقال الحادي عشر

منذ 2019-02-15

يجب ألا نسلم أنفسنا لليأس ولا نركن إلى الأمن. اليأس كفر والغرور ضلال، وليس يسيرا أن يسير المرء في الطريق الوسط وأن يكون غير يائس ولا مغتر.

بسم الله الرحمن الرحيم

تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير.   

(تغيير الواقع)

يجب أن نشعر بالحاجة إلى تغيير الواقع ونشعر بعدم الرضا بالواقع، وهنا يجب أن نلاحظ أيضا بألا ننتهي إلى اليأس فنقعد عن العمل أو ننتهي إلى الغرور فنقدم دون أهبة، يجب ألا نسلم أنفسنا لليأس ولا نركن إلى الأمن. اليأس كفر والغرور ضلال، وليس يسيرا أن يسير المرء في الطريق الوسط وأن يكون غير يائس ولا مغتر.

والاغترار يقعد بنا عن دراسة الموقف وتقصي صعوباته، واليأس يقعد بنا عن العمل لأننا نظن أن العمل مستحيل. [المسئولية، د. محمد أمين المصري، دار الأرقم- برمنجهام- بريطانيا، ص 32]

(تربية العقيدة)

غرائز المرء لابد من تعديلها ولا يستطيع أفراد المجتمع أن يعيشوا عيشة راضية إذا كان الذي يحكم الأفراد هو غرائزهم، وتعديل الغرائز في التربية التقليدية يتم على الغالب عن طريق الثواب والعقاب، وبذلك يدع المرء دافعه الغريزي ويكبته طمعا في ثواب أو خوفا من عقاب أو رغبة في ثناء أو رهبة من هجاء، ولكن الغريزة في كل هذه الأحوال شديدة قوية فعالة مالكة إلا أنه حيل بينها وبين ما تشتهي لوجود العقاب أو تعيير المجتمع وسخطه وعقابه، وقد يقع المرء في مثل هذه الحال فريسة لصراع الغريزة وغريزة الخوف من المجتمع، وقد ينوء هذا الإنسان الموزع بحمل العبء فتخور قواه وتنهار أعصابه.

إن خير وسيلة لتربية الغرائز وتعديلها تربية العقيدة تربية قوية. هنالك تظل الغريزة ولكنها تصبح مملوكة غير مالكة، تابعة غير متبوعة، خادمة غير مخدومة، هنالك في ظل العقيدة المثلى يلين قياد الغرائز جميعها وتصبح كلها جنودا طيعة للقيادة العليا، فغريزة الجمع لا تفقد قوتها ولا حدتها ولكن وجهتها بعد هيمنة العقيدة ليست إلى الترف والتفاخر والتكاثر بل إلى خدمة العقيدة، فالمال يجمع لينفق دفعة واحدة في سبيل العقيدة.

وكذلك الأبناء يحبون ما داموا عونا على خدمة العقيدة ونصرتها، وكذا الإخوان وكذا الأهل والعشيرة.

والغضب لا تزول شرته ولكن تتغير أسبابه ودوافعه، أما دافعه الفطري فهو دفع اعتداء على مال أو جاه أو أي شيء يخص ذاتية الفرد فإذا هيمنت العقيدة وكان الاعتداء على واحد مما ذكر لم يبال الفرد ولم يغضب.

نثر التراب على رأس محمد عليه الصلاة والسلام وكان ذلك من قبل سفيه من سفهاء قريش، فعاد عليه الصلاة والسلام إلى منزله ولم تظلم الدنيا في عينه ولم تكبر الفعلة الشنيعة في نظره لأن كبرياء النفس قد زال في سبيل العقيدة واستبدل به عظمة الصبر والحلم في سبيل العقيدة، رجع الرسول إلى منزله بهدوء ووقار وأسرعت ابنته تبكي وتغسل رأس أبيها، فيقول الرسول الكريم «لا تبك يا بنيه فإن الله مانع أباك».

والخوف يزول لدى صاحب العقيدة ولكن أسبابه ودوافعه الأولى لا تزول، لقد كان يخشى الظالم ويرهب الجائر فلما وجدت العقيدة لم يخش الظلم ولا الجور ولكن خشي السكوت عن الحق وخشي الجبن عن الصدع بالحق، وهكذا يخشى الوعيد الذي جاء في الآية الكريمة: { {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} } [التوبة:24]

إن حفنة من رجال العقيدة يستطيعون أن يغيروا معالم التاريخ ..إن المنقذ الوحيد للعالم من النهاية الأليمة التي ترتقبه هو وجود نظام للتربية يقوم على التوفيق بين العقيدة والثقافة، بين قوة العاطفة والتهاب جذوة الإيمان، وبين العلم الواسع والفكر النير، ومعرفة أحدث ما وصلت إليه الأجيال البشرية من تجربة واكتشاف. [المسئولية، د. محمد أمين المصري، دار الأرقم- برمنجهام- بريطانيا، ص 42-43، ص 124]

(في أحسن تقويم)

وحين يكون الإنسان كما خلقه الله تعالى «في أحسن تقويم» يكون مشغولا – إلى جانب المتاع الحسي- بقيم عليا تستنفد الطاقة الفائضة وتستعلي بها إلى آفاق رحبة، تغني النفس عن طلب التنويع في متع الحس القريبة، وتجعله يقنع منها بالضرورات. أما حين ينسى قيمه العليا، ويستغرق في متاع الحس، ويوجه إليه همه كله أو جله، فإنه يصبح منهوما لا يشبع، ويحتاج في الوقت نفسه إلى التنويع المستمر ليذهب عن نفسه ملال التكرار! [رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، محمد قطب، مكتبة السنة / القاهرة ص 96]

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 0
  • 2,464

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً