الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله

منذ 2019-02-19

نستحي من الله عندما نَعلَم أننا ما خُلقنا إلا للعبادة، ثم نقيس يومنا على هذه الوظيفة لنرى ما هو قدر تحقيقنا للعبادة، فلا ينجح في أداء وظيفته إلا القليل.


إن أول ما يجب على العباد هو معرفة الأمر الذي خلقهم الله له؛ فلم يُخلَق العباد عبثًا؛ وإنما لغاية وهدف.

عندما تجلس وحدك فيمَ تفكر؟ ما اهتماماتك؟

البعض يفكر في دراسته، وهناك من يفكر في الزواج، ومن تفكر في زوجها وبيتها وأولادها، أو من يفكر في شراء منزل أو سيارة؛ لكنَّ كثيرًا منَّا يعيش ويموت ولم يفكر في السبب الذي خلقنا الله تعالى لأجله؛ هل فكرت لماذا أنت مخلوق أو ما وظيفتك في الحياة؟

لم يخلق الله شيئًا عبثًا؛ بل حتى الجمادات لها وظيفة؛ فالقلم نكتب به، والملعقة نأكل بها، وهكذا. وإذا انتقلنا إلى النبات وجدنا أن هناك نباتات للأكل، ونباتات أخرى للزينة، وحتى لو لم تكن للزينة أو للأكل فهي ضرورية لتنقية الجوِّ من ثاني أكسيد الكربون، والحيوانات نأكل لحمها، أو نستخدمها في الانتقال، وفي حرث الأرض، وفي الصيد، وغيرها؛ فهل يُعقل أن الجماد والنبات والحيوان لهما وظيفة، والإنسان العاقل المكرم لا وظيفةَ له؟!

هل خُلق الإنسان للأكل والشرب والنوم والزواج وتربية الأولاد والعمل، ثم يموت وفقط؟! هل يكون كالأنعام؟!

إن الإنسان الذي كرَّمه الله بالعقل وسخَّر له كل الكائنات لتكون في خدمته لا بد له من غاية ووظيفة أسمى؛ يقول الله تعالى: ﴿ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } ﴾ [المؤمنون: 115].

الأمر الذي خلق الله الخلق لأجله:

قال تعالى: ﴿ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ﴾ [الدخان: 38، 39]، وقال تعالى: ﴿ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} ﴾ [ص: 27]، وقال تعالى: ﴿ {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ﴾ [الجاثية: 22]، وقال تعالى: ﴿ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴾ [الذاريات: 56].

فهذا هو ما خلقنا الله تبارك وتعالى لأجله؛ ألا وهو عبادته سبحانه وتعالى، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق هذا الكون هباءً، ولم يخلق الطيور والحيوانات والنباتات إلا لخدمة الإنسان، فكلٌّ مسخَّرٌ له في هذه الحياة للهدف الأسمى والأعلى، ألا وهو عبادة الله تبارك وتعالى وعدم الشرك به، فإن الله لا يغفره؛ يقول تعالى: ﴿ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} ﴾ [النساء: 48].

نستحي من الله عندما نَعلَم أننا ما خُلقنا إلا للعبادة، ثم نقيس يومنا على هذه الوظيفة لنرى ما هو قدر تحقيقنا للعبادة، فلا ينجح في أداء وظيفته إلا القليل.

من منا عندما يستيقظ من نومه يتذكَّر قوله تعالى: ﴿ {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ﴾ [الأنعام: 162]؟

هل خُلِقنا للنوم والأكل والتمتُّع والتناكُح فقط؟ بالطبع لا، ولكننا نستطيع أن نجعل من كل ذلك عبادة، وسنتكلم عن ذلك بإذن الله.

إننا لم نخلق إلا للعبادة، ومع ذلك فإن كثيرًا من المسلمين قلَّ ما تأتي العبادة في حياتهم، وإن كانت موجودة تكون مهمشة.

أختٌ تقول: أنا أصلي، وإذا سألناها متى؟ أجابت: عندما أنهي مهماتي، لا يا أختي، فالصلاة (رقم واحد) في حياتك، ثم كل الأشياء تأتي بعدها.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } ﴾ [محمد: 12]، هل تريد أن تكون حياتك كحياة الأنعام؟ بالتأكيد لا؛ فأنت مسلمٌ تتميَّز بعبادتك.

يقول أحدهم أنا مسلم؛ ولكنه لا يصلي ولا يصوم، وقد يسرق، وقد يرتشي، وقد يغش وقد... وقد... فما دليلك على أنك مسلم؟ وما الفرق بينك وبين غير المسلم؟ إذا رأيتك كيف أعرف إذا كنت مسلمًا أم لا؟

لا يُعرف المسلم إلا بطاعة الله عز وجل، وأقرب مثال على ذلك الحجاب الشرعي، فهو الذي يُميِّز المسلمة عن غيرها.

إذًا يعرف المسلم بعبادته، والعبادة هي الطاعة المطلقة لله عز وجل، فإبراهيم عليه السلام عندما أُمِر أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام امتثل: ﴿ {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ﴾ [البقرة: 124]؛ فالإمامة أتَتْ من الامتثال لأمر الله عز وجل.

يقول سفيان الثوري كما نقل عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "إن استطعت ألَّا تحكَّ رأسَك إلا بأثر فافعل"، ومعنى هذا إن استطعت ألَّا تعمل عملًا إلا ومعك برهان عليه من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فاعمل ذلك.

إن أيقنت أنك ما خلقت إلا للعبادة، فكل شيء سيهون عليك، فلن تتهاون أو تجادل في أي أمر من أمور العبادة بعد الآن.

نقول مثلًا: لماذا يا أختي لا ترتدين الحجاب الشرعي؟ تقول عندما أتزوَّج، أو بعد إنهاء دراستي، من يضمن لكِ أن تحيي إلى أن تنهي الدراسة؟ من يضمن لكِ أن تحيي إلى أن تتزوَّجي؟ وإنما إذا سمعتِ الأمر بالحجاب، فقولي فورًا سمعتُ وأطعتُ يا ربي، هل تريدين أن تلقي ربَّك وأنتِ على هذه الحال؟

يقينًا ستقولين: لا، إذًا ماذا تنتظرين؟ ألغي كلمة "سوف" من حياتك، سوف أتحجَّب بعد عام، في رمضان القادم، من أول الأسبوع، هل تضمنين الحياة ولو لحظة؟! قد يدخل النَّفَس ولا يخرج مرة أخرى!

لماذا لا تصلي؟ قد تكون الإجابة الجو بارد أو مشغول أو...أو... المبرِّرات لا تنتهي، ولو استشعر فعلًا معنى العبودية، فلن يقول ذلك أبدًا؛ لذلك ضَعْ أمامَكَ "علمتَ فالزم"؛ قال تعالى: ﴿ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴾ [الذاريات: 56] علمت فلزمت العبادة يا رب، قل: سمِعنا وأطعنا الآن قبل أن يأتي اليوم الذي من كثرة ما قلت: سمِعت وعصيت - حتى لو بلسان حالك لا بلسان قولك - تسمع الحق ولا تدرك أنه حق؛ قال تعالى: ﴿ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ﴾ [المطففين: 14]؛ يعني: من كثرة المعصية والذنوب هذا الران يغطي القلب، فيأتي عليك يوم وترى الحق باطلًا، والباطل حقًّا - نسأل الله العافية - فهيا نُبادر للتوبة وعبادة المولى عز وجل

هبة حلمي الجابري

خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية

  • 15
  • 0
  • 33,146

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً