قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته

منذ 2019-02-22

ولكن الشيطان هو الذي نزغ بين الإخوة واستغل من حسدٍ فيهم حتى تآمروا وقرَّروا قرارهم الأخير الخطير هذا, حيث وسوسهم الشيطان بأنه يَخْلُ لهم وجه أبيهم فيكونوا حينئذ عنده أحسن معيشة وخير.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فاعلم – رحمني الله وإياك وأرشدنا إلى طاعته - أن الله سبحانه وتعالى وصف قصة يوسف – عليه السلام أحسن القصص لذلك تستحق أن نقف معها طويلاً لنأخذ ما فيها من الدرر الموجودة في أعماقها.
وأحب أن أصنِّف مقالاتي في قصة يوسف مع تجميع أسرته.
فما أصعب أن يرى المرء أمامه تفكك أسرته وتشتتها , وهذا ما ذاقته الأنبياء مثل يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام.
أما الدرس الأول في تفكك الأسر فهو الحسد الذي وقع فيما بينهم خصوصا من الإخوة الكبار, ولذلك ابتدأت القصة من التحذير أن يقص يوسف عليه السلام إخوانه للأب رؤياه لما فيهم من الحسد بما حباه الله عليه من حب الله له وحب أبيه.
الدرس الثاني: الغيرة تسبب القتل , لقد عانى الكثير والكثير من الأسر خصوصاً المعدِّدين منهم الغيرة في الحب وقد سبَّبت لبعضهم القتل أوغيره.
ولكن الآية والعبرة في قصة يوسف عليه السلام وإخوته هو الغيرة في حب والدهم فاعتبروا يا أولي الأبصار بينما التباعد والهجران والعقوق للوالدين كثرت في هذا الزمان.
ولكن الشيطان هو الذي نزغ بين الإخوة واستغل من حسدٍ فيهم حتى تآمروا وقرَّروا قرارهم الأخير الخطير هذا, حيث وسوسهم الشيطان بأنه يَخْلُ لهم وجه أبيهم فيكونوا حينئذ عنده أحسن معيشة وخير.
ولكن وقع ما لم يكن في حسبانهم حيث ازداد يعقوب عليه السلام حباً ليوسف بل عمي لأجل ذلك الحزن العظيم له حتى قالوا له { {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } } [ يوسف: 85 ] ولذلك لابد أن يفكر صاحب القرارات ما يترتب من قراراته في المآل وأن يوزن بين مُتعةٍ عاجلةٍ حاصلة وبين قرارٍ يسبب له مصائب في دنياه وأخراه . وقد يقرر بعض الناس بأن يكون ساحرا مثلاً – والعياذ بالله - لأجل ما قد يجده في ذلك من متعٍ في الحياة العاجلة كخدمة الجن له واتباع الجهلة والرعاع له مع أنه يُسبب مصائب دنيوية وأخروية .
وإنما يحصل ذلك عندما يتصف الإنسان بالظلم والجهل خصوصاً عندما يتخلى عن الأمانة التى ألقى الله على عاتقه وهي القيام بالتكاليف الشرعية.
ويقابل ذلك ما اتصف به يوسف – عليه السلام – من التقوى لله حق التقوى والصبر لله حق الصبر كما سأشرحه في الدروس القادمة إن شاء الله.
وأخيرا قامت الإخوة بتنفيذ الإجرام وقد حكمت محكمتهم بقتله إلا أنه خُفِّف له في العقوبة أخيراً حيث رأى رجلٌ عاقلٌ منهم أن يلقى في الجب أي قعر بئر فيأخذه المسافرون إذ المهم عندهم إنما هو أن يتخلصوا من وجوده عندهم لا شيئا آخر وذلك ليحبهم أبوهم فحسب .
الدرس الثالث: صبر يعقوب عليه السلام , وهو أبو الأسرة وقائدهم , ففي صبره العجب العجاب الذي لا ينقضي العجب منه حيث لما تحقق من كذبهم وإجرامهم لحبيب قلبه - يوسف عليه السلام - ما اكتفى إلا بقوله { {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} } [ يوسف:18 ]
ففي هذه الآية ثلاثة جمل كل جملة فيها عبر ودروس كثيرة ولكن باختصارٍ شديدٍ أقول ما يلي: قوله : { { {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ } } 
فيه من الفوائد ما يلي:-
ا اجتناب المرء الانصياع إلى ما تسوِّل به نفسه وإلا سيكون الإنسان أخيراً عابداً لنفسه فضلا عن أشياء كالقتل والنهب ونحوها كما وقع للسامري حين عبد العجل بل صار إمام قومه في بدعة عبادة العجل ولما سأل عن ذلك لم يجد عذرا آخر إلا قوله { {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} } [ طه: 96 ]
ب قوله تعالى { {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} } جملة مكونة من كلمتين ولكن معناها عظيمة وتطبيقها أعظم وأعسر , فالصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه إلا لله سبحانه بل ولا صياح ولا نياحة ولا غضب ولا انتقام ولا سب أو شتيمة أو لعن ولا ضرب أو قتل أو غير ذلك , إنه صبر من الصِبر ولكنه جميلٌ أجمل وألذ من العسل في عاقبته. 
وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلا زانَه ، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه " أخرجه مسلم (2594) باختلاف يسير 
وإنما كان الرفق زينة لصاحبه وتغمره المحبة لمن حوله لكونه تحلى أصلا بصبره الجميل, ومن لم يتحل بالصبر الجميل فبلا شكٍ يكون عنيفاً ثم الشين والقبح له!. 
ج – قوله تعالى { {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} } سبحان الله, ما استعان إلا بربِّه على ما اتَّصف به بنوه, وهذا هو الركن الثالث للصبر .
فالأركان حسب تقديري الآن كالتالي :أولا أن يكون جميلا أي لا شكاية معه ثانيا أن لا يستعين إلا بربه,
فهذا هو الموقف المناسب لأبي الأسرة عند تربية أبناءه وهو أن يصبر ويستعين بربِّه بما اتَّصفت ذريته وأن يعظهم ويوجههم وينصحهم بالطبع.
أما غير ذلك من أساليب العنف فقد تزيد لصاحبه الطين بلة وتزداد المحن شدة والمصائب بلايا وينسى المرء الاستعانة بربِّه والتوكل عليه فما الخير الذي يُنتظر بعد ذلك؟!.
وإنما هذ طبعا أخلاق الفضلاء الكبار ألا وهم الأنبياء ولنا فيهم أسوة لقوله تعالى { {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} } [ الأنعام:30 ] , والله أعلم.
الفقير إلى عفو ربه ورحمته
عبد الفتاح آدم المقدشي

 

  • 3
  • 2
  • 4,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً