سنن الله في التغيير المستفادة من سورة الكهف:المقال السابع
عبد الفتاح آدم المقدشي
فيه أن الصبر واجب متحتم على طالب العلم وإلا سيسبب له عدم صبره فقد العلم من العالم كما حصل فعلاً في هذه القصة وقد علمنا من علم خضر قدرا ضئيلا جداً حتى تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر موسى لخضر وتستمر القصة والعلم.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
بسم الله الرحمن الرحيم
دروس في قصة موسى وخضر
اعلم – رحمني الله وإياك وأرشدنا إلى طاعته - أن في قصة موسى وخضر عبرٌ لا تنقضي عجائبها , وإنما يُساق القصص ليُعتبر بها وليُدرس ما فيها من الفوائد العلمية مع ترجمة هذا العلم إلى واقع عملي على الأرض ليحصل بذلك التغيير المطلوب والتأثير المنشود.
الدرس الأول : موسى - عليه السلام – في هذه القصة علَّمه الله التواضع لله , فحيث لم يرد موسى - عليه السلام – العلم إلى الله حينما سُأل هل تعلم أحدا أعلم منك فقال: لا لقَّنه الله درسا لا ينساه من جنس ما لم يُوفَّق فيه بتحويله إلى طالب علم لخضر عليه السلام كما سأبيِّنه قريباً ما جرى في قصته بينه وبين خضر عليهما السلام .
وقد قال تعالى { {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} } [ الكهف: 76 }
ولذلك لابد لكل العلماء الاستفادة من ذلك الدرس إذاً ويعتقدوا انخفاض شأنهم ويتواضعوا لله وحده جل جلاله ويعتبروا بمثل هذه القصص.
والدرس الثاني: فيه الرحلة في طلب العلم إلى العلماء أينما وجدوا أو حلُّو مع تحمل المشاق والعناء في مثل هذا السفر الجليل لقوله تعالى { {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} } [ الكهف : 62 ]
ولقد اشترى جابر بن عبد الله راحلة وسافر بها مدة شهر لأجل أن يستمع حديثا واحدا من ابن أنيس فلما سمع منه رجع منه خوفا من أن يفوته هذا الحديث بموت ابن أنيس والقصة مشهورة.
والدرس الثالث: فيه التزوُّد للسفر في طلب العلم وعدم التواكل لئلا يكون المرء ثقيلاً على الآخرين . وهذا هو الذي يصون المرء من ذل المسألة أو إراقة ماء وجهه أو الحاجة إلى الناس كما فيه عدم التوتر النفسي في حالة الدراسة وغير ذلك من الفوائد كالإخلاص الذي هو أهم من كل شيء.
الدرس الرابع : العجيب في نسيان حوتهما وقد جعل الله ذلك النسيان آية في مكان وجود خضر , ولا ريب أن في هذا عبرة وإشارة إلى أن آفة العلم النسيان وعلاجه المذاكرة المستمرة وخصوصا إذا كان ذلك النسيان من الشيطان فيه إشارة إلى الحذر من ذاك العدو اللدود الشيطان المريد الذي يفسد على المرء دينه ودنياه فكيف إذا كان ذلك الأمر العلم الذي هو القيام بأمر الدنيا والآخرة.
وأيضاً من الأمور التي تسبب النسيان للعلم التشاغل والانكباب على الدنيا, ومن أكب على الدنيا وتشاغل بها لا محالة أنه سينسى العلم , وإذا نسي العلم سبب له ذلك الوقوع بالذنوب أو البدع وإن كثرت ذنوب الناس وبدعهم سيقعون في الفتن لا محالة, وإذا وقعت الفتن في الأمة اختلفوا ثم اقتتلوا ثم تفرقوا حتى تصير كل فرقة أو جماعة محصورة في مكان معين كما هو حال الأمة في هذا الزمان وهو مشاهد, والله المستعان, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولذلك حذَرنا الله في سورة الفاطر هذين العدوين اللدودين الخطيرين ألا وهما فتنة الشيطان والدنيا والدليل على ذلك قوله تعالى { {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} } [ فاطر: 6 ]
أما إذا أخذ الناس حذرهم من هذين فهم إذاً في طريقهم إن شاء الله تعالى إلى التغيير إلى الأحسن والأفضل, وتلك هي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
الدرس الخامس: قوله تعالى { {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } } [ الكهف: 65 ]
فيه أن العلم تفضُّل من الله يؤتيه من يشاء كما أنه رحمة من عند الرحمن والجهل عذاب, ولا سيما إذا كانت هذه الرحمة آتية من قبل الله عزَّ وجلَّ لكونها مضافة إلى الرحمن فهي ميزة أخرى.
أما علم حضر عليه السلام اللدني فإنما هو وحي من الله لما اشتمل من أمور غيبية كما سأبين قريبا أن خضر عليه السلام كان نبيا من الأنبياء بدليل من القرآن.
أما ما تمسَّكت به الصوفيه لأجل هذه القصة وهي أن مرتبة الأولياء أفضل من مرتبة النبوة فهي باطلة باطلة لا يصح منها شيء أبداً لا عقلاً ولا نقلاً .
ووهذا الخطأ الفادح إنما جاء لما ظنوا أن خضر عليه السلام ولي من أولياء الله - ولكنه في الحقيقيةإنما هو نبي يوحى إليه وإلا فكيف علم بما علم من أمور الغيب وقد قال تعالى { { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} } [ الجن:26-27 ]
وأيضا كان ظنهم مبنياً لكونهم رأو أن خضر عليه السلام يقود موسى عليه السلام في هذه القصة وإنما هو فهم سقيم منهم, والأمر كما شرحته وأوضحته والحديث الذي اعتمدته في الشرح أيضا ثابت في صحيح البخاري رحمه الله.
الدرس السادس: قوله تعالى { { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} } [ الكهف: 66 ]
فيه أن الأعلم هو المستحق أن يكون هو المتبوع وأن أقل العلم هو التابع , وإنما يُظهر هذا شرف العالم على المتعلم وأن ينزل منزلته ولكن شرف موسى على الخضر أعم وأعظم وأكثر لكونه من أولي العزم من الرسل ولثباته في الفتن كما قال تعالى { {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا } } [ طه : .40 ] وأيضاً من فضائله العظيمه عليه السلام كجهاده وثباته وصبره وغير ذلك من الفضائل والمناقب التي لا يحصى ولا يعد كاصطفاء الله بالتكلم معه حقيقة.
فموسى على علمٍ علَّمه الله لم يعلمه خضر كما أن خضر على علمٍ علَّمه الله لم يعلمه موسى عليهما السلام كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.
الرس السابع : قوله تعالى { {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)} } [ الكهف: 67 – 69 ]
فيه أن الصبر واجب متحتم على طالب العلم وإلا سيسبب له عدم صبره فقد العلم من العالم كما حصل فعلاً في هذه القصة وقد علمنا من علم خضر قدرا ضئيلا جداً حتى تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر موسى لخضر وتستمر القصة والعلم.
ولذلك هذا هو السر الذي لم يعرفه الكثير من الناس, وقد حظي كثيرٌ من التلاميذ الأخيار الخلوقين الصبورين الملازمين للعلماء علوماً غزيرة دون غيرهم من الناس وتميزوا لذلك أيما تميز كثابت لأنس بن مالك أنموذجاً وكالإمام ابن القيم لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله أنموذجاً وغيرهما كثير جداً.
وقد عقَّد خضر – عليه السلام - في المسألة حينما قال لموسى عليهما السلام { {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } } ولكنه عليه السلام لم ييئس من روح الله وإنما قال له { {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} } وهكذا هو المطلوب من طالب العلم أن يظهر جديته في طلب العلم وأن يتلطف مع عالمه ولو جفا عليه بعض الشيء والله أعلم.
الدرس الثامن : قوله تعالى { {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)} }
فيه طاعة طالب العلم لعالمه إذ هو بمثابة أميره , فلابد إذاً أن يطيعه في المعروف من أوامره, وإذا تبرع الطالب عليه بعض الخدمات لإكرام العالم فهو حسن إذ هو من باب إنزال الناس منازلهم لا شك في ذلك كما هو مما يجلب المحبة والألفة بينهما .
والسبب في ذلك - كما سيتضح في القصة وسيأتي شرح ذلك في المقالات القادمة - هو أن العالم هو الأحكم والأخبر من الطالب فلا مجال إذا في النقاش معه بالتطاول عليه كما لا ينبغي الأسئلة المتكرِّرة الكثيرة التي لا ليست في محلها لذلك عليه حسن استماعه لما سيقول له العالم في المسألة النازلة كما لا ينبغي عليه الاجتهاد إلا بعد حصول الاستفادة منه أي من العالم الذي هو الأعلم والأحكم والأخبر.
لذلك أنصح بعض المتعالمين الذين يتطاولون على العلماء وهم أقل خبرة في الاجتهاد في النصوص وإلحاق الفروع بالنصوص كما هم أقل فقهٍ في تنزيل النصوص منازلها اللائقة مع قلة فقههم للواقع وتوفيقه لتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم و صحبه السلف في نظائرها من المسائل.
وهذا لا يعني أن العلماء معصومين وأنهم لا يخطئوون ولكن المقصود إنما هو التريث والتأني لما سيقوله العلماء فإن جاءوا بأدلة مقنعة فلله الحمد وبها ونعمت - والحق أحق أن يتبع - وإلا سيدور المرء مع الحق اينما دار لا أن فلان الذي صفته كذا وكذا قاله, بل قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحق من الشيطان حينما نطق به فقال صدقك وهو كذوب فكيف بمن أكرمه الله بالإيمان والدين الحق؟! والله أعلم.
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقديشي