من الدرس إلى الإدارة

منذ 2019-03-18

قد تضطر أحيانا لخوض المعركة بلا استعداد، واقتحام المجال دون بالغ اهتمام، والتحرك في أوج المرض والشغل، بسبب اختفاء الفرضية الاختيارية

من الدرس إلى الإدارة (اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)

قد تضطر أحيانا لخوض المعركة بلا استعداد، واقتحام المجال دون بالغ اهتمام، والتحرك في أوج المرض والشغل، بسبب اختفاء الفرضية الاختيارية، وأن الامر ليس قابلا للتريث والانتظار، او التودد والاستحسان.

اذا لم يكن الا الأسنة ُمركباً

فما حيلة المضطر إلا ركوبُها!!

ركبنا وتحملنا في مواطن كثيرة، وها نحن نخالط المشاق، ولكنني الان اشعر بكثير من الحياء والمسئولية، لأنني أوضع على فضلاء، واتسنم مهمة عليا (شاقة)، وكما قال أفلاطون: (غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه أولاً) .

فأنا مستحٍ وخجل،. أن أوسد في غير محلي، ولدي شغول وشئون، اعتقد أنها تعفيني ولو قليلا من حملان الأمانة.

فلكل شخص ميول وتوجهات، وخارطة قد رسمها في حياته،.

فلم أكن هاوياً للعمل الاداري منذ الصغر، وأحب الحرية و(الانطلاق)، والتدريس الجامعي يكرس ذلك، فالإدارة أمانة وقيد، والتدريس أمانة وتحرر،فلا يوجب عليك تحضير ولا دخول ولا انصراف،. المهم ضبط محاضراتك ونفع الطلاب علميا وتربويا، وتداوم ثلاثة ايام في الأسبوع، وقد توكل وتنسق مع طلابك،. كذا هي الحرية التدريسية العليا.

وبحمد الله أنتجنا وافلحنا، وتخرج على أيدينا دعاة ومدراء ودكاترة وقضاة، يشغلون مراكز حساسة وهامة، وكثير منهم، يعرفني بنفسه اذا التقينا ، ويذكرني (بأيام جميلة) ، وساعات مستطابة، وقل من (يتنكر)،.

وحينما بزغت انوار الكليات في محايل، انشرحت نفوسنا، وبرقت (اساريرنا)،. لانها كانت مؤذنة بتوديع مدينة ابها ، والخلود الى تهامة وحلوها وسحرها، وأهلي وعشيرتي،. لاسيما وقد ملينا (العقبة)، وآلمنا الطريق، وارعبتنا الحوادث بعد صيرورة الطريق للشاحنات ، وقد قلت في قصيدة (شجن الفراق) الوداعية لرفاق الدرب:

أفارقُ لا أفارق عن قَلاءٍ

ولكنّ الحياة لها مَشاقُ.

وقد عانى المحبُّ له طريقا

له من كل غائلةٍ مَساقُ

(شعارُ) تشعبت فينا وهاجت

فبتنا لا نُطيق ولا نطاقُ

أسير إليكمُ كلِفاً عجولاً

وتعلوني الجسارةُ والسباقُ

كأني للهنود شدَت سروجي

وقد أضنت مراحلَنا العراقُ

أسافرُ كلَّ يوم في نَكاد

ولا رَوحٌ وأمنٌ واشتياقُ.

وبرغم فقداننا امتيازات في( ابها) واخوة كراما، إلا أن السلامة غالية، والقرب مغرٍ، والاهل (خطافون)، والأحبة شائقون،. ومحايل تحتاج الكثير من ابنائها، وكانت (صناعتنا) العلم والفكر، نبنيه ونؤسس له عبر دروس متواضعة ، ولقاءات بسيطة، ليست على المستوى المطلوب، ولكنها أحسن من لا شئ، ولا تقارن بالعدم،. والأحبة ضاغطون بضرورة أخذ (زمام المبادرة) وتأسيس (نواة علمية) وثقافية، تنهض بالمنطقة، وتستقطب المبدعين والموهوبين،. وهو ماانتهجناه منذ اكثر من عقدين، تقطعت بالرحلة المصرية ، ثم عدنا نواصل المسيرة، وكلنا أمل ان يدرك أبناء المنطقة حجم الدور المنوط بهم، وان بلدهم الغالي، يحتاج منهم الكثير، وتهامة على الخصوص، تطمح الى من يرتقي بها، ويسهم في نهضتها وسموها،.

ولذلك جاء هذا التكليف الملح من عميد الكلية د. محمد القرني وفقه الله، وارغمني حيث اني رافض، وكلفني وانا غير طالب، ،. ثم صدرت الموافقة من معالي مدير الجامعة مشكورا

ولم يكن ثمة مساحة للاعتذار، فاستخرنا وتوكلنا على الله ، ونساله العون والمدد والتوفيق.

والمطلوب تأكيده هنا، ان الحياة تجري بغير هوى الانسان ، وقد تفرض على المرء مواقف وقرارات يتخذها وهو (مكره)، لا سيما عند فقدان البديل، وانعدام المعين، ويخشى ان تبدد مصالح عليا في حياته كالدرس والعلم وتربية التلاميذ. ولكن ما باليد حيلة. ويعلم اخوتي الاجلة أنني لم أركض لذلك، ولا استشرفت لها، وكان جل همي الانقطاع للتدريس الأكاديمي والبناء التربوي، والتباعد كثيراً من اي مسئولية ادارية، ونعاين ان الادارة بتعقيداتها و(التزاماتها) قيد عن العمل الدعوي، واشغال عن مقاصد جليلة،. ومع ذلك فقد تورطنا في هذه التبعة ،. ونسأل الله التوفيق للجميع

وعموما هي تجربة واختبار للمسار الدعوي والفكري والعلمي، وهل يستطيع المناضل الجمع بينهما، او حتى تحقيق مقاربة بينهما،. مما يفرحني هنا أن المدة محدودة، والفكر لا يزال يعتمل في مداخيل الموازنة، ويمارس فنون الترجيح والمفاضلة،.

ووطننا غالٍ، ويحتاج منا الكثير، وقد أعطانا ولازال يعطي في ظل قيادة خادم الحرمين حفظه الله، والتي ما برحت ترتقي بالبلد علما وتعليما وازدهارا وتثقيفا،

وأهلنا في تهامة يتوقون لجامعة تلبي احتياجاتهم، وتوفر لهم التميز والاستقلال ، وهو ما سيكون قريبا بإذن الباري تعالى والسلام،

وأقول مثلما قال الصديق ابو بكر رضي الله عنه( أرجو أن لا يمنعني ما دخلت فيه، عن شئ كنت أعمله لله).

آخر بوح شعري من خضم التبعة:

لعمادتينِ أُخذتُ بالأغلالِ

ماذا أقول وليس لي من والي؟.

ماذا أقولُ وحيلتي مهزوزةٌ

ومعاذري كالنحت في الاجبالِ؟.

قالوا العلوم تحطُّها في جانبٍ

وتغيبُ عن درس وعن آمالي.

وتجيئ مبتدرا بكل صبيحةٍ

وخروجكم بعد الظهير الصالي.

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير

  • 4
  • 1
  • 6,053

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً