المشاكل الفلسفية والمنطقية في الفكر الإلحادي الزاعم لاستناده على العلم

منذ 2019-03-19

واللطيف في هذه الفلسفة العرجاء أنها تؤدي لتتاقضات مثل أنها تعترف بمكونات الكون لكنها - بنفس منطقها - لا تعترف بالكون ككل! نعم فالكون ككل لا يمكن أن يخضع للتجربة!

المشكلة أنه عندما ينفي عالم ملحد كهاوكنج أو غيره الحاجة لوجود خالق فهو - ضمنيا - نظر إلى الخالق ككيان علمي تجريبي يمكن قياسه في المعمل، فهو مثل برنامج الكمبيوتر الذي ادعى أنه لا حاجة للكمبيوتر من الداخل في وجود مبرمج من ضمن نظام الكمبيوتر، وهذا ما يسمى المنطق الدائري أو المصادرة على المطلوب إذ أنه افترض فرضا ضمنيا ثم استخدم الفرض في إثبات نفس الفرض.
هذه مشكلة في فلسفة العلم الحالية والتي تتعلق بالموجودات بشكل عام أن فلسفة العلم الحالي - ذي النكهة الإلحادية - تفترض ضمنيا أن الموجود هو الذي يمكن إخضاعه هو شخصيا للتجربة، واللطيف في هذه الفلسفة العرجاء أنها تؤدي لتتاقضات مثل أنها تعترف بمكونات الكون لكنها - بنفس منطقها - لا تعترف بالكون ككل! نعم فالكون ككل لا يمكن أن يخضع للتجربة!
إذًا - حسب هذه الفلسفة - الكون ككل غير موجود لكن كل مكون من مكوناته موجود!
أيضا حسب هذه الفلسفة فإن قوانين الطبيعة لا وجود لها إذ أن قوانين الطبيعة لا يمكن اخضاعها - ككيان موضوعي - للتجربة! وهنا يظهر منطق هاوكنج المتناقض إذ أنه يعترف بقوانين الطبيعة لأن لها آثار واضحة (هذا فضلا عن قوانين الرياضيات التي ليس لها وجود موضوعي يمكن إجراء تجربة عليه بذاته، لكن وجودها الموضوعي يستنتج بالاستدلال الغير مباشر عليه) ، مع أن هذه القوانين لا يمكن ملاحظة وجودها إلا بالمنطق الاستدلالي، لكنه لا يعترف بضرورة وجود عقل كبير كتب هذه القوانين ووضع صيغها هذه بالذات ليس غيرها وحدد قيم ثوابتها الفيزيائية هذه بالذات ليس غيرها، وأيضا حفظها من التغير العشوائي، إذ أنه لا ضامن - من الناحية العقلية الفلسفية البحتة - لاستقرار قوانين الطبيعة إلا لو خضعنا لحكم العقل الغير متلبس بالهوى بأن هناك كيان ثابت مستقر بذاته أحد صمد يمسك القوانين أن تزول أو أن تتبدل ﴿ {إِنَّ اللَّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا وَلَئِن زالَتا إِن أَمسَكَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعدِهِ إِنَّهُ كانَ حَليمًا غَفورًا} ﴾[فاطر: ٤١]

وأقول أن لتأويل الفلسفات الدينية القديمة باع في المنطق الأعوج الذي يستند إليه الملحدون العلميون وهو تصور هذه الفلسفات للزمن، إذ أنها تتحدث كثيرا عن المبدئ الأول - من ناحية الزمن - وكأن الله كان قبل الكون (وبذلك قد نسبوه للزمن الفيزيائي) ثم دفع قطعة الدومينو الأولى في لحظة زمنية (بالنسبة للخالق) فتوالت قطع الدومينو التالية، وبهذا يكون هو "السبب الأول" زمنيا.
والحق أن الله هو السبب الأول والأخير فلسفيا منطقيا وليس زمنيا لأن الزمن الفيزيائي مخلوق من مخلوقات الله ولا يجوز أن يسري على الخالق في الوقت ذاته الذي يكون فيه جزءا من المخلوق.
وبناء على هذا الفكر - أو التأويل - السقيم للفلسفة الدينية القديمة تتشكل العقلية الإلحادية عندما يقرون مبدأ God of Gaps والذي يقول أن الإنسان القديم اخترع وجود الخالق في عقله لأنه لم يستطع تفسير ما يحدث، وأنه بذلك كان يملأ بالخالق فجوات تفسير الأحداث، ألا وإن العلم الحديث استطاع "تفسير" ما يحدث فإن الحاجة إلى الخالق تقل كلما تقدم العلم! وفي هذه النظرة مغالطتان قاتلتان:
أولاهما : هو افتراض الخالق - ضمنيا - جزءا من ميكانيكا الكون يحرك هذا وذاك مع أنه خفي لا يرى. والحق أن الخالق ليس جزءا خفيا من الكون بل أن الكون بما فيه من أحداث هو إسقاط لاسم الله "الخالق" على شاشة العدم، فعلاقته بالأحداث علاقة منطقية لا علاقة زمنية
وثانيهما هو افتراض أن اكتشاف قوانين الطبيعة هو اكتشاف الأسباب! مع أن قوانين الطبيعة هي إجابة على سؤال "كيف" وليس على سؤال "لماذا"! فالقوانين هي النمط الرياضي التي تسري بالنسبة إليه الأحداث، فهي بالأحرى تصف ولا تعلل، وستظل العلة الأصيلة لابد ألا تكون معتمدة على النظام ذاته ولابد لها أن تكون مستقلة "الله الصمد" وإلا لانهار النظام بأكمله، وبالتالي يظل الله - المستقل بالتعريف عن الكون وقوانينه - هو السبب الأول والأخير، وتظل القوانين هي نمط رياضي يصف علاقات مكونات الكون بعضها ببعض، ويصف الكون ككل على أقصى تقدير، فهي وصف إذا لا علة، هي إجابة سؤال "كيف" لا إجابة سؤال "لماذا"

وهنا تأتي إجابة سؤال هل يمكن لعالم في ثقل هاوكنج أن يتجرأ بإجابة علمية خاطئة على قضية كهذه؟
والإجابة ببساطة هي "نعم"
وذلك لسببين
1- أن هاوكنج هو بشر ليس كامل العقل ولا خال من الهوى والتفكير المؤدلج
2- أن هاوكنج تحدث عن قضية فلسفية من منظور علمي بقناعة مسبقة خاطئة هو أن الله - إن وُجِد - فإنه جزء من النظام، وخاضع للزمن! لذا فإنه عند قوله "أنه لا معنى لما هو قبل الإنفجار العظيم، كما أنه لا معنى لما هو جنوب القطب الجنوبي" فإنه توهم أن في هذا نفي للخالق لأنه تعامل - من البداية - مع الخالق في إطار زمني وذلك ليس بعيدا عن الفلسفة الدينية القديمة الخاطئة، أو تأويلها الخاطئ
.
أحمد كمال قاسم

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 3
  • 0
  • 4,987

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً