نحو مفهوم جديد للعمل الخيري
أحمد السعيد
ولو نظرنا إلى تاريخ الحضارة الإسلامية وكيف واجهت تلك المشكلة، نجد أن أجدادنا فى العصور الذهبية قد استحدثوا آلية اقتصادية لتوفير الدعم المالى للعمل الخيرى وهى ” نظام الوقف”
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
تبذل المؤسسات الخيرية فى العالم العربى جهودًا مشكورة لدعم الطبقات الفقيرة والمهمشة، ولكن أما آن لهذا العمل الجليل أن يتقدم ويتطور؟!، إن الفقر فى العالم العربى قد استشرى واستفحل وليس لنا بد لمواجهته إلا بتطوير أفكار خلاقة حول كيفية تقديم الأفضل للشرائح الفقيرة والمهمشة.
أولى أوجه القصور فى العمل الخيرى:
تكمن فى عدم وجود مصادر تمويلية للمؤسسات الخيرية، مما يضعف العمل الخيرى برمته ويجعله تحت وصاية التبرعات، ولو نظرنا إلى تاريخ الحضارة الإسلامية وكيف واجهت تلك المشكلة، نجد أن أجدادنا فى العصور الذهبية قد استحدثوا آلية اقتصادية لتوفير الدعم المالى للعمل الخيرى وهى ” نظام الوقف”، وتكمن عبقرية نظام الوقف فى توفيره للأموال بشكل مستمر وبدون الحاجة إلى التبرعات المستمرة، إذ يتم استثمار الأموال المتبرع بها فى شراء أصول ثابتة ( مثلاً عقارات أو أراضى ) ويتم تأجير تلك الأصول، والعائد من تلك الأصول يذهب إلى الأعمال الخيرية المختلفة، فما أحوجنا إلى تفعيل هذة الفكرة العبقرية فى واقعنا المعاصر، وليس بالضرورة أن نستنسخ نظامًا مطابقًا لنظام الوقف فى عصر الحضارة الإسلامية، بل نبدع نموذجًا يتوافق مع متطلبات العصر الحاضر.
ثانى أوجه القصور فى العمل الخيرى:
تكمن فى التفكير بعقلية الشفقة، فنحن نشفق على الفقراء والمساكين ومن أجل ذلك نعطيهم ما نستطيع تقديمه لهم، مما يتسبب فى حصر الفقير فى خانات اجتماعية محدده لا تسمح له بتجاوزها، فهو يعامل كفقير أو كمسكين وهذا يجعله معتادًا على قبول المساعدات المادية كجزء من حياته، مما يجعله يشعر بالدونية فى ظل مجتمع مادى يلهث وراء المال، والأولى بنا أن نحافظ على كرامة هولاء، فننظر إليهم بعقلية ” التطوير الذاتى ” فنعمل على استحداث فرص عمل لهم وتوفير مصادر دخل كريمة وذلك عن طريق تفعيل نظام الوقف، مما يسمح لهم بحالة من التطور فى المستوى المادى، فالإنسان الفقير ليست لديه معدة خاوية فقط، بل لديه قدرة على العمل والإنتاج، فلما لا نفعل هذة القدرة ونجعله يحيا حياة كريمة لا يمد فيها يده إلى أحد، بل يعتمد على نفسه وذاته فى تحصيل مصدر رزق، وكما تقول الحكمة الشهيرة: “بدلاً من أن تعطنى سمكة علمنى الصيد !”، وإحدى الأفكار المطروحة لتوفير مصادر دخل كريمة للفقراء فى إطار نظام الوقف هى فكرة ( فرص العمل اللامحدودة ) وتكمن تلك الفكرة فى تكوين شركة وعندما تنمو تلك الشركة وتكسب أرباحًا فإن أرباحها لا تذهب إلى العاملين بها، بل تذهب لتكوين شركة جديدة، فى حين يكتفى العاملون بتقاضى مرتباتهم فحسب، وتتكون هذة الشركة الجديدة وتكسب أرباحًا فتنشأ شركة ثالثة وهكذا ندخل فى سلسلة لانهائية من تأسيس الشركات والمؤسسات التى توفر فرص عمل للطبقات الفقيرة، وأيضًا فكرة المشروعات الصغيرة أو التى تنفذ بالمنزل وهى مناسبة أكثر للشرائح النسائية.
ثالث أوجه القصور فى العمل الخيرى:
هو اقتصار العمل الخيرى على الجانب المادى فقط، بدون الالتفات إلى الجانب التعليمى أو التثقيفى، حقًا فإن العامل الاقتصادى مهم ولكن يجب ألا تتوقف مسيرتك فى العمل الخيرى على إشباع تلك الجوانب المادية، بل إن رسالتك أكبر من هذا، فالتعليم والتثقيف هما المكملين لإشباع الإحتياجات المادية، فينبغى على المشتغلين بالعمل الخيرى أن يعطوا الفقراء ما يرغبون فى الحصول عليه من النواحى المادية، ثم يعطونهم ما يحتاجون إليه من العلم والثقافة، وهناك ميزة فى الطبقات الفقيرة المهمشة أن معظم الأطفال المنتمين إليها لم يتعلموا فى المدارس التابعة للدولة، ولم تكبل عقولهم بالقيود التعليمية الموجودة فى نظامنا التعليمى، فهذة العقول أولى بها أن تدمج فى نظام تعليمى إبداعى موازى للنظام الحكومى من أن تكبل وتقيد فى نظامنا التعليمى المتخلف.
فإذا قمنا بدمج الأفكار الثلاثة السابقة مع بعضها البعض، خرجنا بمنظومة جديدة من الرخاء الاقتصادى والازدهار الفكرى والرقى الأخلاقى، معتمدين بذلك على نظام الوقف فى الناحية المالية، وعلى عقلية التطوير الذاتى كنظرة شاملة فى العمل الخيرى، وعلى اعتماد نظام تعليمى تثقيفى إبداعى بعيدًا عن النظام التعليمى الحالى الذى يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن لإصلاحه.