موازين الصراع في سورية وعوامل حسمه لصالح الشعب السوريّ وثورته المباركة
ملفات متنوعة
لقد كنا نرى -قبيل اندلاع الثورة في سورية- وبخلاف ما كان يهرطق به
بشار أسد ومستشارته بعد هبوب رياح التغيير في المنطقة.. كنا نرى أنّ
الثورة في سورية حتمية، وستنتصر..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أولاً- مدخل
منذ الخامس عشر من آذار 2011م، بدأت سورية تدخل تاريخاً جديداً، من
الباب الواسع لرياح التغيير العربية، ضمن حالة صراعٍ مريرٍ ما بين
الحق والباطل.. حقّ الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية، وباطل
الطغاة المستبدّين، الذين بدأت شمسهم بالغروب -بإذن الله- تحققاً
لسنته عزّ وجلّ في أرضه، الماضية إلى يوم الدين.
نحن الآن أمام واقعٍ جديدٍ في سورية والمنطقة والعالم، على ثوار
سورية أن نُحسِنوا قراءته، ويبنوا مواقفهم وسياستهم وتحرّكهم بناءً
على هذه القراءة الشفافة لهذا الواقع.. فقد عشنا -حتى الآن- أقل من
أربعة أشهرٍ بقليل، من الحراك غير المألوف لدى شعبنا السوريّ الأبيّ،
سطّر خلالها، وما يزال، صوراً تاريخيةً رائعةً من الشجاعة والإباء
والصمود الأسطوريّ، وهو يقدِّم التضحيات الجسام بكل أشكالها وأنواعها،
مُصِرّاً على نيل حقوقه كاملةً، وعلى إسقاط العصابة الأسدية الحاكمة:
العقبة الكأداء أمام الولوج إلى عصرٍ سوريٍّ جديد، من الحرية والأمن
والازدهار.
ثانياً- القراءة العامة لطرفي الصراع: النظام الحاكم، والشعب
السوريّ
أ- لقد انتصب النظام واقفاً طوال السنين الماضية، على ساقين
رئيسيّتَيْن:
1- الساق الأولى أو الداخل السوريّ: وذلك باعتماد وسائل: القمع،
والاستبداد، والسيطرة الاقتصادية والمالية، وسطوة الأجهزة المخابراتية
والميليشيات العسكرية وشبه العسكرية، بقبضةٍ عائليةٍ لئيمة.. وقد كان
النظام يهدف من كل ذلك، إلى بناء جدارٍ شاهقٍ من الخوف أمام الشعب
السوريّ، بكل شرائحه، وإلى إذلال هذا الشعب ليبقى تابعاً مُستكيناً
له، عن طريق إفقاره والسيطرة على ثرواته ومقدّراته.
2- الساق الثانية أو الخارج الإقليميّ والدوليّ: بالاعتماد على
الحليف الإيرانيّ وتوابعه.. من جهة، ومن جهةٍ ثانية.. على الغطاء
الدوليّ الذي يؤمِّنه له الغرب (بزعامة أميركة وفرنسة وروسية)..
أولاً، والتفاهمات الضمنية مع الكيان الصهيونيّ.. ثانياً، والحركات
والأحزاب القومية والإسلامية، ضمن لعبة الممانعة والمقاومة التي
يلعبها النظام على هؤلاء.. ثالثاً.
ب- بينما اعتمد الشعب السوريّ في ثورته على استراتيجياتٍ
مضادة:
1- التحدّي الأسطوريّ للقمع ومنتجاته وأساليبه الوحشية
المتعدّدة.
2- الإصرار على المطالب العادلة بالتغيير، والصمود مهما بلغت
التضحيات.
3- كشف حقيقة حلفاء النظام (إيران وحزب الله) وحقيقة الارتباط
الطائفيّ فيما بينهم وبينه.
4- كشف حقيقة مناورات النظام حول الإصلاح وإجراءاته الخادعة في هذا
المجال.
5- التطوّر المتنامي للحراك الشعبيّ، وتصاعده المستمرّ، واتساع
رقعته: جغرافياً وبشرياً.
6- تهديم حاجز الخوف بشكلٍ كاملٍ تقريباً، بطرقٍ إبداعيةٍ
ذكية.
7- استنزاف القوة المالية والاقتصادية للنظام.
ج- النتائج التي تمخّضت عنها حالة الصراع القائمة حتى الآن:
1- بَدء تَـهاوي النظام، بوصول قواه المخابراتية والعسكرية إلى حالة
الإرهاق، الذي يسبق -عادةً- الانهيار التام.
2- انكشاف الحقيقة الفاشية لهذا النظام، وأنه يكاد يكون النظام
الوحيد في العالم، بطبيعته الوحشية المتخلِّفة في كل المجالات،
وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان، وكذبه الذي اتضح أنه ظاهرة عميقة
في تكوينه النفسيّ والأخلاقيّ.
3- بَدء تمزّق الغطاء الدوليّ والإقليميّ عن هذا النظام، ودخول
المجتمع الدوليّ المساند له في المراحل الماضية -عبر اعتماد أسلوب
تحسين سلوكه بدل تغييره- في مرحلة التفكّك.
4- انكشاف زيف شعارات النظام وألاعيبه حول المقاومة والممانعة،
وانفضاض كثيرٍ من القوى والأحزاب الإسلامية والقومية عنه.
5- وصوله إلى حافة الانهيار الماليّ والاقتصاديّ.
ثالثاً- الوضع الحاليّ
يمكن إيجاز الخيارات الحالية لطرفي الصراع بما يلي:
1- النظام: حَسَمَ خياراته بالحلّ القمعيّ العسكريّ، مهما بلغت شدّة
جرائمه.
2- الشعب: حَسَمَ خياراته بإسقاط النظام، مهما بلغت تضحياته.
رابعاً- المشهد الحاليّ لحالة الصراع
1- النظام سقط داخلياً، بمعنى أنّ الأوضاع الداخلية لن تعود إلى ما
قبل الخامس عشر من آذار، والشعب السوريّ، بإسقاطه حاجز الخوف، وتقديمه
التضحيات الجسام، وصموده الشجاع، قد ساق قوى النظام -على مختلف
أشكالها- إلى حالة الإرهاق والاستنزاف، وأدخَلَ هذا الشعبُ الأبيّ في
التكوين النفسيّ للإنسان السوري حقيقةَ أنّ هذا النظام لم يعد صالحاً
للحكم، ولا مؤهّلاً له، بل إنّ الدافع الأخلاقيّ والإنسانيّ
والواقعيّ، يفرض اقتلاع هذا النظام من جذوره.. وبذلك تفتّتت الساق
الأولى (أي قوّة النظام في الداخل) التي ينتصب عليها هذا النظام
الفاسد.
2- الغطاء الدوليّ، ما يزال متردِّداً، بطيئاً في حسم خياراته، وما
يزال يمنحُ النظامَ نصابَ البقاء. إذ إنّ أميركة وفرنسة وبقية دول
الاتحاد الأوروبي، ما يزالون يراوحون في بقعة العقوبات ضعيفة التأثير
على النظام، وروسية والصين ما تزالان تتخذان موقفاً داعماً له، والدول
العربية ما تزال صامتةً بلا فعلٍ ولا انفعال. وأسباب ذلك عديدة،
أهمها: التخوّف من المستقبل القادم وما يمكن أن يحملَه من ضَربٍ
للمصالح، وعدم تبلور البديل الذي يطمئنّون إليه. نستطيع أن نقول: إنّ
الساق الثانية (الخارج) التي ينتصب عليها النظام، ما تزال صامدة، على
الرغم من أنّ الضعف بدأ يعتريها.
خامساً- المستقبل وما يحمله لسورية وشعبها
أ- نعتقد أنّ وصول سورية إلى حالة الفوضى والحروب الداخلية المفتوحة
المتعدّدة.. أمر لا يقبله أو يرغب به أو يعمل له أحد من الناس (سوى
النظام الحاكم).. لا الشعب السوري وقواه الوطنية المعارضة أو الثائرة،
ولا المجتمع الدوليّ، ولا أميركة، ولا حتى "إسرائيل".. فضلاً عن
الجارة تركية!.. لأنّ السياسات الغربية والصهيونية في المنطقة،
مَبنيّة على حماية (إسرائيل) ودرء كل المخاطر عنها.. والفوضى في سورية
ستفتح أبوابها على مصاريعها لكل أنواع الدعم البشريّ واللوجستيّ من
الدول المجاورة وغيرها، لكل أطراف الصراع، وستحترق دولة الكيان
الصهيونيّ بذلك، يوم تصبح جبهة الجولان مفتوحةً لكل من يرغب بأن
(يتسلّى) بجيش الكيان وقطعانه!.. ستتحوّل سورية إلى أفغانستان المنطقة
العربية، فهل هذا الوضع يُرضي أحداً من المجتمع الدوليّ؟!..
ب- بناءً على ذلك، نستبعد أن تتحوّل المعركة الدائرة بين الشعب
والنظام، إلى معركةٍ طائفيةٍ (سنيّةٍ-علويةٍ شيعية)، لأنّ العلويين
أقلية زهيدة ضمن بحرٍ من أهل السنّة أولاً، ولأنّ مثل هذه الحرب
الطائفية هي أقصر السبل لاستجلاب الفوضى، بل لامتدادها إلى دول
الإقليم، ومنها الكيان الصهيونيّ. ألم يضع نظام بشار الغرب والمجتمع
الدوليّ أمام خيارين لا ثالث لهما: نظامه أو الفوضى؟!.. ألم ينذر رامي
مخلوف (إسرائيل) ويحذّرها، بأنّ استقرارها من استقرار سورية؟!.. كلمة
حقٍ أرادها مخلوف باطلاً!..
ج- النتيجة: هناك -واقعياً ومنطقياً- مصلحة مشتركة قسرية، بين الشعب
السوريّ وثورته المباركة.. والمجتمع الدوليّ، بمن في ذلك أميركة
والاتحاد الأوروبيّ و(إسرائيل)، هي أنه ينبغي ألا تنزلق البلاد إلى
حالة الفوضى، التي يمكن أن تؤثّر على مصالح جميع الأطراف (بغض النظر
عن جوهر هذه المصالح لكل طرف)، بمن في ذلك الكيان الصهيونيّ!.. على
الثورة السورية أن تنطلق من هذه الحقيقة المقدَّرة من الله عزّ وجلّ،
والسائرة بتدبيره وحكمته، نصرةً للشعب السوريّ المظلوم.
د- كيف يمكننا أن نقرأ طريقة الحسم؟.. وما هو الدور التركيّ في
ذلك؟!..
- نعتقد أنّ صمود الثورة بوجه النظام، وإصرارَها على إسقاطه، وتصاعدَ
أوارها، وجسامةَ تضحياتها.. سيدفع المجتمع الدوليّ (وبالتابعية دول
الإقليم)، إلى التحرّك الجديّ لحسم الخيارات، بالانصياع إلى خيار
الثورة وشعبها: إسقاط النظام، وإن لم يسقط بالقوّة الشعبية الداخلية،
أو بانقلابٍ عسكريّ.. فإنّ تركية قد تكون المرشّح الأول لتحقيق هذا
الحسم ضد النظام، قبيل أن تنزلق البلاد إلى حالة (الفوضى)، التي لا
يمكن أن تضبطَهَا أية جهةٍ إقليميةٍ أو دولية.. وذلك للأسباب
التالية:
1- لأنّ تركية دولة قوية، بل عضو في حلف شمال الأطلسيّ.
2- لأنها دولة جارة، لها مصالح اقتصادية كبرى في سورية.
3- لأنّ حدودَها مع سورية طويلة جداً (حوالي 900كم)، ولها مصلحة
أمنية في حسم الصراع، وهي تتخوّف من مشكلة الأكراد، ومشكلات اللاجئين
السوريين، ومشكلة العلويين الأتراك الذين يمكن أن يثيروا القلاقل
بدعمٍ من النظام السوريّ.
4- لأنها دولة إسلامية مقبولة على الصعيد الشعبيّ السوريّ،
والإقليميّ، والإسلاميّ، بخلاف الحلف الأطلسيّ الذي يتدخّل في ليبية
حالياً، فالشعب السوريّ حساسيته عالية برفض هذا النوع من التدخّل..
ولا شكّ بأنه إذا تحقق هذا التوقّع، فإنّ تركية ستنسّق قيامها بدورها،
مع مجلس التعاون الخليجيّ الذي أصبح الأردن والمغرب عضوين
فيه!..
- لكننا نؤكّد، أنّ تركية لا يمكن أن تتدخّل إلا بقرارٍ دوليٍّ من
مجلس الأمن، وقد حذّر مسؤولوها الكبار النظامَ السوريّ في أكثر من
مناسبة، بما يحمل ضمناً، أنّ تركية ستدعم (تنفيذ) أي قرارٍ دوليّ،
وذلك في حال عدم قيام النظام السوريّ بإصلاحاتٍ جدّية.
- والقرار الدوليّ بحاجةٍ إلى عدم استخدام حقّ (الفيتو) من أيٍ من
الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي: بحاجةٍ للموافقة
الروسية تحديداً، وهنا -في الحقيقة- تكمن بؤرة المعركة الدبلوماسية
والسياسية التي يجب أن ينتصر فيها الشعب السوريّ وممثلوه!.. إذ لابدّ
من صبّ الجهود، على هدف تحويل الموقف الروسيّ لصالح الشعب السوريّ،
بدلاً من الموقف الحاليّ الداعم للنظام الحاكم.
- كيف يمكن تغيير الموقف الروسيّ؟!..
العلاقات بين الأنظمة والدول قائمة على المصالح، والمصالح الروسية
لدى سورية كبيرة، نوجزها بما يلي:
1- الديون الروسية العسكرية على سورية بالمليارات.
2- تسليح الجيش السوريّ، بمجمله تقريباً، من مصدرٍ روسيّ.
3- علاقات اقتصادية متشابكة.
4- قاعدة روسية اقتصادية-عسكرية على السواحل السورية.
5- الموقع الاستراتيجيّ السوريّ تستفيد منه روسية، من خلال علاقات
الصداقة بين البلدين.
إذن، على الثورة السورية أن تُطمئن روسية على مصالحها جميعاً، ضمن
علاقاتٍ منضبطةٍ تراعي المصالح المتبادلة للطرفين، جملةً
وتفصيلاً.
خامساً- الاستراتيجية المنشودة والموقف السياسيّ لدعم الثورة وحسم
الصراع
ب- داخلياً:
1- على كل القوى المناوئة للنظام (لاسيما في الخارج).. تقديم كل ما
يمكنها، من أنواع الدعم: السياسي والإعلامي والمالي واللوجستي والفني
والتقني.. وذلك كي تبقى شعلة الثورة متّقدة، ومسارها متنامياً
متطوِّراً، فلا تتوقف، ولا تتراجع.. بل تستمر بالارتقاء
تصاعدياً.
2- تشجيع انشقاقات الشرفاء داخل الجيش والأجهزة الأمنية.
3- تطوير أساليب فضح النظام، وتوثيق انتهاكاته.
4- تجميع القوى الوطنية الشريفة، والانخراط ضمن منظومة قوى الثورة،
في الداخل والخارج، تمهيداً لتأمين البديل الوطنيّ واسع الطيف،
المقنِع للمجتمع الدوليّ.
5- الدفع باتجاه الانهيار المالي والاقتصادي لقوى النظام، مع تخفيف
وطأة ذلك على شعبنا، بتوفير بعض البدائل لدعم الشعب.
ج- خارجياً:
1- تفعيل العلاقات الداعمة، مع دول الجوار والإقليم والعالَم، ومع
الحركات والتنظيمات والأحزاب العربية وغير العربية، ومنظمات المجتمع
المدنيّ وحقوق الإنسان.
2- طمأنة روسية على مصالحها في سورية، بالحوار الفعال، تحت مظلةٍ
وطنيةٍ تمثل المعارضة والثورة السورية.. وصولاً إلى تحويل الموقف
الروسيّ لصالح شعبنا.
3- الدفع باتجاه اتخاذ قراراتٍ دوليةٍ حاسمةٍ ضد النظام السوريّ،
وذلك في مجلس الأمن والمحاكم الدولية والجنائية، بالتعاون مع الدول
ذات النفوذ.
4- استثمار الموقف التركيّ، وتطويره، والتنسيق مع الأتراك في كل
مراحل الصراع.
5- تحذير الدول العربية -لاسيما دول مجلس التعاون الخليجيّ- من تفاقم
الخطر الإيرانيّ وتوابع إيران، فيما لو استمرّ النظام السوريّ،
وتشجيعها على اتخاذ مواقف جدّيةٍ من النظام، لأنّ سقوطه سينهي الخطر
الإيرانيّ من المنطقة كلها.
وبعد
لقد كنا نرى -قبيل اندلاع الثورة في سورية- وبخلاف ما كان يهرطق به
بشار أسد ومستشارته بعد هبوب رياح التغيير في المنطقة.. كنا نرى أنّ
الثورة في سورية حتمية، وستنتصر. وها قد اندلعت الثورة واستعرت، ولم
يبقَ إلا أن تنتصر، وستنتصر بإذن الله الحيّ القيوم، فذلك من مقتضيات
سنن الله عزّ وجلّ في الأرض.
8/8/1432 هـ