على دربهم أسير ... (٢) القارئ الصغير
كان عمره ست سنين أو سبع سنين وكان إماماً لقومه يؤمهم في الصلاة لأنه كان أحفظهم للقرآن، وذلك لأنه لما بلغ قومه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً » )
أبنائي الأعزاء صغار السن كبار القدر والعزيمة، سنكمل اليوم إبحارنا في بحر صغار الصحابة بسفينة من التدبر والتأمل؛ لنصطاد أعظم الدرر.
حديثنا عن صحابي صغير السن عظيم الشأن اسمه عمرو بن سلمة، نتعرف على موقف عظيم له وهو صغير.
كان عمره ست سنين أو سبع سنين وكان إماماً لقومه يؤمهم في الصلاة لأنه كان أحفظهم للقرآن، وذلك لأنه لما بلغ قومه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً » )، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا من عمرو بن سلمة الطفل الذي عمره لا يتجاوز السبع سنوات، فقدموه ليكون إماماً لهم!
نسمع القصة كاملة كما وردت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره، يقول عمرو راويًا قصته: "كنا بماء ممر الناس ( أي كانوا يعيشون بجوار ماء يمر به المسافرون )، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ ( أي يسألونهم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه )، فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يغرى ( يقر ) في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح ( يعني لم يسلموا لأنهم ينتظرون أن ينتصر الرسول على قومه ليعرفوا أنه صادق )، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح ( فتح مكة ) بادر كل قوم بإسلامهم، وبادر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم، قال: جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقًا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا .
فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان ( أي ما يحفظه من المسافرين عند حديثهم عن ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم )، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت على بردة ( نوع من الملابس )، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص".
وهنا يا أبنائي الأعزاء نقف عند بعض الوقفات لنتدبرها :
أولًا: هل رأيتم حرصه واهتمامه بالقرآن رغم صغر سنه؟ وكيف كان يستمع بتمعن وتركيز للكبار وهم ينقلون الوحي الذي سمعوه ؟
لقد كان حبه واهتمامه بالقرآن نابعًا من نفسه، لم يلتحق بكتَّاب ولا درس ولا دار لتحفيظ القرآن ولا معهد ولا حتى أهله قاموا بتوجيهه وحثه على حفظ القرآن الكريم، ولكنه هو نفسه كان مهتمًا وحريصًا على حفظه وتعلمه.
(فهل أنت يابني حريص مثله على حفظ القرآن؟ أم تتذمر عندما يحثك أهلك على حفظه؟ قارن بين شعورك وبين حرص عمرو).
ثانيًا: كلنا يعرف عزة النفس عند العربي، ومع ذلك قبلوا أن يكون إمامهم في الصلاة طفلًا صغيرًا وهم رجال كبار؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
( إذا طاعة أوامر الله ورسوله تأتي في المقام الأول مهما كانت صعبة على نفسك).
ثالثًا: رغم أنه صغير في السن كانوا ينظرون إليه نظرة إكبار واحترام؛ لأنه قام بعمل يستحق عليه تلك النظرة، وهو حفظه للقرآن.
( إذًا أنت تستطيع أن تثبت وجودك واحترام الناس لك بفعلك).
رابعًا: هذا الطفل لم يحتقر نفسه ويقل من أنا حتى أكون إمامًا لمن هم أكبر مني من الصحابة، ولم يشتغل باللعبّ المعهود عند الأطفال عادة بل كانت همته بهذه المكانة التي تعجز عن وصفها الكلمات .
( لابد أن يكون عندك همة عالية واعتزاز وثقة بنفسك، وأنك تستطيع أن تحتل مكانة كبيرة بين الناس).
خامسًا: أهم مانريد تعلمه من هذه القصة والذي اخترت هذا الموقف من أجله، كم كان عمره عندما حفظ القرآن الكريم ؟ لقد كان ست أو سبع سنين!
وأنت كم مضى من عمرك ؟ تحفظ كم جزءًا، أو حتى كم سورة؟ للأسف كثير لم يحفظ ولو جزء عم !
وفي المقابل كم أغنية تحفظ ؟ وكم تتر مسلسل ( رغم ما فيها من كلام محرم يغضب الله ) أو حتى كم تحفظ من الأناشيد ؟
لو جمعت كل ما تحفظه منهم لوجدته أكثر بكثير من عدد كبير من أجزاء القرآن.
فلماذا تستبدل الذي الأدنى بالذي هو خير ؟!
هل يُعقل ذلك يا مسلم؟ يا حفيد صلاح الدين؟ يا من نرجو صلاح حال الأمة على يديه؟
لماذا لست مهتمًا بحفظ القرآن الكريم ؟ لماذا ليس لك ورد يومي من الحفظ ولو حتى خمس سطور؟ أنت في عمر ذهبي تستطيع أن تحفظ فيه بسهولة، قبل أن يكبر سنك ويصبح الحفظ صعبًا وتندم حيث لا ينفع الندم.
هل تعرف فضل حفظ القرآن الكريم ؟ هذا بعض فضله وغيره كثير:
حفظ القرآن ينجي صاحبه من النار, قال النبي صلى الله عليه وسلم: « «لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق» » رواه أحمد.
يأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأهله وحفّاظه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ».
أن القرآن يرفع صاحبه في الجنة درجات كما في الحديث: « «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ، ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها » ».
حفظة القرآن هم أهل الله وخاصّته، ففي الحديث: « « إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ » ».
فماذا تنتظر لتبدأ في حفظه ؟
التطبيق العملي :
ضع فورًا خطة أو جدولًا لحفظ القرآن، أو التحق بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم، ولا تتأخر بعد اليوم عن حفظ القرآن.
- التصنيف: