سنن الله في التغيير المستفادة من سورة الكهف :المقال التاسع

منذ 2019-03-29

التواضع وهضم النفس طريق لإعلاء شأنها عند الله ثم عند الناس ولذلك لا مجال للاعجاب بالنفس ولا الغرور

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد 
فبلا شكٍ أن في قصة موسى مع الخضر نجني منها ثماراً يانعة لننتفع بها في دنيانا وأخرانا. وأستخلص من القصة السابقة من الفوائد في طلب العلم ما يلي :-
أولاً : أن لا يكبر أحدٌ من طلب العلم مهما علت رتبته أو جلَّ قدره, ولذلك لا مجال للاستحياء أو الاستكبار من طلب العلم
ثانيا: التواضع وهضم النفس طريق لإعلاء شأنها عند الله ثم عند الناس ولذلك لا مجال للاعجاب بالنفس ولا الغرور
ثالثا: عُلو الهمَّة, ولذلك صار موسى لا يبالي بالمشقة ولا بعد الطريق ولا حتى الجفاء من المعلِّم حتى يحقِّق ما يطلبه من العلوم وهكذا يجب أن يكونوا طلاب العلم
رابعا : قبول الأعذار من طالب العلم خصوصاً إن كان جادا في طلبه للعلم 
خامسا: اختبار صبر طالب العلم لكي يكون مهتمَّا أكثر في طلب العلم ويعرف قيمة العلم لأن الشيء الثمين لو وجده الإنسان بكل سهوله قد يُضيَّعه بكل سهولة.
سادسا: التنبيه والحذر من النسيان إذ ما هو آفة العلم إلا نسيانه ودواءه المذاكرة المستمرة والتعهد به في كل الأوقات ولذلك جعل الله النسيان آية في حصول خضر عليه السلام
سادسا: فيه بحث العالم من هو أعلم منه في هذا العالم ليزدزيد منه علماً وأن يتصل العلماء بعضهم ببعض الآخر ليعلموا ما عند كل أحد ولذلك كان الأئمة كالإمام مالك في دار الهجرة المدينة والإمام ليث بن سعد في مصر والإمام الأوزاعي في الشام يراسلون بعضهم بعض الآخر كما كان الإمام عبد الرحمن السعدي يراسل علماء عصره في الهند كصديق حسن خان صاحب فتح البيان ويطالبه أن يرسل إليه كتابه في التفسير فتح البيان وكتبه الأخرى كما كان يراسل الإمام رشيد رضا في مصر صاحب المنار وغيرهما من علماء اليمن.
قال ابن مسعود رضي الله عنه والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما أنزلت وأين أنزلت ولو أعلم رجلا أعلم بها مني تناله أكباد الإبل لركبت إليه, أو كما قال.
سابعا: وجوب الأمر بالمعروف ولو كان المردود عليه رجلا أعلم منك إلا أن خضر أخذ على موسى العهد أن لا يتكلم فيما سيظهر أمامه ويصبر
ثامنا: التغيير بالعلم من سنن الله في التغيير لكل الأمم’ فالأمة التي ليس فيها علم ويشيع فيها الجهل يصعب تغييرها فكيف إذا كان جهلها مركب ومسحورة لأعداءها بالأخبار وبالمباريات وانكباب على الدنيا والشهوات ونحو ذلك.
تاسعاً: الحكم بما يظهر أمام الشخص , ولا يلام الإنسان إذا حكم بما ظهر أمامه من الأعمال المخالفة للإسلام ولكن يقول بعض العلماء : يقال هذا كفر فيفرقون بين الفاعل وفعله فيحكمون على الفعل ولا يحكمون على الفاعل إلا بعد إقامة الحجة ولكن قال كثير من الصحابة بعضهم لبعض الآخر لمَّا ظهر أمامهم أعمالاً مخالفة للإسلام منافق ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل له ذلك كعمر بن خطاب في حادثة حاطب بن أبي بلتعة مثلاً وخالد وعمر في حادثة ذي الخويصرة ومعاذ في من قطع الصلاة من خلقه وصلى جانبا وأسيد بن خضير في الفتنة التي حصلت بين الفتيين وتناديا يا للأنصار ويا للمهاجرين وغضب سعد بن عبادة وأخذته الحميته فبي ذلك لأبي بن سلول إلا ما جاء في قصة مالك بن دخشن فإنه كان غائبا من المجلس وظهر من كلامهم أن ما قالوه مجرد اتهام لا حقيقة من ورائه وقد دافعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له لا تقل له ذلك.
إذا التحقيق في المسألة والله أعلم أن يقال لا يلام من قال كافر أو منافق أو مرتد لمن أظهر له ذلك ما دام هو ما درج عليه الصحابة وأقر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
أما إن صار له عذر بعد ذلك ليقام عليه الحجة حتى يعود أو لا يعود فهو أمر آخر أم هل استوفى الشروط أو انتفت منه الموانع فهو أمر آخر , فهذا طبعا في المحاكمة وهو أمر آخر.
قوله تعالى { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} } [ الكهف: 74 ] 
في هذه الآية دروس كالتالي: الدرس الأول: الحكم بظاهر الناس ولذلك قال موسى عليه السلام { {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } }أي زكاه بما يظهر له أمامه, أما خضر فقد اطَّلع بالباطن بما أوحى الله إليه , وخصوصاً ما فعله من أمره هو, إنما فعله ما فعله بأمر الله.
وبذلك تعلم خطأ بعض الفرق المبتدعة في هذا الزمان من التكفيريين الخوارج والواقفية ونحوهم, فإنهم يتوقفون عن الناس حتى يعلموا ما في بواطنهم من الإيمان أو بعد أن يتحققوا في أمرهم كما يزعمون.
ويقولون لا نحكم لهم بالإسلام ولا بالكفر, إذا فما هم؟ فهم في قرارة أنفسهم الكفر عندهم أقرب للإيمان ولذلك قد يكفِّرون من لم يكفِّره الله وهو مسلم.
إذاَ هذا هو سر توقفهم وهو أمرٌ لا يستطاع أصلا كتكليف ما لا يطاق, وقد يكون بعض أخلصهم لله في دين الله فيما يظنون ويكون عند الله منافق ولا يعلمونه خصوصا لا يمكن أن يقفوا على أحوال كل الناس ولو أصحابهم وخواصهم فضلا عن أناس أكثر. سبحان الله.
ولذلك ابن تيمية منع من أن يُمتنع الصلاة وراء كل مستوري الحال كما منع في فتاويه أن لا أن يُختبر ويُمتحن الإمام إذا أراد أن يصلي وراءه ويقال له ماذا تعتقد ثم يصلى وراءه, كما هذا مشهور في فتاويه.
وفي الحديث الصحيح المشهور الذي بدايته " « أمرت أن أقاتل الناس» " جاء في آخره " «وحسابهم على الله » " وهؤلاء وكأنهم يقولون وحسابهم علينا " فسبحان الله. 
وبالعكس إذا ظهر من شخصٍ ما كنت تظنه أنه مسلم ما يناقض توحيده ويخرجه من دائرة الإسلام فما عليك إلا أن تبتعد منه إن لم تقدر نصحه أو جره إلى الإسلام أو خفت من شره وأن لا تعامله إن لم تستطع استتابته ثم حكمه بما يستحقه من القتل وهذا هو بالطبع شأن السلطة ليس هذا لآحاد الناس أو أفرادهم.
خصوصاً إن كان الحال الاصرار على ذلك الكفر بعد إقامة الحجة عليه سواء كانت عنده شبهات أو سوء فهم أو تأويل وغير ذلك .
وما عذَّر السلف الصالح الفرق مع ابتداعاتهم الكثيرة في دين الله إلا الاعتبار بمثل هذه الأعذار كالشبهات التي تحتاج أن يزال عنهم أو عندهم مثلاً تأويل أوحاهم الشيطان أو جهل بالاستدلال وإيقاعه في غير موضعه كما حدث للخوارج وقد أزال عنهم كثيراً من هذه الجهالات حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ورجع بثلثيهم إلى جماعة المسلمين. 
هذا , وقد كان يحدث هذا الأمر مع ظهور الأدلة والنصوص الواضحات من الكتاب والسنة إلا الجهمية فلم يعذر لهم السلف ولم يعتبروه من الفرق المبتدعة لكونهم هدموا أو عارضوا نصوصاً صريحة من أساسيات الدين وأصوله .
أما الواقفية وأمثالهم فيلغون أصلاً العذر بالجهل من أصله إلا الميثاق الأول فيقطعون به الحجة أي العهد الذي أخذه الله بذرية آدم وهم في صلب أبيهم آدم, أو يقطعون الحجة بالفطرة فقط, وكأنهم يجهلون الآيات التي قطع الله بها الحجة كذلك لمن أرسل إليهم الرسل كما قال تعالى { {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} } [ النساء: 165 ] 
بل الاقتصار بهذه الثلاثة أيضا باطل , وقد تكلم هذه المسألة الإمام ابن تيمية رحمه الله كما جاء بملخصٍ مفيدٍ جداً في كتابه " المسائل الماردينية" لذلك أنصح أن يقرأوه وغير ذلك من كتبه المفيدة وفتاويه وكذلك كتب تلميذه الإمام ابن القيم رحمها الله كما أنصح أهل الوقف والخوارج والتكفيريين الغلاة أن يدرسوا هذه الكتب وغيرها من كتب السلف ككتب السنة لابن إمام أحمد وكتاب السنة للخلال وكتاب السنة للببربهاري وكتاب السنة لابن شاهين والشريعة للآجري والسنة لابن أبي عاصم وكتاب اللالكائي وكتاب الإبانة لابن بطة سواء كانت الإبانة الصغرى أو الكبرى و غير ذلك كثير من كتب السلف وهكذا عليهم أن يدرسوا كتب أئمة النجد وعلى رأسهم كتب الإمام محمد عبد الوهاب رحمة الله على الجميع , وإنما الجهل هو الذي يجر إلى مثل هذه الآراء المبتدعة والترهات, والله المستعان.
الدرس الثاني: النفس الزكية هنا مقصوده النفس التي لم تقترف ذنباً تستحق أن يعاقب عليها بالقتل ولذلك النفوس تكون زكية بإبراء ذمتها من مقارفة الذنوب التي تبيح قتلها ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ» . رواه مسلم رجمه الله برقم. 1676 
أما قوله تعالى { { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} } هذا عام يشمل جميع الذنوب ابتداءا من التوحيد والعقيدة ومرورا بالكبائر ثم الصغار, وقد تكون الصغائر تتجمع حتى تكون كالكبيرة فلذلك يقال لا صغيرة مع الإصرارة ولا كبيرة مع التوبة .
والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي

 

  • 3
  • 0
  • 2,005

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً