كيف تدير حلقة لتحفيظ القرآن الكريم؟
أحمد بن عبد المحسن العساف
كيف تديرُ حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم؟ حيث سنتحدث عن الإدارة كعلمٍ وفنٍ وممارسةٍ؛ ونحاول إنزال الموضوع على واقع الحلق قدْر الإمكان
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
كيف تدير حلقة لتحفيظ القرآن الكريم؟
الحمد لله رب العالمين؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ وبعد:
فيا أيها الأخوة الأفاضل الأماجد:
أيُ رجالٍ أُحادث الليلة؟
ألستم مَنْ يصدق عليه الحديث الصحيح “ «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ”؟ ألستم من جعل الدنيا دَبْر أذنه وخلف ظهره وسعى بجُهدٍ وجَهدٍ وجهاد لتعليم فلذات الأكباد كتاب الله الكريم؟
بلى! أنتم كذلك نحسبكم والله حسبكم وحسيبكم ولا نزكي على الله أحدا؛ ولذا فلكم من غالبية المجتمع كل الحب والتقدير والمؤازرة والدعاء، فنسأل الله لكم التوفيق والسداد والمباركة في أنفسكم وأهليكم وذراريكم وفي أعمالكم وأعماركم وأموالكم، وجعلنا الله وإياكم من قومٍ مباركين أينما كانوا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر.
أيها الأخوة:
موضوعنا الليلة: كيف تديرُ حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم؟ حيث سنتحدث عن الإدارة كعلمٍ وفنٍ وممارسةٍ؛ ونحاول إنزال الموضوع على واقع الحلق قدْر الإمكان.
فما هو تعريف الإدارة؟
الإدارة هي تحقيق الأهداف من خلال العمليات الإدارية الأربع:
التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة.
المستويات الثلاثة للإدارة:
- الإدارة العُليا: وأكبر مهماتها التخطيط.
- الإدارة الوسطى: ومهمتها الأساسية الإشراف.
- الإدارة الدنيا: وأهم مهماتها التنفيذ.
ولا يعني هذا أن الإدارة العليا لا تمارس التنفيذ وأن الإدارة الدنيا لاتشارك في التخطيط؛ فلكل مستوى مشاركة وعمل حسب المناسب.
الالتزامات الثلاثة للإدارة:
- التزام باختيار العناصر الملائمة لتحقيق النتائج المطلوبة.
- التزام باستخدام هذه العناصر الاستخدام الأمثل.
- التزام بالاستمرارية وتحقيق التوازن بين متطلبات المدى القريب والمدى البعيد.
العمليات الإدارية:
أولاً: التخطيط
- تحديد الأهداف.
- وضع البرامج.
- إعداد الموازنات.
- كتابة الجدول الزمني.
وللتخطيط الاستراتيجي عدة أساليب؛ فمنها:
أسلوب تحليل الأسئلة الحرجة: C. Q. M
ماذا يريد المجتمع من الحلْقة؟
وماذا يريد الطالب منها؟
ماذا نريد نحن من الحلْقة؟
ما هو الموقف الحالي للحلْقة؟ وما نوعية البيئات التي تتعامل معها؟
مالذي يمكن عمله حتى نحقق أهداف الحلْقة بدرجة أكبر؟
أسلوب تحليل البيئة: SWOT
S: مواطن القوة.
W: مواطن الضعف.
ويمثلان البيئة الداخلية للحلْقة.
مثلاً: كثرة المدرسين وتميزهم عامل قوة يجب استثماره.
ومثلاً: قلة عدد المشرفين عامل ضعف يجب علاجه أو مراعاته عند التخطيط.
O: الفرص.
T: المخاطر.
ويمثلان البيئة الخارجية للحلْقة.
مثلاً: بناء جامع كبير في الحي فرصة ينبغي اهتبالها.
ومثلاً: إعادة بناء المسجد يستلزم البحث عن مكان جديد.
ويجب في البداية تحديد رسالة الحلقة ورؤيتها:
فتحديد الرسالة مهم في التخطيط.
مثلاً: نحن حلْقة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه للشباب في مدينة كذا.
والهدف من الرسالة ملاحظة الانحرافات؛ فمثلاً لو صرف مجموعة من الطلاب جهودهم لإصدار مجلة إسلامية للأطفال لقلنا لهم مكانكم! نحن حلْقة تحفيظ ولسنا مؤسسة إعلامية؛ مع تقديرنا للمؤسسات الإعلامية ذات التوجه الطيب، وعلى هذا المثال قس.
ثم تحديد الرؤية لشحذ الهمم.
مثلاً:
تخريج أئمة الحرمين والجوامع الكبرى.
تخريج مدرسين متقنين للحلق.
ثم تحدد الأهداف الاستراتيجية للحلقة؛ فمثلاً:
تخريج حفاظ متقنين من الشباب.
وبعدها توضع الأهداف المرحلية والبرامج العملية لتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية فمثلاً يكون الهدف المرحلي:
تخريج 10 حفاظ خلال سنة. أو:
حفظ 10 أجزاء خلال سنة من قبل 30 حافظاً.
وعند تحديد الأهداف المرحلية ووضع برامجها ينبغي التأكد من تحقق صفات الهدف فيها؛ وهي مجموعة في كلمة:
SMART
حيث تعني S: أن يكون الهدف محدداً؛ فلا تقل هدفنا تعليم الناس الخير لتنوع الخير وكثرته ولكن حدد هدفك بتحفيظ القرآن الكريم.
M: تعني القابلية للقياس؛ فنحدد عدد الأجزاء المطلوب حفظها كل سنة (مثلاً 10 أجزاء من قبل 30 طالباً).
A: يمكن تحقيقه ؛ فلا يكون الهدف مستحيلاً. ويكون هدفاً متفقاً عليه.
R: يكون الهدف واضحاً ؛ واقعياً ؛ مكتوباً ؛ متذكراً. والمعنى أن يكون الهدف غير غامض ويفهمه من يقرأه؛ ويكون واقعياً حسب قدرة الحلْقة؛ ولا يكتفى بحفظه بل يكون مكتوباً ليسهل الرجوع إليه؛ ويكون الهدف حاضراً في الذاكرة بحيث توجه لتحقيقه الأعمال.
T: الوقت والتحدي ؛ ويعني تحديد زمان لتحقيق الوقت لنتمكن من القياس ، فيقال هذه الخطة: سنوية، ثلاثية، خمسية، ويكون الهدف فيه روح التحدي والمثابرة لاستحثاث الهمم، فلا يكون هدفاً سهلاً يستطيعه الضعيف قبل القوي.
تنقسم الأهداف إلى أهداف استراتيجية بعيدة المدى وهذه قد يستحيل التنازل عنها؛ وأهداف تكتيكية مرحلية قصيرة المدى ويمكن تغييرها حسب الأحوال. ويجب أن تتناسب هذه الأهداف مع الأهداف الكبرى التي يقوم عليها العمل مثل: إعداد وتربية جيل قرآني؛ تقويم سلوك الشباب وحمايتهم من الانحراف؛ … الخ، ثم ترتب الأهداف حسب الأولويات؛ ويعتنى بأهمها.
ثانياً: التنظيم:
- رسم هيكل التنظيم الإداري. انظر الشكل الملحق.
- التوصيف الوظيفي: ليعرف كل عامل مهمته وواجباته وسلطاته ومعايير تقييمه ومرجعيته الإدارية.
- اختيار الأشخاص المناسبين لكل مهمة وتكون البداية بإسناد المهمة الأيسر للموظف الأقل خبرة.
- تحديد العلاقات بين المسؤولين.
رسم الهيكل التنظيمي يكون قبل توزيع المهام.
عند توزيع المهام نبدأ بالمهمة الأيسر لتبقى المهمة الكبيرة للرجل المميز.
توصيف الوظائف مهم جداً؛ وعليه ينبني تحديد المسؤوليات والسلطات والصلاحيات.
لابد من تسمية نائب للمشرف على الحلْقة من أحد المساعدين الثلاثة؛ وينبغي أن يتولى هذا المساعد جميع وظائف المساعدين ليطلع على سير العمل من جميع جوانبه فيسهل عليه تصوره مستقبلا عندما يصير المشرف العام؛ وهدف آخر يتمثل في صرف تركيزه على جانب واحد فقط إذا تولى الإشراف العام لأن هذا الجانب هو المعروف لديه بدقة وباقي الجوانب مجهولة.
من خلال الهيكل يتألف فريق عمل ناجح ومؤثر؛ ولفريق العمل الناجح سمات ولكل سمة درجة ومن خلال مجموع الدرجات تتحدد فعالية الفريق من عدمه؛ لكننا نكتفي بالصفات المجموعة في قولنا:
MAGIC
M: تعني المهمة والرؤية المشتركة للفريق ؛ بحيث يحمل أعضاء الفريق هماً واحداً.
A: القبول للعمل وللعضوية وللزملاء.
G: القواعد العامة ؛ مثل التصويت والاجتماعات إلخ…
I: المصداقية والموثوقية.
C: الالتزام بما يتفق عليه ؛ فيذوب رأي الفرد في اتفاق المجموع.
ويؤكد الإداريون على أن يشمل كل فريق ثلاثة أنواع من الناس هي: القيادي المتفرد والتحليلي والإبداعي ويلاحظ غياب العاطفي إذ لا حاجة له غالباً.
ويقولون: إذا كنت أنت ومديرك دائماً على رأي واحد فأحدكما لا داعي له. وهذه ليست دعوة للمخالفة من أجل المخالفة؛ ولكنها دعوة لإبداء الرأي الذي نعتقده بصراحة مؤدبة.
ونحن نرفض أسلوب: وافق أو نافق أو فارق.
ثالثاً: التوجيه:
- التحفيز والدعم: ويشمل التحفيز الجانب الإنساني والتدريب والمشاركة.
- القيادة.
- الاتصال.
- توفير المعلومات: ويجب أن يكون تدفق المعلومات انسيابيا ومن سياسات المؤسسة.
يعد الفشل في الاتصال وباء الإدارة المعاصرة.
من أساليب القيادة أسلوب التوجيه والدعم؛ بحيث يزداد التوجيه لمن لا يملك الخبرة؛ ويزداد الدعم لمن ضعفت حماسته؛ أما من كانت خبرته وحماسته عالية فيفوض مباشرة.
رابعاً: الرقابة:
- تحديد المعايير الرقابية.
- قياس الأداء.
- تشخيص المشكلات.
- اتخاذ القرارات.
سياسات مهمة:
- لتكن الأهداف والرؤية والرسالة واضحة معروفة وحاضرة في الأذهان.
- لتكن المسؤوليات والصلاحيات واضحة غير متشابكة.
- التدريب استثمار لا يترك والتفويض قرينه الذي لا ينفك.
- مراقبة البيئة ومتابعة المستجدات في مجال الحلْق.
- استخدام التقنيات الجديدة إن في الحفظ والمراجعة أو في المتابعة والتقارير.
- لا بد من مراقبة الانحرافات عن الأهداف والرسالة وتعديل المسار حالاً.
- الاستفادة من تجارب الحلق الأخرى.
- التجديد والإبداع مطلب ملح.
- التواصل المستمر مع أولياء الأمور بالتقارير وعرض الأنشطة.
- الاتصال المستمر مع مَنْ يدعم الحلْقة وإبراز الإنجازات.
- لابد من التعاون المثمر مع الجمعية وفروعها.
- ضرورة الضبط التربوي والإداري والمالي.
- إيجاد مناخ عمل آمن ملائم مناسب.
- العناية بالجوانب الإعلامية من حيث إعداد الملاحق الصحفية والبرامج المسموعة والمرئية.
- الاستفادة من العالم الموازي: الانترنت.
- أهمية عمليات المراجعة المستمرة والتقويم الفصلي لعمل الحلْقة.
- قد يحسن تأليف مجلس إشرافي على الحلقة يضم إمام المسجد وعلماء ووجهاء الحي وأهم المتبرعين إضافة للمشرف العام.
- يجب اعتماد فلسفة الوفرة والابتعاد عن فلسفة الندرة؛ فبدلاً عن المسجد يوجد ألف مسجد، وغير المدرس الفلاني يوجد مئات المدرسين وهكذا.
- يقع على عاتق مشرف الحلقة والعاملين معه أمانة المحافظة على الشباب من الانحراف وحماية الحلق من الاختراق حتى لا تكون مكاناً لنشر أي فكر أفسده غلو أو جفاء.
وأخيراً:
فهذه أسباب والتوفيق من عند الله سبحانه؛ فأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يريكم ثمار غراسكم الطيب في الدنيا مع ما يدخره لكم في الآخرة من المثوبة وحُسن العاقبة؛ والسلام عليكم.
أحمد بن عبد المحسن العساف – الرياض.
مدونة أحمد بن عبد المحسن العساف