مرتكزات إيرانية في التعامل مع العرب
أحمد بن عبد المحسن العساف
وتنبع أهمية الموضوع من ارتباطه الوثيق بالأمن الخليجي والعربي، وتزداد قيمته مع التغلغل الإيراني العسكري والدعوي في عدة بلاد
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أولى الناس بالكتابة في موضوع ما هم الأقرب إليه، والأكثر تعاطياً معه، والذين يحتمل أن ينالهم خيره، أو يصيبهم شره، أكثر من غيرهم؛ دون حجب هذا الحق عن أي أحد بالطبع. وحتى تكون الكتابة نافعة؛ فلا بد لها من منهج بحثي رصين، وأمانة علمية صارمة، وجهد لا يستكين، ومتابعة إثر متابعة؛ حتى يكون الباحث على إلمام كامل بالموضوع الذي يدرسه، وبمستجداته؛ خاصة تلك التي تتقلب كرمال الصحراء، وتتلاطم كأمواج البحر، وأصدق ما يكون ذلك في الموضوعات السياسية.
وأستعرض اليوم دراسة عنوانها: تحليل إستراتيجي للسياسات الإيرانية في المنطقة العربية، أعدها الباحث أنس بن صالح القزلان، وهي رسالة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم الإستراتيجية من جامعة نايف للعلوم الأمنية بالرياض، عام 1436 =2015 م.
تتكون الدراسة من خمسة فصول وخاتمة، ثم قائمة بالمراجع والملاحق التي تحوي جداول وخرائط، وجعل المؤلف المقدمة ضمن الفصل الأول؛ وحقها أن تفرد كالمتبع، وأهدى بحثه المكون من (252) صفحة إلى والدته، وما أجمل البر والعلم إذا اجتمعا. علماً أن النسخة التي اطلعت عليها إلكترونية، وعسى أن يتدارك المؤلف بعض الملحوظات النحوية، والصياغية، والطباعية، إذا أراد نشرها ورقياً.
عنوان الفصل الأول: مشكلة الدراسة وأبعادها، والتساؤل الرئيسي لهذه الدراسة هو: ما هو المرتكز الإستراتيجي للسياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية ؟ وماذا عن الاستثمار المذهبي من قبل إيران؟ وما نتيجة تطور العلاقات الإيرانية الأمريكية على هذه المرتكزات ؟
وتنبع أهمية الموضوع من ارتباطه الوثيق بالأمن الخليجي والعربي، وتزداد قيمته مع التغلغل الإيراني العسكري والدعوي في عدة بلاد؛ إضافة إلى احتلال العراق، وأحداث الربيع العربي، والتطور العلني لمسار العلاقات الإيرانية الأمريكية، والصعود النووي الإيراني.
وتأمل هذه الدراسة أن تساعد بوضع تصور مبدئي عن كيفية التعامل مع السياسة الإيرانية وفق هذه المتغيرات، إضافة إلى حث الدول العربية على وضع إستراتيجية موحدة للتصدي للمشروع الإيراني، وتحفيز الباحثين إلى إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من بحث ومناقشة. وتنحصر دراسة القزلان في الفترة الزمنية الواقعة بين عامي (2002-2014م )، وهي فترة زمنية ملتهبة؛ بل وتزداد التهاباً. وقد حدد الباحث مصطلحات البحث كالولي الفقيه، والقومية، والطائفية، والإستراتيجية، والجيوسياسي، وعرفها؛ ثم بين المعنى الدقيق لاستخدامه لها.
منهج الدراسة هو عنوان الفصل الثاني، وأستعرض الباحث فيه الدراسات السابقة عليه، وتحدث عن مميزاتها وما يمكن أن يؤخذ عليها، كما بين أوجه الاتفاق والاختلاف بين بحثه وبين الدراسات التي حصرها، وقسمها إلى:
دراسات تناولت تهديد الأمن القومي العربي.
دراسات تناولت علاقات إيران الإقليمية والدولية ومنها العلاقات الصهيونية الإيرانية.
دراسات تناولت السياسة الإيرانية الإقليمية والدولية.
والدراسات المحصورة قليلة العدد، ولاتوازي حيوية الموضوع، وكثرة متغيراته، وعظم أثره القريب والبعيد على منطقتنا، ولعل الكاتب اقتصر على أهم ما وقع عليه من دراسات، وإلا فالموجود أكثر من المحصور حتماً، وبعضه له أهميته، ولبعض الدارسين العرب عناية خاصة بالشأن الإيراني. واستخدم الباحث في عمله المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي والتحليلي، ومن أدواته المقابلة الشخصية، وتحليل مضمون الوثائق، والسيناريو المحتمل، والملاحظة.
الفصل الثالث يحمل عنواناً مهماً وهو: المرتكزات الأساسية للسياسة الإيرانية في المنطقة العربية، ويمثل مع الفصل الرابع أهم فصول الكتاب. والمرتكزات الأساسية هي:
المرتكز التاريخي والقومي: تحدث القزلان فيه عن العلاقة بين العرب والفرس قبل الإسلام وبعده، وخلال مراحل الخلافة الإسلامية، وفي العهد العثماني، وفي الحقبة البهلوية، ومن أبرز الأحداث المتأخرة نوعاً ما قيام الدولة الصفوية، واحتلال الأحواز، ثم احتلال جزر الإمارات، وأبان الباحث من نقولاته عن بعض مثقفي الفرس مقدار الحقد على العرب، واحتقار ثقافتهم وما يمت إليهم بصلة.
المرتكز المذهبي والطائفي: وعرف من خلاله بالمذهب الشيعي وتطوراته حتى الثورة، وما سبقها من دعوة الخميني لولاية الفقيه، التي كسرت السلبية السياسية لدى الإمامية بعد غياب إمامهم الثاني عشر، ولهذا المرتكز المهم غياب لدى بعض الباحثين، أو أن حضوره باهت لا يوازي حجمه الحقيقي.
مرتكز الإرادة السياسية والقوة العسكرية: وتطرق خلاله للنظام السياسي الإيراني، ومركزية المرشد الولي الفقيه فيه. وقد سبق لي استعراض كتاب عن القوى السياسية في إيران ومسارات صنع القرار فيها، ويمكن الرجوع إلى المقالة تجنباً للتكرار. كما درس القوة العسكرية لإيران، وعرض جميع المكونات العسكرية الإيرانية، كما تطرق للموازنة الدفاعية الإيرانية وتكاليف شراء الأسلحة، وبناء الترسانة العسكرية، والانفاق الدفاعي المرتفع والمتزايد عبر السنوات، مع تفصيل لعدد القوات بكافة فروعها، وفصل القول في كل قوة إيرانية، ومدى صدق ما يشاع عنها، وكيف يمكن لدول الخليج أن تتعامل معها، وأشار على وجه الخصوص إلى تخلف سلاح الجو الإيراني قياساً بمحيطه العربي.
عنوان الفصل الرابع: توجهات السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، حيث تبنى العلاقة الإيرانية مع المحيط العربي على أسس مهمة، فهي في غالبها أنظمة غير إسلامية من وجهة النظر الإيرانية، وبعضها وراثية الطابع وهو مالا تقبله الثورة الإيرانية، ولأكثرها مظالم تجاه شعوبها وخاصة إن وجد فيهم مواطنون شيعة، وأخيراً فإيران تروج بأن هذه الأنظمة عميلة للشيطان الأكبر أمريكا، ومهادنة لأسرائيل، وبالتالي فهذه الأنظمة في مرمى النيران الإيرانية، مع أن إيران في حقيقتها غارقة في كثير مما تتهم به غيرها؛ فضلاً عن غياب الموضوعية في نظرتها لجيرانها من العرب؛ بيد أن صوتهم أعلى، مع أن انفاقنا على الإعلام أضخم! وهو إنفاق لايوازي ضآلة أثره؛ بل تحكي بعض قنواتنا عن قيادات الأذرعة الإيرانية المعادية لنا بلغة حسنة مفخمة!
ويقسم الباحث النظر في التعامل الإيراني مع الإقليم العربي إلى أربعة مراحل:
الأولى: منذ الثورة وحتى عام 1989م، حيث كانت إيران منشغلة بتنظيم دولة ما بعد الثورة، وبالحرب مع العراق، والعلاقات مع العرب يشوبها العداء بسبب اصطفافهم مع العراق، وحاولت إيران خلال هذه الفترة استثمار القدس كرافعة لدى الشعوب العربية.
الثانية: منذ عام 1990م وحتى عام 2002م، وخلالها استثمرت إيران “الحياد الظاهري” في حرب الخليج الثانية، وفي العداون الأمريكي على أفغانستان، وكانت حقبة رفسنجاني وخاتمي ترنو للبناء وتحسين العلاقات مع المحيط العربي؛ وإن نغصها السلوك الإيراني في موسم الحج أحياناً.
الثالثة: من عام 2003م حتى 2005 م، وأبرز ما فيها التعاون الإيراني في احتلال العراق من قبل أمريكا، والقضاء على حكم البعث، وإحلال بديل شيعي مكانه، وفي هذه المرحلة بدأ الإعلان عن البرنامج النووي الإيراني.
الرابعة: منذ عام 2006 م، وفيها عززت إيران نفوذها في لبنان وسورية وغزة-التي تخلى عنها العرب السنة-، وكذلك طالت اليد الإيرانية لتدخل إلى الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وتحديداً في البحرين واليمن. وأبطلت السعودية ودول الخليج تدخل إيران في البحرين، وغضت الطرف عما يجري في اليمن؛ فكانت النتيجة سيطرة الحوثيين على صنعاء، وصيرورتهم شوكة في خاصرة جنوب الجزيرة العربية!
ولإيران تداخل واسع مع القضية الفلسطينية ومفاوضات “السلام”، كما كان لها حضور كبير في العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، حتى فاخر بهذه العلاقة المريبة مع الشيطان الأكبر عدد من ملالي إيران؛ وهم الذين ما فتئوا يخدرون الشعوب بالشعارات الجوفاء.
وقارن الباحث بمهارة بين الموقف المعلن والموقف الحقيقي لإيران من احتلال العراق، وما جنته إيران من فوائد، وعلى رأسها تدمير قوة العراق، وإنهاء النظام البعثي المعادي، والتمكين لشيعة العراق؛ وإن كانت نسبتهم الحقيقية أقل مما ذكرها الباحث الكريم، والملاحظ أن نسب الشيعة التي ذكرها في العراق والبحرين تحديداً لم تكن دقيقة.
كما تحدث القزلان عن الموقف الإيراني من حرب تموز بين حزب الله وإسرائيل، حيث حرصت إيران على كسب المواقف دون أن تتورط بموقف ثوري يفقدها توازنها، ولذا كانت دولة براجماتية في هذه الحرب، ولا يختلف تصرفها كثيراً عن موقفها تجاه حرب غزة عام 2008م، وإن قدمت بعض المساعدات المادية المحدودة، إلا أن جهدها كان إعلامياً ودبلوماسياً، وأشبه ما يكون بكسب مواقف الجماهير فقط.
وبسط الباحث القول في العلاقة الإستراتيجية بين إيران وسورية، وهي علاقة مواقف معلنة، وتوافق اعتقادي، ومصالح مشتركة، وإن كان الموقف القومي السوري يستلزم من ناحية منطقية ألا تتناغم دمشق مع طهران التي تحتل عدة بلدان عربية! ولإيران مركز قوي داخل سورية، وسبق لي الكتابة عن التوغل الإيراني في سورية بمقالة عنوانها شام بني أمية يتشيع!
ثم توقف الكاتب عند احتلال إيران لجزر الإمارات، وهو احتلال ترفض إيران مناقشته مع أي أحد، وتأبى إحالته لمحكمة دولية، علماً أن هذه الجزر تقع قريباً من مضيق هرمز؛ أحد أهم المعابر المائية في العالم .وأسهب المؤلف في ذكر تاريخ هذه الجزر، ومواقف الأطراف المعنية من قضيتها، ومستقبلها المتوقع، وملخصه أن هذه الجزر ستكون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت مالم يتحكم أطراف النزاع في الموقف، ويتوصلوا إلى تسوية مرضية، خاصة مع متانة العلاقات الاقتصادية بين إيران والإمارات.
وتطرق القزلان للتمدد الشيعي في البلاد العربية، وعلاقة إيران بالمكون الشيعي العربي خاصة في دول الخليج الذين تبلغ نسبتهم حسب القزلان 12 %-وهي نسبة لايقبلها شيعة المنطقة-. ويختلف الموقف الإيراني تجاه شيعة كل دولة، فبينما لهم علاقة وثيقة بشيعة البحرين لدرجة تبني إيران لقضيتهم علناً، نراها متوارية إلى حد ما بخصوص شيعة السعودية الذين هللوا للثورة الإيرانية، وابتهجوا بسقوط النظام العراقي وحلول حكم شيعي بدلاً منه، وإن كان على ظهر دبابات أمريكا التي يكرهونها علانية!
وفيما يخص شيعة الكويت فوضعهم الاقتصادي والإعلامي والسياسي أفضل من غيرهم، وكانت إيران في مستهل الثورة سبباً في بعض أعمال التخريب ومحاولات الاغتيال التي نفذها الشيعة هناك، لكنها حالياً تلزم الصمت والمراقبة عن بعد، وعندي أن وضع شيعة الكويت أخطر من وضع شيعة البحرين، بيد أنهم لم يظهروا للسطح علناً بقوتهم الحقيقة، وربما لو واتتهم الفرصة لتفاجأنا جميعا من قوتهم واستعدادهم!
وأما شيعة عمان فيتمتعون بوضع اقتصادي ممتاز، ونظراً لعلاقة مسقط الحسنة جداً مع طهران، فليس هناك إشكال ظاهر لدى شيعتها، وختم المؤلف بالحديث عن شيعة قطر والإمارات، حيث لا يوجد لهم نشاط سياسي، وإن كان لهم حظ وافر من الاقتصاد. وملخص رأي الباحث في شيعة الخليج أنهم نسيج متشابه، وأعراقهم عربية وفارسية وهندية، وتمثل إيران قبلتهم الروحية، مع اختلاف درجات الاستقطاب فيما بينهم، فالبحرين هم الأعلى، وشيعة عمان هم الأقل.
عرج المؤلف بعد ذلك على علاقة إيران بشيعة سورية ولبنان، وعلاقتهم مع الحركة الحوثية في اليمن، ثم تحدث عن إيران وشيعة العراق. ومن أهم المواضع في هذا الفصل على اختصارها حديثه عن علائق إيران بالتشيع في مصر والأردن والسودان، وما ألمح إليه من أن إيران تمددت مستثمرة تضييق الحكومة الأمريكية على العمل الإسلامي السني خاصة بعد أحداث سبتمبر.
ولم يغفل الباحث عن الملف النووي الإيراني، وتاريخه ومواقعه ومكوناته، وأهدافه وموقف العرب منه، وهو موقف توجسي لا غرابة فيه، ووضع المؤلف أكثر من سيناريو متوقع لهذا الملف، والله يحمي بلاده وعباده، وربما يحتاج الباحث لتطوير هذا الجزء بعد توقيع الاتفاق النووي، وما سينجم عنه.
ثم بحث نظرة إيران وأحزابها إلى الربيع العربي وخاصة في تونس ومصر، ولا أدري ما سبب إغفاله الحديث عن نظرة إيران للأحداث في سورية واليمن والبحرين إلا إن اكتفى بالاستعراض السابق للوضع فيها، وختم الفصل بالحديث عن العلاقات الأمريكية الإيرانية، واتكأ على كتاب التحالف الغادر لتريتا بارسي، وهو كتاب جدير بالإطلاع والقراءة، وإن كان البحث يقتضي الإطلاع على غيره من أبحاث ووثائق.
ودرس فرص اقتسام السلطة في منطقة الخليج بين الأمريكان والإيرانيين، هذه الفرصة التي عززتها الحروب الأمريكية في الجوار الإيراني، والتغير في البيت الأبيض من إدارة بوش إلى إدارة أوباما؛ وهو أقل تصلباً تجاه إيران، وأكثر استعداداً للتنازل؛ خاصة مع تنامي القوة الإيرانية؛ بحيث أصبحت خياراً وحيداً لامناص منه حسب المصلحة الأمريكية؛ لضبط أمن المنطقة. وذكر الباحث أن إدارتي بوش وأوباما لا تختلفان في التعاطي مع إيران، وفي النظر إليها، وإنما الاختلاف الكبير في جهر الإدارة الثانية برأيها، وإعلانها لموقفها، بينما كانت الأولى تعمل سراً، وهذا هو الفرق فقط!
وتعرض الكاتب للعلاقات الإيرانية الإسرائيلية، ونقل تصريحات كثيرة، وتحليلات عدة، مجملها يثبت أن العداء العلني بينهما، والتصريحات النارية، إنما هي للاستهلاك الشعبي، وتسويق إيران كمدافعة عن المسلمين والقدس، وفي الحقيقة فما بين البلدين هو صراع مصالح، وليس عداء من الدرجة الأولى ولا حتى الثانية، ومصدر القلق الإسرائيلي من إيران يعود لأشياء تتميز بها إيران عن جيرانها العرب، وهي القاعدة الأيديولوجية، والسلاح النووي، والموقع الاستراتيجي، والتنوع الاقتصادي.
ولم تجد البلاد العربية السنية راحة للتقاري الأمريكي الإيراني عبر الحوار والمفاوضات، وخشيت أن ينجم عنه تسليم أمن المنطقة لإيران، أو إطلاق يدها للتدخل في دول المنطقة وشعوبها، وثالثة الأثافي ما قد ينجم عن الأمرين أو عن أحدهما من تهديد إيراني مباشر للأنظمة العربية، خاصة مع وجود خلافات عميقة بينها وبين طهران على عدة صعد، وما لم يشر إليه الباحث أن الابتعاد الأمريكي عن المنطقة قد يدفع الدول العربية للبحث عن حليف آخر؛ وبعض الحلفاء المحتملين يحرجون شرعية هذه الدول.
والخلاصة أن السياسة الإيرانية في المنطقة موضوع شائك ومتغير باستمرار، وتتدخل فيه عدة عوامل ودول، كالدول الغربية وإسرائيل وتركيا، والمسائل الطائفية والاقتصادية، فضلاً عن وضع الدول العربية وما تعانيه من قلاقل داخلية أو مظالم، وخلافات بينية أو صراع، وغياب أي رؤية موحدة للتعامل مع إيران حتى داخل المجموعات الأكثر تجانساً كدول الخليج مثلاً، إضافة إلى ما يجيده الفرس من ازداوجية المواقف، وتبادل المواقع، وتداخل التوجهات؛ حتى لا تكاد أن تجد إصلاحياً صرفاً، ولا معتدلاً في كل القضايا، ولا متشدداً في كل شيء.
الفصل الخامس يحمل عنوان: التصور الإستراتيجي ونتائج وتوصيات الدراسة، وذكر الباحث أن إيران تعاني من ثلاث مشكلات هي: الصراع داخل أركان الثورة، وصراع الدين والدولة، ومشكلة العرقيات والطوائف والأديان، وتعد هذه المشكلات بوابات مشرعة لإضعاف إيران، ومواضع قابلة للاستثمار من مناوئي إيران، وهو الأمر المفقود فعلياً، إذا لايوجد مشروع لخصوم إيران، بخلاف إيران التي لديها مشروع واضح ومتماسك في البلدان المجاورة لها وغير المجاورة.
ثم أدرج المؤلف نتائج دراسته المبثوثة في فصول الكتاب، وملخصها أن إيران تنظر لجيرانها من وجهة نظر عنصرية استعلائية، وأن السياسة الإيرانية في المنطقة ترتكز على عوامل حضارية وطائفية واقتصادية وعسكرية وسياسية، وتستميت إيران في استثمار شيعة العرب وجعلهم وقوداً لمشروعها، أو عامل إثارة قلاقل، أو حتى ورقة ضغط، ولذا فإيران مستمرة في تقوية علاقتها بالأحزاب الشيعية، ومجموعات المعارضة المحلية.
وأوصى المؤلف الدول العربية ببناء مشروعها الخاص لمقاومة المد الإيراني، والتسامي على عوامل الفرقة والشقاق البيني، وإشاعة العدل في شعوبها كي لايكون منهم طابوراً خامساً، والعمل الدبلوماسي والخيري المزاحم للحضور الإيراني، ومن أول توصياته وأولاها فهم المنطق الإيراني ودوافعه ومرتكزاته، وهذا لايكون بغير استيعاب حضارة الفرس، ومعتقدات الشيعة، وأدبيات الثورة، وختم التوصيات بفكرة جميلة؛ وهي اقتراحه بعض الموضوعات الجديرة بالبحث في ذات الموضوع؛ وهذه خدمة مباركة من القزلان لمن يجيء بعده.
وأظن أن الموضوع الإيراني سيظل متصاعد الأهمية خلال الفترة القادمة، وينبغي على دول المنطقة تكوين إدارات خاصة معنية بإيران في وزارات الخارجية والمخابرات، وتعزيز مراكز البحث الجامعية والمخابراتية المختصة بإيران. كما يجب على هذه الدول بناء تحالفات جديدة إسلامية ودولية لمواجهة أي غدر فارسي أمريكي محتمل، والأهم من ذلك تقوية جبهتها الداخلية مادياً بالعدد والعتاد، ومعنوياً بإشاعة العدل، ورفع المظالم؛ حتى يتماسك نسيج المجتمع، ولا يخترق، ولا يسوده التذمر ومرير الشكوى.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
مدونة أحمد بن عبد المحسن العسَّاف