نقد أفكار سعيد فودة
سعيد فودة متكلم أشعري، يكثر من الرد على المخالفين للفكر الأشعري. وهذا يتضمن كثرة المخالفين لهذا الفكر، على الرغم من دعواهم أن غالبية الأمة من الأشاعرة. كما أنه يعتبر إبن تيمية العدو الأول للأشاعرة
سعيد فودة متكلم أشعري، يكثر من الرد على المخالفين للفكر الأشعري. وهذا يتضمن كثرة المخالفين لهذا الفكر، على الرغم من دعواهم أن غالبية الأمة من الأشاعرة. كما أنه يعتبر إبن تيمية العدو الأول للأشاعرة. لهذا فهو يكثر من انتقاد كتبه، ويعتبر أن كل ما فيها باطل. قال في نقض التدمرية ص 6: (وأما عندنا فما كتبَه واضح في مذهب الضلال، ونص صريح في نصرة مذاهب المجسمة والكرامية المبتدعة). هنا يعتقد مسبقاً أن مذهب إبن تيمية هو مذهب الضلال، ثم يريد البرهنة على ذلك. النقد الصحيح يكون بعرض الفكرة للنقد، دون فرضيات مسبقة. ولم يقتصر الأمر عليه، فقد قال أن علماء الأشعرية السابقين ناظروا إبن تيمية، وبينوا أنه لا دليل له على ما يقول. وإذا كان الأمر كذلك فما الحاجة إلى هذا النقد؟ وهل ما فعله علماء الأشاعرة كان ناقصاً وأنت تكمله مثلاً؟
هذا الرجل مصاب بمرض الإسقاط، فهو يتهم الناس بما يفعله هو نفسه. وقد فعل ذلك مع ابن تيمية كثيراً. يقول في مقدمة الطبعة الثانية، ص 5: (حاولوا التشنيع علينا اعتماداً على بعض الألفاظ استلوها من مواضعها، ومنحوها معاني كاذبة لم نقصد إليها. وقد كان ذلك سهلاً عليهم بعد تحريف الكلم عن مواضعه، وسرقة بعض العبارات من سياقاتها). وهذا نفس ما فعله في كتبه التي ينتقد فيها إبن تيمية.
كما أنه يتصف بسلاطة اللسان، ولعله اكتسبها من الكوثري والسبكي، وغيرهم ممن سبقوه. قال ص 125 عن أتباع إبن تيمية: (وأما أصحابه وأتباعه فهم أضيع من العدل عند هيئة الأمم، وأجهل من البهائم إذا سئلت عن الثقوب السوداء).
علم الاصول مستورد
حتى يحفظ كرامة المنطق القديم، عمد فودة إلى ربطه بأصول الفقه، فما كان منه إلا أن جرد الأصول من خصوصيته التي اختصت بها هذه الأمة. قال في كتاب تدعيم المنطق ص 15 أن علم الأصول مبني على علم المنطق.
لكن علم المنطق يوناني الأصل
إذن علم الأصول مبني على أصول يونانية.
يعني حتى علم الأصول مستورد! مع أنه صنعة محلية خالصة. ولا يقال هنا أن المنطق يشتمل على قوانين فكر عامة، لأن أصول الفقه من إبداع الأمة الإسلامية، ولم ينشأ بناء على المنطق.
اضطراب مفهوم العقل
فودة لا يزال يفكر بطريقة علم الكلام والفلسفة القديمة، من حيث أن قوى الإدراك هي الحس والوهم والعقل. قال في نفض التدمرية ص 20: (المدرك بالحس ليس عين الوجود الخارجي بل آثاره، وأما هو فمدرك بالعقل بالضرورة). الحس أي الحواس، وهي مجرد ناقل للمعلومات أو الإشارات، والذي يدرك هو العقل، سواء كان المدرك هو الشيء أو آثاره. كل شيء تجري معالجته في العقل، وهو الذي يحكم. وقال في ص 129: (الوهم إنما يتعامل مع صور المحسوسات. ولو تعامل مع المجردات والمفاهيم العقلية، فإنه قبل إدخالها في حظيرته يصورها ويشكلها بصورة المحسوسات). الوهم ليس قوة إدراك، ولكنه من أخطاء التفكير، وكل شيء يتم معالجته في العقل.
مخالفة فودة للمنطق
كعادته يتهم سعيد فودة أعداءه بالمصادرة على المطلوب والتناقض، وهو يقع فيه. في المصادرة على المطلوب تكون النتيجة ليست مغايرة للمقدمات، فلا يحصل علم زائد عليها. والتناقض هو تلازم بين قضيتين يوجب صدق إحداهما وكذب الأخرى. وقد وقع فودة في شيء من هذا.
نقض الرسالة التدمرية يعني هدمها وإبطالها، وهذا يتضمن أن كل ما قاله إبن تيمية فيها فهو باطل. كل ذلك هو بالنسبة لفكر أهل الحق، وهم الأشاعرة: (وأما علماؤنا من أهل الحق) ص 11. وابن تيمية: (دعا الناس إلى رايه من غير وجه حق) ص 6.
إذن التدمرية منقوضة بالكامل، لأنها تخالف أهل الحق. وابن تيمية على باطل لأنه يخالف أهل الحق. وهذا مصادرة على المطلوب، فالذي على باطل يخالف أهل الحق.
يقول حول تنزيه الله تعالى: (علماؤنا من أهل الحق يصفون الله تعالى بالصفات الكمالية، وينزهون الله عن كل نقص) ص 11. ينزهون الله عن كل نقص، لأنهم يصفون الله بالكمال. النتيجة هي نفس المقدمة لكن بصورة أخرى، فالكامل غير ناقص.
ومع أنه نقض التدمرية بالكامل، إلا أنه يعترف بأن بعض ما جاء فيها حق: (وهذا الكلام الذي يقوله إبن تيمية هنا صحيح) ص 140. وهذا تناقض واضح.
ومن تناقضاته أنه يقول ص 145: (إبن تيمية لا يُعتمد عليه لا في نقل مذهب، ولا في الرد عليه). مع أنه يقول ص 38: (إبن تيمية كان عارفاً بمذهبه وبمذاهب خصومه، مميزاً لمواضع الاتفاق ومواضع الاختلاف).
وقال ص 38: (وأما الحكم على الرجل بالتناقض، فهو لا يتأتى لنا ولا يصح). وفي ص 37: (لكني قلت في غير موضع إن كلام إبن تيمية لا يتناقض لأنه مطرد مع مذهبه). ثم يقول ص 34: (وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يحق لابن تيمية إلزامهم بهذا اللازم البين التناقض والبطلان).
يتهم فودة إبن تيمية بقياس الغائب على الشاهد: (أصل القول بأنه يوجد قدر مشترك، إنما قلت به لأنك قست الغائب على الشاهد، وهذا محض تهافت) ص 130. غير أنه لا يفلت من هذا القياس، فيقول عن صفات المعاني ص 23: (أن طريقة اثباتها هي النظر العقلي، فإننا ننظر في العالم ونلاحظ افتقاره من جهة حدوثه وإمكانه، فنقول إن المفتقر محتاج إلى موجد قدير، فيلزم كون الله تعالى قديراً. ولا ننظر بعد ذلك في حقيقة هذه القدرة، لأن المقدمات اللازمة لهذا النظر غير حاصلة لنا). ولكن من أين عرفت بالموجد القدير الذي يحتاجه المفتقر؟ أليس من الإنسان الذي يتصف بالوجود والقدرة؟
المراجع
- نقض الرسالة التدمرية، سعيد فودة، دار الرازي، 2004 م.
- تدعيم المنطق، سعيد فودة، دار البيروني، 2010 مـ.
- التصنيف: