رجال الشام وفضح النظام النصيري
منذ 2011-07-14
سنة الله في الظالمين والطغاة معلومة، ولن تجد لسنة تبديلاً ولا تحويلاً، فمصيرهم وإن طال بقاؤهم إلى مزبلة التاريخ، فلم يستفيدوا من طول عمرهم، وسنين حياتهم النكدة، إلا مزيدًا من الآثام، وبعدًا عن الله، وبغضًا وكرهًا في قلوب شعوبهم...
سنة الله في الظالمين والطغاة معلومة، ولن تجد لسنة تبديلاً ولا تحويلاً، فمصيرهم وإن طال بقاؤهم إلى مزبلة التاريخ، فلم يستفيدوا من طول عمرهم، وسنين حياتهم النكدة، إلا مزيدًا من الآثام، وبعدًا عن الله، وبغضًا وكرهًا في قلوب شعوبهم، وتواطأ الألسنة على سبهم كل ما حل ذكرهم، وأي ظلم أعظم مما فعله النظام النصيري قديمًا وحديثًا بشعبه..
فمذبحة حماة سنة1982م، أعظم مجزرة سُجلت على استحياء ومن طرفٍ خفي في التاريخ، لم نسمع بأعظم منها إلا ما فعله التتار في بغداد، والنصارى في البوسنة والهرسك، غير أن الفرق بينهما جليًا!
فالتتر والمغول والنصارى سلمت منهم شعوبهم، أم هذا النظام النصيري فتجرد من إنسانيته فصب جام غضبه على شعبه فدك حماة واستباح أرضها وأراق دم علمائها وأبنائها واغتصب من نسائها ونهب ثرواتها وتفنن بأبشع فنون الإجرام فيها!
سلم منهم الصهاينة الذين اغتصبوا الجولان منهم، بل باعوها إليهم بثمنٍ بخسٍ، ولم يسلم منهم شعبهم، لقد عاثوا في أرض الشام فسادًا، أرض الشام التي صحت في فضلها عمومًا وفي فضل أهلها خصوصًا أحاديث رواها غير واحد من أهل العلم كالحافظ أبي الحسن الربعي والحافظ أبي سعد السمعاني والحافظ ابن عبدالهادي المقدسي -رحمهم الله تعالى-.
أكثر من أربعة عقود عجاف، وأهل السنة يئنون تحت وطأة النظام النصيري، حارب السنة، ونشر الفساد والبدعة، وقمع العلماء ونفاهم، واعتقل الدعاة وصفاهم، حتى النساء لم يسلمن من إجرامهم، فهذه (بنان) طوردت خارج سوريا وتم تصفيتها في مدينة آخن الألمانية في 11/5/1401 هـ وتحديدًا يوم الخميس يوافق 17/3/1981م، لم ينس التاريخ بنان الطاهرة بنت الشيخ الأديب على الطنطاوي -رحمة الله عليه وعليها-، ولم ولن أجد تعبيرًا أشد من تعبير والدها القائل في ذكرياته:
ابنتي بنان -رحمها الله-، و هذه أول مرة اذكر فيها اسمها، اذكره والدّمع يملأ عيني، والخفقان بعصف بقلبي، اذكره أول مرة بلساني وما غاب عن ذهني لحظة ولا صورتها عن جناني.
أفتنكرون عليّ أن أجد في كل مأتم مأتمها و في كل خبر وفاة وفاتها؟ وإذا كان كل شجى يثير شجاه لأخيه أفلا يثير شجاي لبنتي؟ إن كل أبٍ يحب أولاده ولكن ما رأيت لا والله ما رأيت من يحبّ بناته مثل حبي بناتي، ما صدقت إلى الآن وقد مرّ على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني اغفل أحيانًا فأظنّ إن رنّ جرس الهاتف أنّها ستعلمني على عادتها بأنّها بخير لأطمئنّ عليها تكلمني مستعجلة، ترصف ألفاظها رصفًا"، مستعجلة دائما" كأنها تحسّ أن الردى لن يبطئ عنها، وأنّ هذا المجرم، هذا النذل.. هذا.. يا أسفي، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله.
ذلك لأنها لغة قوم لا يفقدون الشرف حتى عند الإجرام، إن في العربية كلمات النّذالة والخسّة والدناءة، وأمثالها، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئنّ فتفتح لها، ثم اقتحم عليها، على امرأة وحيدة في دارها، فضربها ضرب الجبان، و الجبان إذا ضرب أوجع، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها. ما هربت حتى تقع في ظهرها، كأنّ فيها بقية من أعراق أجدادها الذين كانوا يقولون:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
ثم داس ال... لا أدري والله بم أصفه؟ إن قلت المجرم فمن المجرمين من فيه بقية من مروءة تمنعه من أن يدوس بقدميه النجستين على التي قتلها ظلمًا ليتوثّق من موتها.
ربما كان في المجرم ذرة من إنسانية تحجزه عن إن يخوض في هذه الدّماء الطاهرة التي أراقها. ولكنه فعل ذلك كما أوصاه من بعث به لاغتيالها، دعس عليها برجليه ليتأكد من نجاح مهمته، قطع الله يديه ورجليه، لا، بل ادعه وادع من بعث به لله، لعذابه، لانتقامه، ولعذاب الآخرة أشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر.
وانتشر في الناس الخبر ولمست فيهم العطف والحب والمواساة... ووصلتني برقيات تواسيني وإنها لمنة ممن بعث بها وممن كتب يعجز لسان الشكر عن وفاء حقها ولكني سكت فلم أشكرها ولم اذكرها؛ لأن المصيبة عقلت لساني، وهدت أركاني.
وأضاعت عليّ سبيل الفكر، فعذرًا وشكرًَا لأصحاب البرقيات والرسائل.
كنتُ احسبني جلدًا صبورًا، أثبت للأحداث، وأواجه المصائب، فرأيت أني لستُ في شيءٍ من الجلادة ولا من الصبر ولا من الثبات... صحيح أنه:
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة *** يواسيك أو يسليك أو يتوجع
ولكن لا مواساة في الموت، والسلو مخدر أثره سريع الزوال. والتّوجع يشكر ولكن لا ينفع شيئًا. وأغلقت عليّ بابي وكلما سألوا عني ابتغى أهلي المعاذير، يصرفونهم عن المجيء، ومجيئهم فضل منهم، ولكني لم أكن استطيع أن أتكلم في الموضوع. لم أرد أن تكون مصيبتي مضغة الأفواه، ولا مجالاً لإظهار البيان، أنها:
مصيبتي وحدي فدعوني *** أتجرعها وحدي على مهل
ثم فتحت بابي، وجعلت أكلم من جاءني، جاءني كثيرٌ ممن أعرفه ويعرفني وممن يعرفني ولا أعرفه. وجعلت أتكلم في كل موضوع إلا الموضوع الذي جاؤوا من أجله، استبقيت أحزاني لي، وحدثتهم كل حديث حتى لقد أوردت نكتا ونوادر.
أتحسبون ذلك من شذوذ الأدباء؟ أم من المخالفات التي يريد أصحابها أن يعرفوا بها؟ لا والله ولكن الأمر ما قلت لكم. كنت اضحك وأضحك القوم وقلبي وكل خلية في جسدي تبكي.
فما كل ضاحكٍ مسرورٍ:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربًا *** فالطير يرقص مذبوحًا من الألم
إني لأتصوّر الآن حياتها كلها مرحلة مرحلة، ويومًا يومًا تمر أمامي متعاقبة كأنها شريط أراه بعيني.
لقد ذكرت مولدها وكانت ثانية بناتي، ولقد كنت أتمنى أن يكون يكري ذكرًا وقد أعددت له أحلى الأسماء ما خطر على بالي أن يكون أنثى.
وسميتها عنان وولدت بعدها بسنتين بنان -اللهم ارحمها- وهذه أول مرة أو الثانية التي أقول فيها اللهم ارحمها وأني لأرجو الرحمة لها ولكني لا أستطيع أن أتصور موتها.
ولما صار عمرها أربع سنوات ونصف السنة أصرت على أن تذهب إلى المدرسة مع أختها، فسعيت أن تقبل من غير أن تسجل رسميًا.
فلما كان يوم الامتحان ووزعت علماتها المدرسية وقد كتب لها ظاهريًا لتسر بها ولم تسجل عليها. قلت هيه؟ ماذا حدث؟ فقفزت مبتهجة مسرورة وقالت بلهجتها السريعة الكلمات، المتلاحقة الألفاظ:
بابا كلها أصفار أصفار أصفار.
تحسب الأصفار هي خير ما ينال. وماذا يهم الآن بعدما فارقت الدنيا أكانت أصفارًا أم كانت عشرات، وماذا ينفع المسافر الذي ودع بيته إلى غير عودة، وخلف متاعه وأثاثه، ماذا ينفع طراز فرش البيت ولونه وشكله. أ. هـ.
هذا مشهد محزن مؤثر، من الآف الصور والمشاهد التي غابت وغيبت، لم نعرفها لكن الله يعرف أصحابها، واليوم هذا ابن حافظ الصغير يمشي على خطا والده ويكمل ما بناه بلؤم وخسة فقد فتح الباب على مصراعيه للمد الصفوي الإيراني لنشر الرفض والتشيع، يسانده في ذلك علماء سلطته الذين زينوا له سوء عمله، بل ومد يده المتلطخة بدماء شباب بانياس ودرعا الطاهرة الزكية لمصافحة حزب الشيطان اللبناني!
أدر كنترول التحكم على القنوات الإخبارية ترى القمع الوحشي وإراقة الدماء الطاهرة، والهمجية البربرية، والاعتقالات الواسعة لشعبٍ أبي ينشد الحرية ويطالب بإصلاح الفساد، بعد أن طال ليله وهو يرزح تحت وطأة النظام النصيري، ومع ذلك كله هؤلاء زلمات دمشق ودرعا وبانياس واللاذقية وحمص وغيرها من مدن الشام تدق المسمار الأخير في نعش النظام النصيري الجائر الذي طالما سامها خسفًا وسوء عذاب، مسدلة الستار على مهزلة الظلم والجور والطغيان.. والله حسبنا ونعم الوكيل.
المصدر: سعد بن ضيدان السبيعي
- التصنيف: