أرجوكم... دعوا نيوزيلاندا تعيش في سلام
ملفات متنوعة
فعلى الرغم من بعض ممارسات التحريش بين المهاجرين خصوصا المسلمين وسكان هذا البلد، و بعض مشاهد التحرش بالمسلمين، فإنها تبقى ومع ذلك تصرفات معزولة تمثل الإستثناء لا القاعدة، وصادرة عن قلة، لا عن جمهور
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بن داود رضواني.
1_ لماذا نيوزيلاندا...؟؟
جزء كبير ممن ضاقت بهم السبل في أوطانهم، أو ممن تاقت نفوسهم لمزيد من الأمن والكرامة وتحقيق الذات، وقع اختارهم على نيوزيلندا موطنا للهجرة وبلدا للعيش، اختيار عائد لدواع عديدة، منها:
_أولا: مستوى العيش الذي يحظى به المواطن النيوزيلاندي، فرغم ميزتي الغلاء التى تطبع مواد المعيشة من جهة، والرسوم المرتفعة لتكاليف الدراسة، نتيجة البعد الجغرافي لنيوزيلاندا عن مراكز الإنتاج العالمية، والمعاهد الدولية للبحث العلمي والتقني من جهة أخرى، فالأمران لم يقفا حائلا بين المواطن هنالك والرفاه المادي، والتألق العلمي.
_ثانيا: من الميزات المهمة التي تؤثت عموم النسيج الإجتماعي في هذه الجزيرة، ضعف الإتجاه القومي الذي يسيد الرجل الغربي الأبيض على باقي الأجناس الأخرى _ كما هو الحال في أوربا وأمريكا وأستراليا..، في مقابل إنصهار غالبية الإثنيات والأقليات من بيض وسود وحمر وصفر في بوثقة المواطنة والإنسجام والتعايش. هذا التعايش الذي عز طلبه في كثير من بقاع العالم الغربي المتحضر.
_ثالثا: الموقع الجغرافي القاصي لنيوزيلاندا، ووجودها على طرف العالم، أغرى الكثير من المهاجرين التي تقع أوطانهم قريبا من بؤر التوتر أو داخل مناطق الحروب والصراعات الدامية، فهذه الميزة هي أوضح إجابة عن سؤال غياب نيوزيلاندا عن ساحة الأحداث العالمية، وتحاشيها للنزاعات الدولية الملتهبة بالأحقاد والشرور.
2_ نيوزيلاندا الآمنة واليمين المتطرف.
قالت رئيسة وزراء نيوزيلاندا جاسيندا أرديرن عقب مجزرة يوم الجمعة الدامي: " إن ذلك كان إعتداء إرهابيا غير مألوف وغير مسبوق، ولامكان له في نيوزيلاندا ". وأضافت: " إن وجهات النظر المتطرفة غير مرحب بها، وتناقض قيم البلاد ". والحقيقة أن هذه العبارات ماهي إلا صدى لرأي الكثير من النيوزيلانديين، فغالبية أهل هذه الجزيرة -حسب رأي المهاجرين انفسهم- معروفون بسعة صدورهم، وسماحة أخلاقهم مع الوافدين من قارات أخرى، بل يتسم المجتمع النيوزلندي بكثرة الزيجات المختلطة، واختلاط الأعراق بين مختلف الأجناس، والذي يمثل في رأي اليمين المتطرف إبادة عرقية، فهذا أمر أول. وأما الثاني، فعلى الرغم من بعض ممارسات التحريش بين المهاجرين خصوصا المسلمين وسكان هذا البلد، و بعض مشاهد التحرش بالمسلمين، فإنها تبقى ومع ذلك تصرفات معزولة تمثل الإستثناء لا القاعدة، وصادرة عن قلة، لا عن جمهور الناس وغالبيتهم.
وهذه القلة القليلة داخل المجتمع النيوزيلاندي، والتي تمثل اليمين المتطرف في نيوزيلاندا، _فحسب دراسات وتحقيقات أكاديمية و إعلامية_ فهي لا تبدو بالصورة نفسها التي عليها اليمين المتطرف في الخارج، ولا تجاري المستوى المتصاعد لكراهية المسلمين من طرف اليمين الأوروبي والأمريكي، -هذا طبعا قبل مذبحة المسجدين- فغالبا ما كان استعداء المهاجرين المسلمين في نيوزيلاندا مجرد تصريحات وعبارات قومية متطرفة، وفي حدود العنف اللفظي الغير المقرون بالعنف المادي، أضف الى ذلك أن أصحابه لايتجاوزون بضعة أفراد يفتقرون إلى الدعم الشعبي والسند السياسي.
3_ دلالات اختيار نيوزيلاندا مسرحا للمذبحة.
ضمن قائمة البلدان الأكثر أمنا وأمانا بين دول العالم توجد نيوزيلاندا. ففي سنة 2017 لم تشهد إلا 35 جريمة قتل. لكن بعد السقوط الصادم لخمسين مسلما أثناء أداء صلاة الجمعة، يبدو أن الأمور تتجه خلافا لما كانت عليه من قبل، وأن مؤشر الأمان بدأ يتهاوى في بورصة السلم الإجتماعي في هذا البلد.
فيوم الجمعة الدامي كان بمثابة الإعلان من طرف اليمين المتطرف عن اتساع رقعة العنف والكراهية، وتمددها خارج مناطق النزاع الكلاسيكية، وتصدير العنف الطائفي والإثني إلى مناطق آمنة خصوصا تلك التي تقع على أطراف الكرة الأرضية، والزج بها في متاهات لا نهاية لها من الصدام الداخلي والأهلي.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مجرد التفكير بوقوع عملية أقل دموية من مذبحة الجمعة كان أمرا مستبعدا وضربا من الخيال، فكيف التفكير بسقوط 50 قتيلا في لحظة واحدة، ولعل هذا ما يفسر مقدار التسامح الأمني الذي كان يطبع نيوزيلاندا، لذا كانت ضربة اليمين المتطرف مفاجئة وموجعة وصادمة، إذ كانت التكهنات تنظر بعين الحذر والتوجس إلى الجارة أستراليا نظرا لكثرة المتطرفين اليمينين، ومستوى المرتفع لكراهية المسلمين والأجانب هنالك. لكن ما لم يكن في الحسبان أن تسيل دماء الأبرياء على أرض نيوزيلاندا المسالمة...!!!