البابية والبهائية وجهود التصدي لهم

منذ 2019-04-22

ظهور البابية والبهائية ونهضتهما كان في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو قرن صراع الدول الاستعمارية على العالم الإسلامي.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، نزل الله عليه الكتاب بالحق- ولله الدين الخالص- مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه.

البابية:

فمؤسسها علي بن محمد ابن المرزا رضى البزاز الشيرازى؛ إيراني، ولد بشيراز يتيماً (1235هـ- 1819م) وفي الخامسة والعشرين من عمره جاهر بعقيدة ظاهرها توحيد الأديان، أو ظاهرها الإصلاح الديني والاجتماعي، وباطنها تلفيق عقيدة جديدة من أديان ومبادئ مختلفة، ولقب نفسه بالباب، وتبعته جماعة وأذاع أنه المهدي المنتظر... ثم قبض عليه وسجن، ثم أعدم رمياً بالرصاص في تبريز (1266هـ- 1850م) وفي حيفاً بفلسطين قبر ضخم للبهائية، يقولون إنهم نقلوا إليه جثة الباب خلسة...[1].

وأما البهائية:

فمؤسسها حسين على نورى بن عباس بن بزرك، الميرزا، المعروف بالبهاء، أو بهاء الله، وهو إيراني مستعرب، ولد في بلدة نور (1233هـ- 1817م) واعتنق دعوة الباب، ثم خلفه في دعوته، واتهم بالاشتراك في مؤامرة لقتل شاه إيران انتقاماً لمقتل الباب، فاعتقل ثم نفى إلى بغداد، ثم أخرج منها إلى تركيا حيث نفى في (أدرنة) ثم سجن بعكا في فلسطين 1868م، ثم أفرج عنه فمات ودفن في حيفا (1309هـ- 1892م)[2].

والملاحظ أن ظهور البابية والبهائية ونهضتهما كان في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو قرن صراع الدول الاستعمارية على العالم الإسلامي، وهذا ما يسمى الغزو الداخلي عن طريق الأفكار الهدامة لتدمير جسم الأمة الإسلامية، ثم اعتبر باتخاذ فلسطين مدفناً وقبلة للبهائيين، ومداهنتهم للصهيونية في منشئها وابتداء دعوتها.

ثم قام في فلسطين عباس عبدالبهاء ابن مؤسس البهائية، وكان أنشط دعاتها وأدهاهم، فقد ساح في البلاد داعياً إلى البهائية، كما تعد الولايات المتحدة موطناً رئيسا للبهائية حيث النشاط الصهيوني الكبير.

ثم كانت مصر وكان الأزهر في مطلع هذا القرن العشرين هدفاً لدعوة البهائية يعضدها الاستعمار البريطاني، ولكن الله سلم وقيض لها رجالاً عارضوها، وكتبوا عن أسرارها وفضحوها؛ عن فهم وبحث ومخالطة واطلاع، وليس عن تخمين أو استماع.

ولعل من أول ما كتب عن البابية مقالة "دائرة معارف البستاني" مادة "بابية"، فقد كتب بطرس البستاني ما خلاصته: "أسس الباب ذلك الدين من عناصر إسلامية ونصرانية ويهودية ووثنية... وادعى أنه ليس نبياً بسيطاً؛ بل هو مشخص للآلهة،... وقد قال إنه هو النبي وإن الله قد أنـزل عليه كتاباً يسمى البيان... ويزعم أتباعه أن جثته بعد موته قد صعدت إلى السماء...

وأما ديانة الباب فتحكم بصدق جميع المرسلين السابقين، وتقترب من قول النصارى بحلول اللاهوت في الناسوت... كما تؤمن بالتناسخ... ورئيسهم الباب عندهم أعظم من محمد- صلى الله عليه وسلم-... ومن أحكامه أنه يجب تخريب جميع البقاع المقدسة كمكة وبيت المقدس وقبور الأنبياء والأولياء عند أول سلطة لأحد من أتباع دينه...".

كما ساهم الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار بمقالاته، ونشرت مطبعة المجلة أول كتاب خطير ضد البابية والبهائية، ألفه طبيب فارسي، وحكيم فيلسوف وشاعر يكتب بالعربية والفارسية والتركية، وصحفي ومؤرخ هو الدكتور ميرزا محمد مهدي خان، وكان يقيم بمصر فألف كتاباً ضخماً عن البابية والبهائية، أصدر مقدمته في 450 صفحة من القطع المتوسط بعنوان (مفتاح باب الأبواب) وهو أول وأوفى كتاب عن هذه النحلة لما احتواه من معلومات أكيدة ولأن مؤلفه فارسي، كما كان أبوه وجده ممن ناقشوا الباب وحضروا محاكمته في إيران... وقد طبع الكتاب عام 1321هـ (1903م) بالقاهرة، وهو نادر الوجود.

وثاني الكتب التي يعتد بها في هذا المجال كتاب "الحراب في صدر البهاء والباب" كتبه محمد فاضل وطبع عام 1329هـ (1911م) وتأتي قيمته من أن مؤلفه تتلمذ على داعية البهائية في العالم الإسلامي ثم في مصر وهو أبو الفضل الجرفادقانى واطلع على كتب البهائية وأسرارها، ثم كتب في الصحف مندداً بها، بعد أن نجا من شركها، وطبع كتابه في حوالي 400 صفحة من القطع الوسط[3]. وهو يحتوي مقالات وفتاوى هامة.

ثم توالت الكتيبات وأعجبها بعنوان "تنوير الألباب لإبطال دعوة البهاء والباب" بقلم جلال الدين شمس أحمدي وهو من القاديانية ومع ذلك فهو هام لما به من نصوص من كتب للبهائية يندر الحصول عليها، وقد التزم كاتبه أمانة النقل والتوثيق، وقد يذكر النص الفارسي المترجم أحياناً.

ثم كَتب الشيخ محمد الخضر حسين أيام كان رئيساً لتحرير مجلة نور الإسلام (مجلة الأزهر حالياً) إجابة مركزة عن سؤال عن البابية والبهائية في العدد الخامس وما يليه من المجلد الأول. وهي المنشورة هنا بعنوان (حقيقة البهائية) وسيكون لنا عنها كلام.

وبعد ذلك نشر الأستاذ محب الدين الخطيب بحثه عن البهائية في المجلد السادس والعشرين من مجلة الأزهر في جزأي رجب وشعبان 1374هـ (1953م) ونشره مستقلاً بنفس العنوان في مطبعته السلفية في العام التالي، وهو على إيجازه غزير المعلومات، دقيق النظام... وقد طبع بعد ذلك مرات...

وطوال النصف الأول من القرن العشرين نشطت البهائية، وأخذت تنشر كتبها، وتترجم كتب الغربيين عنها[4]، واتخذت لها مركزاً ضخماً هو المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر والسودان، وكان مكانه القبة الفداوية بالعباسية- وقد تحول بحمد الله إلى معهد ديني أزهري يعلو فيه صوت القرآن، ويذكر فيه اسم الله. ونشطت البهائية بعد ثورة 1952- وقد أطلت الأفعى برأسها منذ هزيمة فلسطين- وبدأ البهائيون يقيمون القضايا يطالبون بالاعتراف بمذهبهم ديناً رسمياً... ومنذ ذلك الوقت تنبه لهم الأستاذ عبدالرحمن الوكيل فألف كتابه "البهائية" 1379هـ (1959م) ونشره سنة 1382 هـ (1962) وسوف نتكلم عنه وعن صاحبه تفصيلاً.

كما نشر فصلاً عنها الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) الجزء الأول.

والراصد للبهائية يجدها تنشط كلما نشطت الصهيونية[5]، وظهرت الأفكار- المضادة للإسلام، ودعاة التفرقة بين المسلمين. وتتخذ لها وسائل جديدة في كل مرة، متخفية في ثوب الفن والأدب والفكر والتجديد والمعاصرة. حتى بعد أن منعت قانوناً في مصر منذ عام 1962م بقرار جمهوري، وتناولها بالهجوم صحفيون شرفاء.

وفي 1392هـ (1972م) أصدر مجمع البحوث الإسلامية نشرة توجيهية موجزة برقم (34) عن البابية والبهائية، تاريخاً ومذهباً، بقلم الشيخ عطية صقر. كما أصدر الدكتور أحمد محمد عوف كتابا هاما بعنوان (خفايا الطائفة البهائية) يحتوي نصين هامين هما (كتاب البيان) و(كتاب الأقدس) وهما الكتابان المقدسان لدى البابيين والبهائيين.

ثم تسربت إلى العالم الإسلامي في أيامنا هذه آراء بهائية؛ متخذة من معجزة القرآن العظيم وسيلة لبث تأثير الرقم (19) البهائي في عقول المسلمين. وتصدى لها كتاب وعلماء وصحفيون، يدفعون موجة الإلحاد والتدمير. ومن هذه الكتابات ما هو عميق دقيق، ومنها ما هو سريع حماسي، ولكن لكل كاتب أجر، وهو مشكور لحسن النية، وصدق الإخلاص، ومحاصرة الفتنة قبل أن تضرمنا بنارها.

ومن هذه الكتب (أضواء وحقائق على البابية والبهائية والقاديانية) للدكتورة آمنة محمد نصير. و(البهائية في ميزان الإسلام) للدكتورين عمارة نجيب، ومحمود عتمان، وقد صدر عن وزارة الأوقاف المصرية. و(حقيقة البهائية) للدكتور مصطفى محمود. وكانت في الأصل مقالات أربع نشرت أسبوعيا بجريدة (أخبار اليوم) القاهرية في مايو ويونية 1985م كما ساهم الأستاذ أحمد بهجت بنشر عشر مقالات صغيرة في الأهرام خلال شهر شوال 1405هـ (يولية 1986م).

وقد استقبلت الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) شهر رمضان المعظم 1405هـ بنشر مقالات متوالية في الصفحة الدينية بجريدة (الأهرام)، لخصت فيها تلك النحلة، وفتشت عن خباياها، وأبانت عن كفرها باحثة مدققة فجزاها الله خيرا لحسن عملها وإخلاصها وجهادها ثم جُمع ذلك كله وصدر في كتاب كبير بعنوان (قراءة في وثائق البهائية) 1406هـ / 1986م عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة فأفادت إفادة مضاعفة، ولم تتوقف عن الكتابة بل نشرت مقالات أخرى جديدة في نفس الجريدة بعنوان (جديد من وثائق البهائية).

ولم يصمت الأزهر ورجاله أمام هذه الأفعى فصدرت فتاوى شيوخه، ومقالات رجاله منذ بروزها، وتوالت الفتاوى والبيانات. وكان آخرها بيان شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق- المنشور بجريدة الأهرام بالصفحة السادسة في 21/1/1986م- معلناً أن "البهائية فرقة باطلة ومعتنقها كافر ومرتد عن الإسلام" وكان الأجدر أن ينشر في الصفحة الأولى لأهميته.

وقد ألحقنا بهذا التصدير صورة لجزء من هذا البيان.

وكذلك بذلت رابطة العالم الإسلامي ورجالها- بمكة المكرمة، بالمملكة العربية السعودية- جهوداً عظيمة في محاربة البهائية، وأصدرت الكتب والنشرات والبيانات؛ تفضحها وتحذر منها ومن سمومها.

ولا يتسع المقام لحصر وذكر كل ما صدر من كتب أو نشرات أو مقالات في العالم الإسلامي الواسع الإرجاء. يؤدي بها كاتبوها واجبهم في الدفاع عن الإسلام.

ومما يجدر التنويه به هنا كتاب (البهائية في نظر الشريعة والقانون) بقلم المستشار علي منصور. فهو صورة حكم كَتبه وأصدره سنة 1952 حين كان رئيسا لمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بمصر. وقد عرف بحكم البهائية. وهو كبير الأهمية. وقد طبع منذ عشر سنوات تقريبًا في لبنان.

 

أحمد حمدي إمام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بتصرف من الأعلام للزر كلى 5/171 ط 3.

[2] بتصرف من الأعلام للزر كلى 2/271 ط 3.

[3] طبع هذا الكتاب ثانية هذا العام (1407هـ / 1986م) طبعة أنيقة بدار المدني بالقاهرة وجدة، وأصبح من السهل الحصول عليه.

[4] لا أنسى في هذا المجال رسالة ضخمة عن البهائية بالفرنسية لعالم أزهري جليل، وقد ضاعت مني يوم اشتريتها، فلا أستطيع أن أتكلم عنها، وهى بعنوان Babism.

[5] انظر تحذير جبهة علماء الأزهر من البهائية المنشور في سنة 1947م ورد البهائيين عليه. لجنة النشر المركزية للبهائيين، القاهرة 1947، مطبعة رمسيس.

  • 3
  • 0
  • 5,510

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً