مخالفات البصر (4-5)
روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»
(عاشرا) ومن مخالفات البصر: الاكثار من النظر إلى متاع الدنيا وزخرفها بمد البصر إلى ترف المساكن والمآكل والمشارب والاهتمام بذلك والولوع بالنظر إليه، وهذا وإن كان في ذاته غير محرم إلا أن إدامة النظر إلى أحوال أهل الترف خصوصا الكافرين منهم يصرف عن الآخرة وقد يوقع الناظر فيها في محرم أو تكليف نفسه بما لا تطيق، مسايرة لأهل الدنيا وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولحق بذلك كافة أمته )وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى( [طه: 131]. قال الشوكاني: أي لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمنٍ لها، والأزواج.
فينبغي علينا الحذر كل الحذر أن نصرف هذه النعمة العظيمة في معصية الله، ولنحذر كل الحذر من مخالفات النظر، فالله عز وجل سيذكرك بهذه النعمة العظيمة يوم القيامة حيث روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا وَوَلَدًا، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالحَرْثَ، وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ لَهُ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي "([1]).
وهناك وسائل عديدة تعين المسلم على حفظ بصره عن معصية الله عز وجل يمكن إيجازها فيما يلي:
(أولا) التقرب إلى الله عز وجل بكثرة النوافل، ومن فعل ذلك عصم الله بصره من الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال: (...وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...)([2]) الحديث.
(ثانيا) الإكثار من سؤال الله عز وجل أن يجعل في بصرك نورا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في سجوده؛ حيث جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا»([3]).
(ثالثا) الاستعاذة من شر بصرك، فقد روى شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ. قَالَ: (فَأَخَذَ بِكَفِّي فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي)([4]).
(رابعا) المسارعة إلى الزواج فإنه أحفظ للبصر، ومن لم تكفه واحدة فليعدد ولا يقتحم ما حرم الله عليه ويُحرّم ما أحل الله له، فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» »([5]).
([1]) رواه الترمذي (2428).
([2]) رواه البخاري (6502).
([3]) رواه البخاري (6316)، ومسلم واللفظ له (763).
([4]) رواه البخاري في الأدب المفرد(663)، والترمذي (3492).
([5]) رواه البخاري (5066)، ومسلم (1400).
- التصنيف: