تيجان سنن الترمذي وصفاته...!
حمزة بن فايع الفتحي
قال المِزّي رحمه الله : ( الحافظ صاحب الجامع وغيره من المصنفات، أحد الأئمة الحفاظ المبرّزين ومن نفع الله به المسلمين )
- التصنيفات: الحديث وعلومه -
د.حمزة بن فايع الفتحي
من الكتب الستة المعظمات المستلطفات، قدرا وعلما ومكانة، يشعرك بخزانة معرفية مزخرفة التيجان، منوعة الألوان، مزدانة الأفنان، من وعاه أدرك، ومن حفظه علّل، ومن أتقنه تفقه وتملّك ...! إنه سنن الحافظ المحدث أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى، السلمي الترمذي رحمه الله(٢٧٩)هـ...
وفِي النقاط التالية تنكشف معالم كتابه الجامع :
١/ اسمه الصحيح : ( الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل) وهو ما حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في كتابه المخصوص .
٢/ نبيٌ يتكلم : مدح كتابه وأثنى عليه من باب التحدث بنعمة الله، فقد قال الترمذي عن كتابه هذا: ( من كان في بيته هذا الكتاب، فكأنما في بيته نبي يتكلم ).
٣/ مصنَّف معلّل متفقه: قال العلامة أبو بكر بن العربي رحمه الله في كتابه عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ( وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرَع، وفيه أربعة عشرعلما، وذلك أقرب إلى العمل وأسلم: أسند، وصحح، وضعف، وعدد الطرق، وجرح، وعدل، وأسمى، وأكنى، ووصل، وقطع، وأوضح المعمول به، والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره...).
وقال ابن رجب رحمه الله : ( اعلم أن الترمذي رحمه الله خرج في كتابه الصحيح والحسن والغريب ، والغرائب التي خرجها فبها بعض المنكر ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالبا، ولا أعلم أنه خرّج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه بإسناد منفرد ، نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ ومن غلب على حديثه الوهن، ويبين ذلك غالبا ولا يسكت عنه ).
٤/ تقسيم الأحاديث : قسم الحديث إلى ثلاثة أنواع: صحيح، وضعيف، وحسن. وهو أول من قسمه، وشَهر الحديث الحسن، قال الترمذي: ( وما ذكرنا في هذا الكتاب 'حديث حسن'، فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا: كل حديث يُروى لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويُروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا "حديث حسن" ..).
٥/ وريث البخاري : قال المِزّي رحمه الله : ( الحافظ صاحب الجامع وغيره من المصنفات، أحد الأئمة الحفاظ المبرّزين ومن نفع الله به المسلمين ). وقال الحاكم رحمه الله : ( سمعت عمر بن علك يقول : مات البخاري، فلم يُخلف بخراسان، مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ، والورع والزهد، بكى حتى عمي، وبقي ضريرًا سنين ).
٦/ كتاب معروض : قال رحمه الله ( صنفتُ هذا الكتاب، وعرضته على علماء الحجاز، والعراق وخراسان، فرضُوا به...).
٧/ نصوص معمول بها : قال رحمه الله ( ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء، سوى حديث: «فإن شرب في الرابعة فاقتلوه»، وسوى حديث: «جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، من غير خوفٍ ولا سفرٍ» ). ولهذا يكثر معه عبارة ( وعليه العمل ) لمن طالع كتابه واعتاد عليه...!
٨/ غزير الفوائد وسهلها : قال الذهبي (رحمه الله): في جامع التِّرمِذي علمٌ نافعٌ، وفوائد غزيرةٌ، ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدره بأحاديثَ واهيةٍ، بعضها موضوعٌ، وكثيرٌ منها في الفضائل؛ (سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٤ ).
وقال أيضاً الذهبي في السير: ( قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولم ؟ قال، لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث ).
٩/ مزايا ثلاث: كما قال المحدث المصري أحمد شاكر رحمه الله: الأولى: ذكر الشواهد ومن رواه في الباب، وهذا صعب على الشراح كي يشيروا إليها، والثانية: ذكر مذاهب الفقهاء ، والثالثة: الحكم على الأحاديث صحة وضعفا.. وقال الشيخ ( هذا كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث، خصوصًا علم العلل، وصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم، وللمستفيد والباحث، في علوم الحديث؛ (مقدمة سنن التِّرمِذي للشيخ شاكر ).
١٠/ تَعداده : قال ابن الصلاح رحمه الله : ( كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوّه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ، ويبلغ عدد أحاديث جامع الترمذي (٣٩٥٦) حديثاً ) . افتتحه بكتاب الطهارة ( بَابٌ : مَا جَاءَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) ثم ساق حديث ابن عمر مرفوعا ( لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ..)
واختتمه بكتاب المناقب( باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وساق عَنْ واثلة بن الأسقع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ...) ثم أنهى الكتاب بالعلل المشهور .
١١/ أحكامه وتساهله: قال الباجوري رحمه الله فِي حَاشِيَة الشَّمَائِل :( وناهيك بجامعه الصَّحِيح الْجَامِع للفوائد الحديثية والفقهية والمذاهب السلفية والخلفية فَهُوَ كَاف للمجتهد مغن للمقلد نعم عِنْده نوع تساهل فِي الصَّحِيح وَلَا يضرّهُ فقد حكم بالْحسنِ مَعَ وجود الِانْقِطَاع فِي أَحَادِيث من سنَنه، وَحسن فِيهَا مَا انْفَرد رِوَايَته بِهِ كَمَا صرح بِهِ هُوَ فَإِنَّهُ يُورد الحَدِيث ثمَّ يَقُول عقبه، أَنه حسن غَرِيب أَو صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا هَذَا من الْوَجْه، لكنه أُجِيب بأنه اصْطِلَاح جَدِيد، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح ) .
وقال الذهبي رحمه الله : ( لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ) .
(ميزان الاعتدال ٣/ ٤٠٧)
١٢/ مصطلحاته: وهي من فوائد الكتاب ومشكلاته، كقوله وأكثر منها قرابة (١٦٤١) مرة: ( حديث حسن صحيح )، وسبب الإشكال الجمع بين ما يُعتقد تناقضهما، إذ الحسن قاصر عن درجة الصحيح، فاختلف فيها على أقوال :
• أن له إسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن .
• له إسناد واحد مختلف فيه أو لتردد المجتهد الناقد .
• أنهما مترادفان والمقصد تأكيد صحة الحديث.
• أنها مرتبة مخصوصة بين الحسن والصحة،
• أراد حسن المتن لغةً، وصحته إسناداً .
• أنه حسن من حيث العمل، وصحيح من حيث الإسناد .
١٣/ الذيل النفيس: فلئن فاق بعض المحدثين بمقدماتهم الرائعة كمسلم والدارمي وابن ماجة، فقد فاق هو أيضا بخاتمته الماتعة، إذ ذيّل كتابه بما سمّاه (كتاب العلل ) الذي ضمنه فرائد نادرة، وأثراها الحافظ ابن رجب رحمه الله بشرحه العجيب الدقيق، المتداول الآن بين حملة الحديث النبوي .
١٤/ شروحه وأشهرها :
• عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي .
• تحفة الأحوذي للمباركفوري، وقدم له بمقدمة نفيسة في مجلد تقريبا .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل...