لعل العطاء في المنع

منذ 2019-04-29

لم يكن عمر ليعلم أن الخير كامن فيما ظنه شرًا، وأن عوض الله إذا أتى لن تسعه السماوات ولا الأرض، وأن الله إذا عاملنا بكرمه فسيعترينا الخجل من شدة عطائه، وقلة حيلتنا، وقصر نظرنا في أمنياتنا

قد يضيق بنا الحال، وتسود الدنيا في أعيننا، لرغبة أردناها ولم نحصل عليها، فيصاب القلب بخيبة الأمل، ويمرض الجسد، وتذبل الروح، ولكن أييأس قلب ربه الله؟ أيمرض جسد ربه الرحمن؟ أتذبل روح ربها الجبار؟ 

لا والله فعطايا الله كلها خير، وإن كان منعه هو العطاء، وعوضه لا تسعه أرض ولا سماء، وجبره يداوي قلوب أنهكها الإعياء...

تأمل جبر الله_عز وجل_ لعمر بن الخطاب وابنته _رضي الله عنهما.. 

 ضاق صدر عمر بن الخطاب عندما ترملت ابنته حفصة، وحزن حزنًا شديدًا عليها، لقد رآها تذبل أمامه وتفقد روحها بعد وفاة زوجها، فذهب يُسِر بخفاياه لأبي بكر الصديق.. ويعرض عليه أن يخطبها، وبعد أيام كان يُعرِض فيها الصديق عنه، أيقن أنه يرفضها.. 

أبو بكر الصديق يرفض حفصة بنت الفاروق عمر بن الخطاب، أي نسب هذا الذي يُرفض؟ 

تمر الأيام والحال كما الحال، فيذهب عمر بن الخطاب إلى عثمان بن عفان، يطلبه لابنته وكله يقين بأنه لن يرفض أبدًا، يمر يوم وبعده يوم فيقول عثمان: بدا لي اليوم ألا أتزوج.. 

أي أنه يرفضها، لا يريد الزوج منها ولا من غيرها، فيحزن ابن الخطاب، ويصيبه من الوجد ما يصيبه، ويعلم رسول الله حين يذهب إليه ويشكو حاله عنده، فيقول الحبيب_عليه أفضل الصلاة والسلام:"يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة" 

لم يكن عمر ليعلم أن الخير كامن فيما ظنه شرًا، وأن عوض الله إذا أتى لن تسعه السماوات ولا الأرض، وأن الله إذا عاملنا بكرمه فسيعترينا الخجل من شدة عطائه، وقلة حيلتنا، وقصر نظرنا في أمنياتنا.. 

ويأتي عوض الله، ويطلب الحبيب المصطفى يد حفصة بنت الخطاب، وينال الفاروق شرف مصاهرة النبي_صلى الله عليه وسلم_ وتصبح حفصة من آل بيت النبي ومن أمهات المؤمنين، وفوق كل هذا زوج رسول الله_عليه أفضل الصلاة والسلام. 

الدنيا دار ابتلاء من صبر فله خير الجزاء، وربما منَّ عليه الله بعظيم الكرم في الدنيا والآخرة، فلا تيأس إن طال بك البلاء، ولا تحزن وإن فقدت شغف الحياة، ولا تبكِ على عطاء حرمك الله إياه، فلعل العطاء في المنع، ولعل الخير يكمن في الشر.. ولعل حبل صبرك بلى ويريد الله أن يعوضك، فاصبر  فقد سرت الكثير ولم يبقَ إلا القليل.. 

الحمد لله

داليا محمد

  • 6
  • 0
  • 5,177

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً