التحذير من ظن السوء

منذ 2019-04-29

وما بك من تقى فيها وخير ** فتلك مواهب الربِّ الجليل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد 
فاعلم – رحمني الله وإياك – أن الظن في الأمور الإيمانية باطل وأنه نوع من الجهل قال تعالى { {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} } [ آل عمران : 154 ] فقد وصف الله ظنهم كما ترى بغير الحق وبالجهالة وهو حال أهل الباطل كلهم وليس مقصوراً بهؤلاء المنافقين إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولهذا لابد أن يكون المؤمنون كلهم على ذروة اليقين في أمور الإيمان كلها.
فمثلاً أنظر ركن اليوم الآخرة من أركان الإيمان قال تعالى { { {وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} } [ البقرة: 4 ]
وقال تعالى { {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } } [ الجاثية: 32 ]
ولو زعم زاعمٌ أنه يظن أنه سيكون يومٌ سينتهي هذ العالم كما سيكون يومٌ سوف يُبعث فيه الخلائق للحساب ويصيروا إلى الجنة أو إلى النار فنقول له حينئذ : أنت كافر ولست بمؤمن حتى تقول: أنا مستيقن سيكون يومٌ سينتهي هذ العالم ويوم سوف يُبعث فيه الخلائق للحساب ويصيروا إلى الجنة أو إلى النار.
قال تعالى { {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} } [ الفتح: 6 ]
أما ظن السوء فهو غالباً يأتي من ضعف يقين المرء حتى ينافق نفاق الأكبر أو ربما كان فيه أصلاً مرض النفاق والشكوك , أو فيهم من أصابه مرض في فهمه للنصوص كالمبتدعة.
سواء كان من ضمن هؤلاء كلهم من ضعف يقينهم وضعفت ثقتهم بوعد الله لعباده المؤمنين بالنصر مثلاً حتى صاروا يكذبون أن الله سينصر عباده مع ما يظهر أمامهم من الأهوال من أعدائهم أو منهم مثلاً من ضعف يقينهم في الأمور الإيمانية كلها حتى صاروا شكاكة في دين الله.
أما من من ضعف يقينهم في ظرفٍ معينٍ ابتُلي فيه المؤمنون وزُلزلوا فيه زلزالاً شديداً وظنوا بالله الظنون كما حصل للمسلمين في غزوة الأحزاب فالمؤمنون إذاً متفاوتون في درجات الإيمان ومع ذلك لا يخرجون من دائرة الإيمان والإسلام إذ هم بحسب قوة توكلهم على ربِّهم وصبرهم ويقينهم وثباتهم على دين الله كما قال تعالى { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)} } [ الأحزاب: 9- 11 ]
أما الظن في الفروع خصوصاً فيما اجتهد فيه العلماء ولم يكن لهم ثَم نصٌ صريح ليلحقوا الفروع في المسائل النازلة بالأصول من نظائرها فلا بأس بذلك الظن الذي اجتهد فيه المجتهد المأهل بل له أجران في ذلك وإذا أخطأ فله أجر واحد.
كما جاء من رواية عمرو بن العاص : " «إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ» " [رواه البخاري رحمه الله برقم: 7352]
ولكن المصيبة كل المصيبة أن يتدخل أهل الأهواء والبدع بآرائهم وظنونهم من أهل الخلف في دين الله حتى المسلمات والقطعيات من شريعتنا الغراءة كأمور الاعتقاد التي وردت فيها نصوص صريحة قطعية محكمة فيتأولونها بتأويلات بعيدة أقرب للتحريف من التأويل ولو سمَّوها ما يُسمُّونها كالتأويل بهتاناً وزوراً.
ومنهم الذين يتبعون ما تشابه من المتشابهات من النصوص ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
فقد ورد من حديث عائشة أم المؤمنين " قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ هذهِ الآيةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ} إلى أُولُو الْأَلْبَابِ قالَت : فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : «فإذا رأيتُم الَّذينَ يتَّبعونَ ما تَشابَهَ منه فأولئكَ الَّذينَ سمَّى اللهُ فاحذَروهُم» . [أخرجه البخاري رحمه الله برقم : (4547)، ومسلم رحمه الله برقم: (2665) ]
لذلك من دأب هؤلاء في كل العصور التجاهل والتناسي للنصوص الصريحة المحكمة والاحتفال والترويج للنصوص التي دلالتها مشكلة من حيث الدليل والمدلول لكونهم باحثين عن فتنة يتشبثون بها ولينفقوا بها على العامة الذين ليس لهم علم أو قدرة للنظر في الأدلة أو المناقشة حولها.
وفي الحقيقة إنما يعشق هؤلاء أن يتبعهم الناس على آراءهم المبتدعة وليسوا على شيء فيصوِّرون للناس الباطل في صورة حق ملبِّسين للناس بين الحق والباطل وكأنهم فطنوا ما لم يفطن به السلف الصالح من الدين وهيهات وأنى لهم ذلك؟! .

وكل خير في اتباع من سلف ** وكل شر في ابتداع من خلف
وما أحسن قول إمام دار الهجرة حيث قال : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها وما لم يكن يومئذ دين فلن يكون اليوم دين. أو كما قال.
واعلم ظن السوء وظن الجاهلية في الدين فإنما هو من أفعال المنافقين الذي اشتهروا به كما هو دأب أهل البدع ولذلك فقد شرح الإمام ابن القيم هذه المسألة الخطيرة المهمة في ثماني صفحات في كتابه القيم زاد المعاد ج 3 ص229 – 236 آخر شرحه لغزوة أحد .
فقد فصَّلها الإمام رحمه الله تقصيلاً دقيقاً خصوصا لأولئك الفرق الذين ابتدعوا في دين الله الذين ظنوا بالله الظنون ولينظر لمن شاء أن يقف على هذا البحث القيم لابن القيم رحمه الله في الموضع المشار إليه, ثم ختم الإمام بهذه القصيدة التالية :
فلا تظن بربِّك ظن السوء ** فإن الله أولى بالجميل
ولا تظنن بنفسك قط خيرا ** وكيف بظلم جان جهول
وقل يا نفس مأوى كل سوء ** أيرجى الخير من ميت بخيل
وظنَّ بنفسك السوآى تجدها ** كذاك وخيرها كالمستحيل
وما بك من تقى فيها وخير ** فتلك مواهب الربِّ الجليل
وليس بها ولا منها ولكن ** من الرحمن فاشكر للدلليل
والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل 
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي

 

  • 4
  • 1
  • 5,544

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً