عامل النّظافة وشعبة الإيمان!
وبناء على هذا المفهوم، يدخل ضمن إماطة الأذى عن الطّريق مقاومة الأفكار الشّاذة، ومكافحة الغشّ والتّزوير، والوقوف في وجه الإلحاد
تخيّلوا لو امتنع عمّال النّظافة عن أداء مهامّهم، أو أضربوا عن العمل لأيّ سبب مشروع أو غير مشروع، ومقبول أو غير مقبول، فكيف ستكون النّتيجة بغضّ النّظر عن تقييم موقفهم، وترتيب سبل التّعامل معه؟! قطعًا سوف تتراكم القاذورات – أجلّكم الله-، فتزكم الأنوف، وتفسد المكان، وفي تطوّر لاحق ستكون مجمعًا للحيوانات، وسبيلًا لانتشار الأوبئة، وإزالتها بعد ذلك يستلزم جهودًا مضاعفة.
وبتوسيع المفهوم سنلاحظ أنّ جلّ الوظائف الشّريفة تتقاطع مع فكرة عامل النّظافة، فالمعلّم ينظف المجتمع من الجهل، والطّبيب يقاوم الوباء، والشّرطي يحمي من الجريمة، والإعلامي يقلّل الغثاء، والمستظرف يكنس الحزن، والمراقب يطارد الفساد، والمربّي يقضي على الأوساخ المعنويّة، والعالم يحوط الدّيانة من التّحريف والتّأويل، والزّعيم يدفع عن البلد المخاطر، وهكذا في منظومة مجتمعيّة تشاركيّة تكامليّة، يعيها أناس ويغفل عنها آخرون، ولو تقاعس أيّ فرد عن سداد ثغره فلا مناص من حدوث خلل بحسب تفريطه.
ومن شعب الإيمان شعبة اجتماعيّة عظيمة، يقدر عليها كلّ عضو في المجتمع بالوسع الذي يمكنّه الله منه، وهي إماطة الأذى عن الطّريق، ومن المحتمل ألّا يقتصر معناها على إزالة عوالق الطّرق من شوك وحجر وشجر وما يسبّب حرجًا على المارّة وتضييقًا للطّريق، فيشمل معناها أيّ أذى ينغّص على الأحياء معاشهم، أو يسألون عنه بعد مماتهم.
وبناء على هذا المفهوم، يدخل ضمن إماطة الأذى عن الطّريق مقاومة الأفكار الشّاذة، ومكافحة الغشّ والتّزوير، والوقوف في وجه الإلحاد، والغلو، والإنحلال من قويم الأخلاق، والانحراف عن الصّواب، كما يتوافق معها إشاعة ثقافة المكرمات والمحامد والفضائل، وتكريس مفهوم إعطاء الطّريق حقوقه، وإتّباع الأنظمة.
إنّ شعبة “إماطة الأذى عن الطّريق”، ومهمّة “عامل النّظافة”، لترفع من مستوى إيجابيّة أفراد المجتمع، وتصبح عونًا لهم ولمجتمعاتهم وبلادهم على تقليل رقعة الخطأ، وزيادة مساحة الإبداع، وفي تضاعيف هذا العمل الكبير ما يهب للحياة معنى، ويعطي لها قيمة سامية، وأيّ سعادة تغمر قلب المرء حين يرى نفسه عضوًا فاعلًا بحقّ، مؤثّرًا بخير، في مجتمع يستحق الكثير من بنيه وأهله، وفي الآخرة يرجو المشارك أن تناله بركة الوعد الصّادق؛ فيتقلّب في جنان الله.
وربّما تكون الإماطة والتّنظيف بكلمة، أو فكرة، أو عمل، أو موقف مناسب، وباب الفضل واسع لمن شاء ولوجه بحكمة وبصيرة، وإذا لم ينشط الإنسان للمشاركة الدّائمة في هذه المنظومة الكريمة، فلا أقلّ من أن يكفّ آذاه عمّن يجتهد وينصب لإماطة الأذى عن الطّريق، ولا يصطّف مع الشّيطان ضدّهم.
وأمّا من يمتنع عن صواب الفعل أو التّرك، ويقع في نقيضهما، فهذا لا بركة ترجى منه، فإمّا أن يجبر بقوّة النّظام على الانضباط، أو يضطّر لمجاراة التّيار المتدفق من العمل المبارك لإزالة أيّ خلل، وإحلال الكمال والجمال مكانه، ولا مجال لبقاء المرء في خانة كمون وسلبيّة، فالنّاس من بدو وحاضرة يخدم بعضهم بعضًا وإن لم يشعروا، فلا غنى في أيّ بيئة بشريّة عن زعيم، ولا يستغني أيّ مجتمع عن عامل نظافة، وكلاهما يرفع ويضع، وحكمة الرّفع ثمّ الوضع إزالة العوائق، وتهيئة البيئة، ثمّ يعقبهما تحقيق الأهداف، وعلى الله قصد السّبيل.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
مدونة أحمد بن عبد المحسن العسَّاف
- التصنيف: