مراتب الصيام، وصنوف الصائمين...!
حمزة بن فايع الفتحي
أما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل، وسائر الجوارح عن الآثام
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
• الصيام لمتأمله يدرك أنه ليس على مرتبة واحدة، وأن الناس متفاوتون فيه، فمنهم مقتصد وظالم لنفسه، وسابق بالخيرات، فثمة أناس أخلصوا فيه ووعوا أسراره، وطائفة رمضانية تجِدّ فيه فقط، واُخرى لا يهمها إلا مجرد الإمساك، وتقارف ما شاءت سلوكيا، وهو ما يشرحه الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه ( الإحياء ):
• ( اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
• وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل، وسائر الجوارح عن الآثام.
• وأما صوم خصوص الخصوص ، فصوم القلب عن الصفات الدنية، والأفكار الدنيوية، وكفّه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة، وليس من الدنيا .
• حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه، كُتبت عليه خطيئة، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل، وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين..).
• والنَّاس غالبا دائرون في هذه المراتب والتصنيف، فصنف ليس لهم من صيامهم إلا الكف عن الطعام والشراب، ولكنه خائض ولاج في المعاصي، قد تبدّى وجهه، وقل حياؤه...!
• وصنف: ترك المطاعم والمشارب والجوارح، ولكنه قد يتفلت أحيانا ، فيهفو بما لا يليق ولا يصح ...!
• وصنف: ذاكر خاشع قد تعلق قلبه بالله، ذكرا وديانة وإخلاصا ونقاء، ولا يحمل هم الدنيا والإفطار، ولا يتكلف له تكلفا مثل ما يحصل هذه الأزمنة، من جمع وشراء وهم وادخار، وتوسع وملاذ..!
• ويُفترض في عقلاء أهل الإيمان تمحيص صيامهم، والارتقاء به زكاة ونقاء وابتهالا، بحيث ترتقي النفوس، وتصفو الأرواح، وتبلغ مرتبة الصيام العليا ( { لعلكم تتقون } ) [سورة البقرة] . ومما يساعد على ذلك ما يلي :
• تفهم حكمة الصيام والغاية العائدة منه، وما تحدثه من آثار على القلب والجوارح .
• تعلم هدي رسول الله وحاله والسلف الصالح في رمضان واستيعابهم لنفائس الأوقات .
• تحقيق الصيام الشرعي النزيه من تمحض النية لله، والجد في الخيرات، وتدبر القرآن، وصون الجوارح، والجود المتنوع كما هو الهدي النبوي وفي الحديث( «من لم يدع قول الزُّور» ...).
• شكران نعمة الله المتمثّلة في الصيام وبلوغ رمضان، وما يكون من عاقبته من إباحة الطعام والشهوات المحرمة من قبل .
• مجاهدة النفس، عبادةً ومسارعة وتباعدا عن الملهيات( {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ) سورة [العنكبوت] . والتغلب على هوى النفس، ونوازغ اللهو والارتياح .
• استغراق القلب واللسان بالذكر والكلمة الطيبة، لا سيما وقت الخلوات، وصلاة التراويح والتهجد ( {إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلا } ) [سورة المزمل] . قال قتادة رحمه الله: (أي أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ) ، وقال ابن زيد رحمه الله( إن مصلي الليل القائم بالليل أشدّ وطئا: طمأنينة أفرغ له قلبا، وذلك أنه لا يَعْرِضُ له حوائج ولا شيء ).
• مع ضرورة صيانة اللسان عن كل الآفات والمخالفات، التي من شأنها التعكير وقسوة القلب وملالة النفس من العبادة، إذ لكل شيء ضريبة، ولكل معصية تبِعة وترة، تحرم صاحبها لذائذ المناجاة، ورياض الحياة الطيبة...!
• الاعتناء بالغذاء المعنوي على الغداء الجسدي ، واغتنام ثمار الإيمان والصيام والتلاوة والمعروف، لأن موسم رمضان لا يقارن بسواه، وفيه من المكاسب الإيمانية والوجدانية ما لا تخفى إلا على تائه أو محروم، والله المستعان .
• التفرغ وحفظ الزمان، بحيث يصيب العبد المؤمن روائع الشهر، وحدائق المعرفة ، ولا يتحسس فراغا باهتا ينتهي به لضر وَلَهْو، أو سآمة ونوم...!
ومضة/ اجعل من رمضان غذاءً معنوياً، قبل أن يكون جسديا...!