عِنايةُ المستشرقين وأذنابهم بغُلاةِ الصُّوفيَّةِ (الحَلَّاجُ أنْموذجًا) : (1-2)
علوي عبد القادر السقاف
وقال (ص: 254):
(أصبَحْتُ لو طارتْ منِّي شَرارهْ، لَأحْرَقَت مالِكًا ونارَهْ) يعني: مالكًا خازِنَ النارِ.
- التصنيفات: الفرق والجماعات الإسلامية -
عَلَوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
المُشرِف العام على مُؤسَّسة الدُّرَر السَّنيَّة
غرة رمضان 1440هـ
الحمدُ لله على نِعمةِ الإسلامِ والعَقلِ الصَّحيحِ الموافِقِ لسَليمِ الفِطرةِ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ، والدَّاعي إلى ربِّه وهادِي الأُمَّةِ، وعلى آلِه وجميعِ أصحابِه البَررَةِ، المُرتضَينَ لصُحبتِه، والمختارِين لنُصرتِه، والمُبلِّغين بَعدَه لآثارِه وسُنَّتِه.
وبعدُ:
فإنَّ الإسلامَ الذي مَصْدَرُ تلقِّيه الكِتابُ والسُّنةُ الصَّحيحةُ بفَهْمِ سَلفِ الأُمَّةِ؛ هو الإسلامُ الحَقُّ الصحيحُ، الذي لو استَمْسَكتْ به الأمة فسَتنتصِرُ لا مَحالةَ؛ ولأنَّ المستشرقين وأمثالَهم يعلمون ذلك جيدًا فهم لا يَفتؤُونَ يَنشُرون ما يُخالِفُ هذا الدِّينَ الصحيحَ من الضَّلالاتِ، والخُرافاتِ، والخُزَعبِلاتِ، والبِدَعِ، والكُفْريَّاتِ بيْن المسلمينَ، ساعَدَهم على ذلك تَطوُّراتُ العصْرِ الحديثِ، بِدايةً مِن تَطوُّرِ الطِّباعةِ قبْل قَرنينِ من الزَّمانِ تَقريبًا، ثم اختراعِ المِذياعِ، والتِّلفازِ، ثمَّ انتشارِ مَواقِعِ التواصُلِ الاجتماعيِّ عبْرَ الإنترنتِ في الوقت الحاضرِ.
وكانت البدايةُ بعَصرِ الطِّباعةِ؛ حيثُ نشِطَ المُستشْرِقون في البحثِ والتَّنقيبِ عن كُتبِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ، كالحَلَّاجِ، والتِّلمسانيِّ، وابنِ الفارضِ، وابنِ عَربيٍّ، وابنِ سَبعينَ، وغَيرِهم، فقاموا بتَحقيقِها وطِباعتِها طباعةً أنيقةً في ذلك العصْرِ، ونَشرُوها في بِلادِ المسلمينَ بلُغاتٍ عِدَّةٍ، وخاصَّةً اللُّغةَ العربيةَ، وكَتَبوا عنهم وألَّفوا في سِيَرِهم، ومِن هؤلاء([1]):
1- دي ساسي (ت: 1838م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ: حقَّق ونشَر شِعرَ ابن الفارِضِ، وتَرجَمَ قَصيدةَ (البُردة) للبُوصِيريِّ.
2- دي تاسي (ت: 1878م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ: حقَّق (منطِق الطير) للشاعرِ الصُّوفيِّ الفارسي فَريد الدِّين العطَّار.
3- دي كورتاي (ت: 1889م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ: حقَّق كِتابَ (تذكرة الأولياء) لِفَريد الدِّين العطَّار.
4- مورنيو (ت: 1892م) مُستشْرِقٌ إيطاليٌّ: كتَبَ في التَّصوُّف العربيِّ والهِنْدي.
5- دي مينار (ت: 1908م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ: تَرجَمَ كِتاب (المنقِذ من الضَّلال) للغزاليِّ.
6- جولد تسيهر (ت: 1921م) مُستشْرِقٌ يَهوديٌّ مَجَريٌّ: كتَبَ عن الحَلَّاج مادحًا له، وشارحًا طريقتَه.
7- هيار (ت: 1927م) مُستشْرِقٌ فَرنسيٌّ: اهتمَّ بالطريقةِ البِكتاشيةِ والمولويةِ، وتَرجَمَ شِعرَ التِّلمسانيِّ.
8- كارلو نلينو (ت: 1938م) مُستشْرِقٌ إيطاليٌّ: حقَّق كتاب (الفلسفة الإشْراقية) لابن سِينا، وحقَّقَ شِعرَ ابنِ الفارض.
9- مرجليوث (ت: 1940م) مُستشْرِقٌ إنجليزيٌّ: ألَّف في سِيرة عبدِ القادِرِ الجِيلانيِّ.
10- ماسينيون (ت: 1962م): مِن أكبَرِ المُستشْرِقين الفَرنسيينَ المهتمِّين بالحَلَّاج ونشْرِ فِكْرِه، وهو أوَّلُ مَن نشَرَ كِتابَ (الدِّيوان) و(الطَّواسين) للحَلَّاج، وسيأتي الحَديثُ عنهما.
11- آرثر أربري (ت: 1969م) مُستشْرِقٌ إنجليزيٌّ: حقَّق كِتابَ (التعرُّف لمذهَبِ أهل التَّصوُّف) لِلْكَلاباذيِّ.
وأكثرُ هؤلاء الذين اهتمَّ المُستشْرِقون بنَشْرِ كُتبِهم هم مِن غُلاةِ الصُّوفيَّةِ أهلِ وَحدةِ الوُجودِ والاتِّحادِ والحُلولِ، الذين حَكَم عُلماءُ المسلمينَ بكُفرِهم وزَندقتِهم كما سيأتي؛ فلماذا كلُّ هذا الاهتمامِ بهم؟!
أمَّا الحَلَّاجُ فهو أكثَرُ مَن اهتَمُّوا به وبتَحقيقِ كُتبِه ونشْرِها في أوساطِ المسلِمين، وللأسفِ اغتَرَّ بهذا كثيرٌ ممَّن يَعُدُّ نفْسَه -ويعُدُّه البعضُ- مِن المثقَّفين والمتنوِّرينَ!
فمَن هو الحَلَّاج؟ ومتى عاش؟ وما عَقيدتُه؟ وماذا قال عنه عُلماءُ المسلمينَ؟
هذا ما ستَجِدُ الإجابةَ عنه في هذه المقالةِ المختصَرةِ.
مَن هو الحَلَّاج؟
هو الحُسينُ بن مَنصورٍ الحَلَّاجُ، أصْلُه من البَيضاءِ بفارسَ، وكان جَدُّه مَجوسيًّا، نشَأَ بواسطَ، وقيل: بتُسْترَ بخُراسانَ. وتنقَّل بين بغدادَ والبصرةِ، ومكَّةَ وخُراسانَ، خالَطَ الصُّوفيَّةَ، وصحِبَ الشِّبْليَّ، والجُنيدَ، وعَمْرًا المكِّيَّ، وغيرَهم، غَلا في التصوُّفِ وشطَحَ، حتى ادَّعى حُلولَ الإلهِ فيه، تعالَى اللهُ عمَّا يقولُ عُلوًّا كبيرًا، وتَشيَّعَ وغَلا في التَّشيُّعِ، حتى سلَكَ مَسلكَ الإسماعيليَّةِ القَرامطةِ الباطنيةِ، وكان يُظهِرُ مَذهبَ الرَّفْضِ عندَ الرافضةِ، ويُظهِر مَذهبَ الصُّوفيَّةِ للعامَّةِ، وتَعلَّمَ السِّحرَ، ونطَقَ بأعظَمِ أقوالِ الكُفرِ والزَّندقةِ، والحُلوليَّةِ، والاتِّحادِ، ووَحدةِ الوُجودِ، وكلُّ ذلك سيأتي مُوثَّقًا.
وأمَّا عن تَسميتِه بالحَلَّاجِ؛ فقد روَى الخطيبُ البغداديُّ في ((تاريخ بغداد)) (8/ 690) عن ابنِ الحَلَّاج، أنَّه قال عن والِدِه زاعمًا أنَّه يَعلَمُ الغيبَ: (كان يَتكلَّمُ على أسرارِ الناسِ وما في قُلوبِهم، ويُخبِرُ عنها؛ فسُمِّيَ بذلك حَلَّاجَ الأسرارِ، فصارَ الحَلَّاجُ لَقَبَه)! وقيل: كان أبوه حلَّاجًا. وقيل غيرُ ذلك. [يُنظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (7/ 17)].
والحِلاجةُ تخليصُ القُطنِ مِن بِذرِه، وضَربُه بالمِحلَجِ ( وهي آلةُ الحلْج ) ليرِقَّ.
ظَهَر أمْرُه سنةَ (299هـ)، فافتَتَنَ به بعضُ الناسِ وتَبِعوا طَريقتَه التي كان يَتنقَّلُ في البلدانِ لِنَشْرِها سِرًّا، ثم أصبَحَ يُعلِنُ عنها، وهذا ما أدَّى إلى قتْلِه عام (309هـ) [يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (8/ 704)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (2/ 142)].
بعضُ أقوالِ الحَلَّاجِ الكُفريَّةِ:
سأقتصِرُ هنا على جُمَلٍ مِن أقوالِ الحَلَّاجِ الكُفريةِ، بعضُها مِن كُتبِه التي حقَّقها ونشَرَها بعضُ المُستشْرِقين وأذنابُهم؛ كالدِّيوان وكِتابِ الطَّواسينِ، وغَيرِهما، وبعضُها نقَلَها بَعضُ العُلماءِ الثِّقاتِ في كُتبِهم عمَّن عاصَرَه؛ فلا مَجالَ للتَّشكيكِ فيها ولا في صِحَّةِ ثُبوتِها عنه؛ بل إنَّ مُحبِّيه والمدافعينَ عنه لم يَنْفُوها، بلْ راحوا يُؤوِّلونها تأويلاتٍ بعيدةً عن الصوابِ، كما هي عادةُ القومِ!
أولًا: أقوالُه مِن كُتبه المطبوعةِ
للحَلَّاج عَددٌ مِن الكُتبِ والرَّسائلِ التي كان يُرسِلُها لأتْباعِه، نقَّب عنها المُستشْرِقون كتَنقيبِ الضِّباعِ عن الجِيَفِ، حتى أخرَجوها وطَبَعوها ونَشَروها؛ فكانتْ أكبرَ شاهدٍ على كُفْرِه وزَندقَتِه، فانقلَبَ السِّحرُ على الساحرِ! فإنَّه لو لمْ تُطبَعْ هذه الكُتبُ لكان هناك مَجالٌ لطَعنِ البَعضِ فيما نسَبَه العلماءُ الثِّقاتُ إليه، ولَعدُّوه تَحامُلًا عليه، أمَا وهي في كُتبِه، فلا مَجالَ للطعْنِ فيها. ومِن خِلالِ قِراءتي رَسائلَه وكِتابَيْه: الدِّيوانَ والطَّواسين، ومُقارنتِها بما نقَلَه العُلماءُ الثِّقاتِ في كُتبِهم وَجدْتُ أنَّ كَلامَهم مُطابِقٌّ لِكَلامِه في كُتبِه.
هذا، وقد أكثرتُ مِن النُّقولِ حتَّى تَتبيَّنَ للقارئِ حقيقةُ الحَلَّاجِ وما كان يَدْعو إليه، ولا يَغترَّ بما يَعتذِرُ به البعضُ له وما يُصوِّرونه مِن أنَّه قُتِلَ مظلومًا، وأنْ لا ذَنبَ له إلَّا عِشقُه الإلهيُّ وهُيامُه في ذاتِ اللهِ.
ومِن كُتبه المطبوعةِ([2]):
1- الدِّيوان: وهو دِيوانُ شِعرِه الذي يَقطُرُ كُفرًا وزنْدَقةً، وأوَّلُ مَن نشَرَه المُستشْرِقُ الفَرنسيُّ ماسينيون، ثم أعاد طِباعتَه كثيرٌ مِن العرَبِ!
2- الطَّواسين: وأوَّلُ مَن نشَره ماسينيون، ثم أعاد نشْرَه قاسم محمَّد عبَّاس، و(الطواسين) مِثل (الحواميم)؛ فهي جمْعُ (طس) أو (طاسين)، وفيه عشَرةُ طَواسينَ؛ وهي: طس السِّراج، وطس الفَهم، وطس الصَّفاء، وطس الدائرة، وطس النُّقطة، وطس الأزَل والالْتباس، وطس المشيئة، وطس التَّوحيد، وطس الأسرار في التوحيدِ، وطس التَّنزيه! ومَن قرَأَ الطَّواسينَ، واطَّلَعَ عليها وعلى الرُّسوماتِ التي عبَّرَ بها عن كلُّ طاسين؛ لا يشُكُّ أنَّها طلاسِمُ كطَلاسِمِ السَّحرةِ، ورُسوماتِ الإسماعيليَّةِ في كُتبِهم.
3- التفسير: وهو تَفسيرٌ باطنيٌّ، جمَعَ بعْضَه قاسم محمَّد عبَّاس في كِتابِه (الأعمال الكاملة للحَلَّاجِ)، ورتَّب الآياتِ حسَبَ تَرتيبِ المصحَف، ورَغمَ ما فيه مِن خُزَعبِلاتٍ وضَلالاتٍ، إلَّا أنَّ ما فيه أحسَنُ حالًا ممَّا في الدِّيوانِ والطَّواسينِ.
4- بُستان المعرفةِ: وهو عبارةٌ عن وُرَيقاتٍ قليلةٍ مَطبوعة ضِمْن (الأعمال الكاملة للحَلَّاجِ)، وجُلُّها طَلاسِمُ ورُموزٌ.
5- أقوالٌ ومَرْوياتٌ: جَمَعها قاسم محمَّد عبَّاس من كُتُب التصوُّفِ وأودَعَها في كتابِه (الأعمال الكاملة للحَلَّاجِ).
6- أحاديثُ ورِواياتٌ: أورَدَ فيها كَلماتِه على طَريقةِ المحدِّثينِ -حدَّثَنا، حدَّثَنا- لكنْ رُواتُه أوهامٌ لا رِجالٌ، كما سيَأْتي!
بعضُ أقوالِه مِن كِتاب ((الدِّيوان)):
1- قال (ص: 288):
لبَّيكَ، لبَّيكَ، يا سِرِّي ونَجْوائي *** لبَّيك، لبَّيكَ، يا قَصْدي ومَعنائي
أدْعوكَ، بلْ أنت تَدْعوني إليك؛ فهلْ *** ناجَيتُ إيَّاك أمْ ناجيتَ إيَّائي
يا كُلَّ كُلِّي ويا سَمْعي ويا بَصَري *** يا جُمْلَتي وتَباعِيضي وأجْزائي
يا كُلَّ كُلِّي، وكلُّ الكلِّ مُلتبِسٌ *** وكلُّ كلِّك مَلبوسٌ بمَعنائي
2- وقال (ص: 291):
سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ نَاسُوتُهُ *** سِرَّ سَنَا لَاهُوتِه الثَّاقِبِ
ثُمَّ بدَا فِي خَلْقِهِ ظَاهِرًا *** فِي صُورَةِ الآكِلِ وَالشَّارِبِ
حَتَّى لَقَدْ عَايَنَهُ خَلْقُهُ *** كَلَحْظَةِ الحَاجِبِ بِالحَاجِبِ
يعني: باللاهوتِ الإلهَ، وبالناسوتِ الإنسانَ!
يقولُ في هذه الأبياتِ: إنَّ الله تعالَى له حالةٌ لاهوتيَّةٌ عُلويةٌ، وحالةٌ ناسوتيَّةٌ إنسانيةٌ، إذ ظهَر في صُورةِ الإنسانِ الآكِلِ والشاربِ -وهذا عينُ الحُلولِ- نعوذُ باللهِ مِن الضَّلالِ، ومِن الكذبِ والافتراءِ على اللهِ تعالَى بغيرِ عِلمٍ.
3- وقال (ص: 295):
رَأيتُ ربِّي بعَينِ قَلْبي *** فقُلْتُ مَن أنتَ قال أَنْتَ
4- وقال (ص: 297):
كَفَرْتُ بدِينِ اللهِ والكُفرُ واجبٌ *** عليَّ، وعندَ المسلِمينَ قَبيحُ
5- وقال (ص: 298):
قد تَصبَّرْتُ، وهلْ يَصبِرُ قَلْبي عن فُؤادي؟
مازَجَتْ رُوحُك رُوحي في دُنُوِّي وبُعادي
فأنا أنتَ كما أنَّـك أنِّي ومُرادي
6- وقال (ص: 314):
وُجودُه بي، ووُجودِي به *** ووَصْفُه فهو له واصفُ
لولاهُ لم أعرِفْ رَشادي ولوْ *** لايَ لَما كان له عارِفُ
7- وقال (ص: 316) -مخاطبًا الله جلَّ جلاله-:
جُبِلَتْ رُوحُك في رُوحي كما *** يُجبَلُ العَنْبرُ بالمِسكِ العَبِقْ
فإذا مسَّكَ شَيءٌ مسَّني *** فإذا أنتَ أنا لا نَفترِقْ
8- وقال (ص: 319) -مخاطبًا الله عزَّ وجلَّ-:
مُزِجَت رُوحُك في رُوحي كما *** تُمزَجُ الخَمرةُ بالماءِ الزُّلالِ
فإذا مسَّكَ شَيءٌ مسَّني *** فإذا أنتَ أنا في كلِّ حالِ
9- وقولُه (ص: 324):
أَلَا أبْلِغْ أحِبَّائي بأنِّي *** رَكِبْتُ البحرَ وانْكَسَرَ السَّفِينَهْ
عَلى دِينِ الصَّليبِ يَكونُ مَوْتِي ** ولا الْبَطْحا أُرِيدُ ولا المَدِينهْ
10 - وقال (ص 324):
أأنتَ أمْ أنا هذا في إلهَينِ؟ *** حاشاكَ حاشايَ مِن إثباتِ اثنينِ
11- وقال (ص: 325):
عَجِبْتُ منكَ ومنِّي *** يا مُنْيةَ المتمنِّي
أدْنَيْتَني منكَ حتى *** ظَننتُ أنَّك أنِّي
وغِبْتُ في الوَجْدِ حتى *** أفْنَيْتَني بكَ عنِّي
12- وقال (ص: 327):
أنا أنتَ بلا شَكِّ *** فسُبحانَك سُبحاني
وتَوحيدُك تَوحيدِي *** وعِصيانُك عِصْيانِي
وإسْخاطُكَ إسْخاطي *** وغُفرانُك غُفْرانِي
13- وقولُه (ص: 330):
أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا *** نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا
فَإِذا أَبْصَرْتَني أبْصَرْتَهُ *** وَإِذا أَبْصَرْتَهُ أَبْصَرْتَنَا
14- وقولُه (ص: 334):
لَسْتُ بِالتَّوحيدِ أَلْهُو *** غَيرَ أنِّي عنْه أسْهُو
كَيفَ أسْهُو كَيفَ ألْهُو ** وصَحِيحٌ أَنَّني هُو
أقوالُه من كتابِه ((الطَّواسين)):
1- قال (ص: 190):
جُحُودِي فِيكَ تَقْديسُ *** وَعَقْلِي فِيكَ تَهْوِيسُ
وما آدَمُ إلَّاكَ *** وَمَن في الْبَيْنِ إِبْلِيسُ
2- وقال (ص: 192):
(تَناظرْتُ مع إبليسَ وفِرعونَ في الفُتوَّةِ (يعني: القُوَّةَ والسَّيطرةَ)؛ فقال إبليسُ: إنْ سجَدْتُ سقَطَ عنِّي اسمُ الفُتوَّةِ. وقال فِرعونُ: إنْ آمنْتُ برَسولِه سقَطْتُ مِن مَنزلةِ الفُتوَّةِ. وقلْتُ أنا أيضًا: إنْ رجَعْتُ عن دَعوايَ وقَولي سقَطْتُ مِن بِساطِ الفُتوَّةِ. وقال إبليسُ: { {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} } [الأعراف: 12] حين لم يَرَ غيرَه غَيرًا (يُشيرُ إلى وَحْدةِ الوُجودِ). وقال فِرْعونُ: { {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} } [القصص: 38] حين لم يَعرِفْ في قَومِه مَن يميِّزُ بيْن الحقِّ والباطلِ (ممَّا يَعني أنَّ فِرعونَ معذورٌ في قولِه ذاك!). وقلْتُ أنا: إنْ لم تَعرِفوه فاعْرِفوا آثارَه، وأنا ذلك الأثرُ، وأنا الحقُّ؛ لأنِّي ما زِلتُ أبدًا بالحقِّ حقًّا، فصاحبيَّا وأستاذيَّا إبليسُ وفِرعونُ. وإبليسُ هُدِّد بالنارِ وما رجَع عن دَعواه، وفِرعونُ أُغرِقَ في اليمِّ وما رجَع عن دَعواهُ ولم يُقِرَّ بالواسطةِ ألبتَّةَ، ولكنْ قال: { {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} } [يونس: 90]، وإن قُتِلْتُ، أو صُلِبْتُ، أو قُطِعَت يَداي ورِجلايَ؛ لَما رجَعْتُ عن دَعْوايَ).
كَلماتٌ مِن كتابه ((بُستان المَعرِفة)):
وهي كَلماتٌ أشْبَهُ بالطَّلاسمِ وتَفوحُ منها رائحةُ الحُلولِ.
قال (ص: 215-216) وهو يَصِفُ المعرفةَ:
(صاحبُها واحدٌ، ماحِقُها قاصدٌ، مارِسُها لاحِدٌ، وامِقُها رامِدٌ، لاصِقُها فاقدٌ، بارِقُها ماكدٌ، تارِقُها شاكدٌ، مارِقُها لاقِدٌ، سارِعُها جاهِدٌ، صارِعُها خامِدٌ، خائفُها زاهدٌ، لاعِدُها راصِدٌ، أطْنابُها، أرْبابُها، أسْبابُها، كأنَّها كأنَّها كأنَّها، كأنَّه كأنَّه، كأنَّه، كأنَّها كأنَّها، كأنَّه كأنَّه، بُنيانُها أرْكانُها، وأرْكانُها بُنيانُها، أصْحابُها أصْحابُها، بُنيانُها بها، لها بِها، لا هيَ هوَ، ولا هوَ هيَ، ولا هوَ إلَّا هيَ، ولا هيَ إلَّا هوَ، ولا هوَ إلَّا هوَ).
نقْلٌ من ((نصوص الولاية))
قال (ص: 223):
(أيُّها الناسُ، إنَّه يُحدِّثُ الخلْقَ تلطُّفًا فيَتجلَّى لهم، ثم يَستتِرُ عنهم تَربيةً لهم، فلولا تَجلِّيه لَكَفَروا جُملةً، ولولا سَتْرُه لَفُتِنوا جَميعًا، فلا يُدِيمُ عليهم إحْدى الحالتينِ، لكنَّني ليس يَستتِرُ عنِّي لَحظةً فأسْتريح، حتى استُهِلَكتْ ناسُوتِيَّتي في لاهُوتيَّتِه، وتلاشَى جِسْمي في أنوارِ ذاتِه، فلا عينٌ لي ولا أثرٌ، ولا وَجهٌ ولا خبرٌ).
نقولٌ مِن رَسائلِه لِأتباعِه:
1- قال (ص: 233):
(السَّلامُ عليك يا وَلَدي، ستَرَ اللهُ عنك ظاهرَ الشَّريعةِ، وكشَفَ لك حقيقةَ الكُفرِ؛ فإنَّ ظاهرَ الشَّريعةِ كُفْرٌ خَفِيٌّ، وحَقيقةَ الكُفرِ مَعرفةٌ جَلِيَّةٌ). وهذا النقلُ وَحْدَه يَكفي لمعرفةِ حَقيقةِ مَقاصِدِ المعتنِينَ به وبسِيرتِه؛ ففيه بُغيتُهم مِن تَجريءِ الناسِ على عدَمِ التقيُّدِ بحُدودِ الشرعِ، ولا الوقوفِ عِندَ رُسومِ الشريعةِ وأحكامِها الظاهرةِ؛ فإنَّ ظاهرَها -حسَبَ زَعمِه- كُفرٌ خفيٌّ! نعوذُ باللهِ من الضَّلالِ والإضلالِ.
2- وقال (ص: 235):
(يُمكِنُني أتكلَّمُ بمِثلِ هذا القُرآنِ).
3- وقال (ص: 243):
(الكُفرُ والإيمانُ يَفترِقانِ مِن حيث الاسمُ، وأمَّا مِن حيث الحقيقةُ فلا فرْقَ بيْنهما)
4- وقال (ص: 253):
(لو أُلقِيَ ممَّا في قلْبي ذرَّةٌ على جِبالِ الأرض لَذابَت، وإنِّي لو كنتُ يومَ القيامةِ في النارِ لَأحْرَقْتُ النارَ، ولو دخَلْتُ الجنَّةَ لَانهدَم بُنيانُها).
5- وقال (ص: 254):
(أصبَحْتُ لو طارتْ منِّي شَرارهْ، لَأحْرَقَت مالِكًا ونارَهْ) يعني: مالكًا خازِنَ النارِ.