أحكام مراتب الجرح والتعديل - أحكام المراتب (3)

منذ 2019-05-07

الراوي يُختبر ضبطه في نفسه بالنظر في أحاديثه جملة، وأنه قبل استيفاء النظرِ المُبَيِّنِ لحال الراوي، فليس أمام من احتاج إلى حديث من أحاديثه إلا أن يعتبر ذلك الحديث عند غير ذلك الراوي.

معنى: يُكتب حديثُه ويُنظر فيه:

سبق أن الإمام ابن أبي حاتم ذكر في سياق مراتب التعديل والجرح أربعةَ أحكام: الاحتجاج، والنظر، والاعتبار، والترك، وسبق الكلام على ثلاثة منها، وهي: الاحتجاج والاعتبار والترك.

وأما حكم "النظر"، فهو الذي عبّر عنه بقوله: "يُكتب حديثُه، ويُنظر فيه"، وذلك في مرتبتين من مراتب التعديل، وهما المرتبة الثانية والمرتبة الثالثة، فقال: "وإذا قيل: إنه صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا بأس به، فهو ممن يُكتَبُ حديثُه ويُنظَرُ فيه، وهي المنزلة الثانية. وإذا قيل: شيخ، فهو بالمنزلة الثالثة، يُكتَبُ حديثُه ويُنظَرُ فيه، إلا أنه دون الثانية".

وقبل الكلام على الأوجه المحتملة في تفسير "يكتب حديثه ويُنظر فيه" يحسن توضيح العلاقة بين الأحكام الأربعة عند ابن أبي حاتم من جهة الرتبة، فهي كما يلي:

1- المرتبة الأولى في التعديل، حكمها: الاحتجاج.

2- المرتبة الثانية في التعديل، حكمها: الكتابة والنظر.

3- المرتبة الثالثة في التعديل، حكمها: الكتابة والنظر، إلا أنها دون الثانية.

4- المرتبة الرابعة في التعديل، حكمها: الكتابة والاعتبار.

5- المرتبة الأولى من الجرح، حكمها: الكتابة والاعتبار [1].

6- المرتبة الثانية من الجرح، حكمها: الكتابة والاعتبار، بمنزلة الأولى من جهة الحكم.

7- المرتبة الثالثة من الجرح، حكمها: الكتابة والاعتبار، إلا أنها دون الثانية.

8- المرتبة الرابعة من الجرح، حكمها: ترك الكتابة.

ومن هذا العرض يظهر أن ابن أبي حاتم التزم سياقًا يدل على أن هذه الأحكام متدرجة، لأنه جعل النظر في المرتبتين اللتين تليان مرتبة الاحتجاج مباشرة، ثم استعمل الاعتبار في أربع مراتب متوالية تقع بعد المرتبتين اللتين حكمهما: النظر، قبل أن يختم بالمرتبة التي جعل حكمها الترك.

وهذا ظاهره: التفريق بين النظر والاعتبار، وأن النظر فوق الاعتبار، وأنه يقع في مرتبة وسيطة بين الاحتجاج وبين الاعتبار.

وأما المعاني التي يحتملها قول ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه وينظر فيه"، فهي:

الأول:أنه مثلُ قوله: "يكتب حديثه للاعتبار". وهذا الوجه يُعترض عليه بأن الأصل المغايرة بين معنى اللفظين، لا سيما مع التزام ابن أبي حاتم سياقًا يدل على التفريق بينهما كما سبق قبل قليل.

الثاني:أن قول ابن أبي حاتم: "ينظر فيه" دليل على عدم استيفاء البحث الكافي لمعرفة حال الراوي من الاحتجاج أو الاعتبار، فيتعين النظر في حديثه واختباره ثم الحكم لذلك الراوي بما يليق. وعلى هذا يدل كلام ابن الصلاح والسخاوي.

قال ابن الصلاح: "فيُنظر في حديثه ويُختبر حتى يُعرف ضبطُه. وإن لم يُسْتَوْفَ النظرُ المُعَرِّفُ لكون ذلك المحدّث في نفسه ضابطًا مطلقًا، واحتجنا إلى حديث من حديثه، اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا هل له أصل من رواية غيره" [2]. وتابعه السخاوي [3].

ومعنى هذا الكلام: أن الراوي يُختبر ضبطه في نفسه بالنظر في أحاديثه جملة، وأنه قبل استيفاء النظرِ المُبَيِّنِ لحال الراوي، فليس أمام من احتاج إلى حديث من أحاديثه إلا أن يعتبر ذلك الحديث عند غير ذلك الراوي.

ويُعترض على هذا التفسير بأربعة اعتراضات، وهي:

1- أن ذلك يقتضي أن الراوي الموصوف بلفظ من تلك الألفاظ التي حكمُها الكتابةُ والنظرُ، لم يتبين أمره للناقد أو لم يَسْتَوْفِ النظرَ في حديثه، وهذا خلاف ما يدل عليه تتبع مواضع إطلاق تلك الألفاظ كما هو معروف، فإن الكثير من تلك المواضع لا يستريب من مرّ بها في أن الناقد عرف ذلك الراوي وخبر حديثه، وأنه حكم عليه بمقتضى ما بلغه اجتهاده.

2- كما أن هذا التفسير يقتضي أن الناقد الذي أطلق ذلك الوصف لم يحكم على ذلك الراوي بحكم نهائي، ولكن طلب استئناف الحكم ممن يأتي بعده، وهذا فيه إلغاء لدلالة هذه الأوصاف على مدى الثقة بالراوي، وهو خلاف الأصل.

3- ثم من ذا الذي سيملك القدرة على الوصول إلى نتيجةٍ في راوٍ لم يَصِلْ فيه أئمةُ النقدِ إلى نتيجة، وإنما غاية اجتهادِ المتأخرِ أن يتدبّرَ أقوالَ السابقين ويفهمَ مقاصدَهم.

4- وبناء على ذلك، فإن هؤلاء الرواة سيؤول أمرهم إلى حكم الاعتبار حسبُ، لأن استيفاء النظر شرطٌ إذا لم يتحقق فالحكم عند ابن الصلاح: الاقتصار على الاعتبار، وهذا فيه مخالفة لما دلّ عليه سياق كلام ابن أبي حاتم من التفريق بين الحكمين، ويتضمن إنزال هؤلاء الرواة دون منازلهم.

يضاف إلى ذلك: أنه يلزم من أخذ بهذا القول في تفسير عبارة "يكتب حديثه وينظر فيه": أن لا يحتج بحديث الموصوفين بألفاظ المرتبة الثانية والثالثة، ومنها لفظ "صدوق" و"لا بأس به"، بل لا يسوغ له إلا أحد شيئين: إما أن يدرس حال الراوي دراسة مستوفاة ليختبر ضبطه، أو أن يقتصر على اعتبار حديثه المعين بحديث غيره!

وهذا اللازم يقتضي: إما نقد مسلك الاحتجاج بحديث من قيل فيه "صدوق" ونحوها، أو نقد كلام ابن الصلاح والسخاوي في تفسير عبارة "يكتب حديثه وينظر فيه"، وذلك أنهما شرحا تلك العبارة ليس على أنها اصطلاح لابن أبي حاتم، ولكن على أنها اصطلاح عام.

وبكل حال، فإن هذا الموضع يدل صراحة على أن ابن الصلاح لا يختار الاحتجاج بحديث أصحاب هذه الرتب، فمن أراد معرفة مذهب ابن الصلاح في كلمة "صدوق" ونحوها، فليس صحيحًا أن يتجاوز صريح عبارته هنا ويذهب إلى مواضع تحتمل في مقتضاها أكثر من وجه.

بل إن هذا ظاهر مذهب عامة المصنفين في علوم الحديث، ومنهم الحافظ السخاوي -وهو من أخص تلاميذ الحافظ ابن حجر- والحافظ السيوطي وغيرهما.

الثالث: أن قول ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه وينظر فيه" يفيد الاحتجاج بالراوي، لكن يشترط قبل الاحتجاج التحقق من ملازمة الراوي لوصف الضبط في ذلك الحديث بخصوصه، وهذا يعني أن حظه من الضبط يؤهله للاحتجاج، لكن بما أنه دون من يوصف بالإتقان صار من الاحتياط النظر في أحاديثه خشية غلطه، ولازم ذلك أنه يحتج به في الأصل حتى يتبين الغلط [4].

وهذا الوجه أقرب من الوجهين اللذين قبله، لأنه وافق دلالة سياق كلام ابن أبي حاتم في التفريق بين الاحتجاج والنظر والاعتبار، ووافق دلالة كلمة "ينظر فيه"، ولكنه أضاف شيئًا لا يدل عليه كلام ابن أبي حاتم، وهو أن الراوي معروف بالضبط، وإنما ينظر فيه للتيقن من ملازمته حالة الضبط المعروف بها، وهذا فيه نقاش؛ لأن كون الراوي معروفًا بالضبط استنتاج ليس في كلام أهل العلم ما يدل عليه، بل قد صرّحوا، كما سبق، أن هذه الألفاظ لا تشعر بشريطة الضبط.

الرابع:أن قول ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه، وينظر فيه" يقتضي التحقق من حفظ الراوي لكل حديث من أحاديثه بالنظر في القرائن الداخلية الملابسة للرواية والقرائن الخارجية التي هي أوسع من مجرد المتابعة، فهو وسط بين الاحتجاج والاعتبار، وله من كليهما نصيب، مع ترك الحكم على حديثه بحكمٍ عامٍ ابتداء، لصريح قول ابن أبي حاتم: "يُنظر فيه".

والفرق بين الراوي الذي يحتج بحديثه وبين الراوي الذي ينظر في حديثه: أن الطمأنينة لما يتفرد به الثاني دونها فيما يتفرد به الأول، لما في الثاني من قصور الضبط، فيحتاج إلى نظر في القرائن، ولا يحكم له إلا بعد استيفاء النظر.

والفرق بين الراوي الذي ينظر فيه والراوي الذي يعتبر به: أن الأول قد يقبل تفرده في بعض الأحاديث نظرًا لما يحتف بها من القرائن الداخلية أو الخارجية الدالة على أنه حفظ ذلك الحديث، وأما الثاني فيقتصر قبوله على اعتبار حديثه بحديث غيره من أهل الحفظ.

وهذا القول الرابع هو الأقرب في معنى "يكتب حديثه، وينظر فيه" [5]، للأدلة التالية:

الدليل الأول: أن سياق كلام ابن أبي حاتم يقتضي أن النظر درجة تحل وسطًا بين الاحتجاج والاعتبار، كما سبق بيانه.

الدليل الثاني: أن التفاوت الكبير في ضبط الرواة يبعد معه أن يكون الانتقال من الاحتجاج إلى الاعتبار انتقالًا حدّيًا، بحيث يكون الراوي العدل: إما مقبولًا حال التفرد، أو لا يقبل بحال إلا عند الموافقة؛ بل إن كلام ابن أبي حاتم دل على أن النظر نفسه له مرتبتان قبل مراتب الاعتبار، وإن إحدى مراتب النظر دون المرتبة الثانية.

الدليل الثالث:قول ابن رجب في وصف طريقة أئمة النقد: "لهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه" [6]، ينطبق أكثر ما ينطبق على الرواة المتوسطين بين الثقة والضعف؛ لأن هؤلاء هم أكثر من يحصل التفاوت في ضبطهم لأحاديثهم، ولا ريب أن للمرجحات أثرًا في نقد الأئمة لمروياتهم، ومن التحَكُّم: حصر تلك المرجحات في المتابعات دون سائر القرائن، فإذا اختص مصطلح الاعتبار بالمتابعات، اقتضى ذلك أن يوجد مصطلح يشمل غيرها من القرائن، وهذا المصطلح هو النظر.

الدليل الرابع: أن إعلال الأحاديث كما أنه يستند إلى الاعتبارات وإلى القرائن الداخلية والخارجية، وبناء على ذلك ربما يحكم على الراوي الثقة بأنه لم يحفظ ذلك الحديث؛ فكذلك الحكم للراوي النازل عن رتبة الإتقان بأنه حفظ حديثًا معينًا يستند إلى الاعتبار وإلى النظر في القرائن عمومًا؛ لأن جهة النقد تنصب في الحالتين على ترجيح كون الحديث محفوظًا أو غير محفوظ، فمهما ظفر الناقد بأدلة ترجح أحد الأمرين حكم بما دل عليه اجتهاده.

الدليل الخامس: ما يوجد في كلام الأئمة من الشواهد الدالة على اعتماد القرائن الداخلية في الترجيح، مثل أن يكون في الحديث قصة [7]، أو أن يأتي الراوي الصدوق المستضعف في حفظه بسياق لا يسبق إلى ذهن سيء الحفظ [8]، ونحو ذلك من الاستدلالات التي وإن لم تُعَدّ ضوابط كلية، إلا أنها لم تهمل، بل الأمر فيها متفاوت -كالأمر في أسباب إعلال أحاديث الثقات- تارة تستعمل لترجيح كون الحديث محفوظًا، وتارة يكون الظن بأنه غير محفوظ أقوى من الظن الحاصل بمثل هذه المرجحات.

الدليل السادس: أن المتتبع للممارسة النقدية عند الأئمة يجد الكثير من الشواهد على حالات لا تدخل تحت مرتبة الاحتجاج، وهي أرفع من مرتبة الاعتبار، وتعدّ موافقة للتفسير المتقدّم لمصطلح "النظر".

ومن ذلك:

قال البخاري: "رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" [9]. وهو احتجاج يستند إلى النظر في كل حديث؛ لأن عمرو بن شعيب متكلم في روايته عن أبيه عن جده من جهتين: أنها وجادة، وأنه يقع فيها مناكير [10].

يدل على ذلك: قول الأثرم: "سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، سئل عن عمرو بن شعيب، فقال: أنا أكتب حديثه، وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه" [11]. وقول أبي داود: "سمعت أحمد ذُكر له عمرو بن شعيب، فقال: أصحاب الحديث: إذا شاءوا احتجوا به، وإذا شاءوا تركوه" [12]. أي بحسب ما يترجح عندهم من النظر في كلّ حديث [13].

قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي، يحتجون بحديثه يعني: عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مقارب الحديث [14].

ولم ينقل عن أحمد لفظ في تعديل ابن عقيل، مع أنه استضعفه في غير رواية عنه [15]، ولكن مراد البخاري أنهم كتبوا عنه، واحتجوا ببعض حديثه، أي أن له نصيبًا من الاحتجاج، هو مطلق الاحتجاج، وليس كالاحتجاج بالثقات، بدليل أن البخاري وصفه بما يقتضي أنه عنده دون الثقات. ويؤيد ذلك أن أحمد بن حنبل صحح لابن عقيل حديثًا تفرّد به، وتابعه البخاري على تصحيحه، وتابعهما الترمذي، وهو حديثه عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش رضي الله عنها، في الاستحاضة [16].

تكلّم جمهور النقاد في حفظ يزيد بن أبي زياد، في أول أمره وآخره، وأشار طائفة منهم إلى أنه تغير بأَخَرة وأصبح يتلقن، فصار أضعف مما كان [17].

ومع ذلك فقد قبل منه الأئمة حديثًا رواه قبل التغير، وردوا لفظًا زاده في ذلك الحديث بأَخَرَة، وهو حديثه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه.

أخرجه الحميدي في "مسنده" 2/ 316 رقم724، عن سفيان بن عيينة عنه، وقال: قال سفيان: وقدمت الكوفة، فسمعته يحدث به، فزاد فيه: "ثم لا يعود"، فظننت أنهم لَقّنوه.

وأخرجه البخاري في "جزء رفع اليدين" ص117-جلاء العينين رقم34، عن الحميدي به. وقال البخاري: وكذلك روى الحفاظ، من سمع من يزيد بن أبي زياد قديمًا، منهم الثوري وشعبة وزهير، ليس فيه "ثم لم يَعُدْ".

فقبولهم للحديث قبل التغير ليس من جهة الاحتجاج بيزيد بن أبي زياد كالاحتجاج بالثقات، ولكن من جهة النظر في القرائن الذي هو أوسع من طلب المتابعة الخاصة، فمع أن هذا الحديث كما رواه يزيد قديمًا له شواهد، إلا أنه تفرد بالسند، فاعتمدوه فيه، وهو اعتماد نسبي يقتضي ترجيح أنه حفظ ذلك الطريق بخصوصه.

فهذه ستة أدلة ترجح أن معنى قول ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه، وينظر فيه"، أي: ينظر في حديثه المعين، ولا يحكم له بشيء كلي كما يحكم للثقات.

لكن لا بدّ من التنبيه على أن الرواة المشمولين بهذا الحكم ليسوا مرتبة واحدة، بل يتفاضلون، كما أن الرواة المشمولين بحكم الاحتجاج أو حكم الاعتبار يتفاضلون، وبناء على ذلك، فيمكن القول بأن بعض الرواة يُغَلّب جانب الاحتجاج بهم، وبعضهم يُغَلّب جانب ترك الاحتجاج بهم، مما يعني ضرورة دراسة ترجمة الراوي بالتفصيل لمعرفة ما أخذه عليه النقاد والقياس عليه عند النظر في حديث معين له.

ثم لا ريب أن تفقد القرائن أخفى من تفقد المتابعات، وأن لأئمة النقد الأوائل من ذلك قدرًا لا يبلغُ مَنْ بعدهم أَقَـلَّـه؛ فصار الاعتداد بالقرائن عند من بعدهم مرهون بأحكام الأوائل، فإذا وقف المتأخر على حديث يرويه راو صدوق موصوف بما يدل على لين الحفظ، ووجد قولًا بقبوله لأحد الأئمة المعتبرين أو لأكثر، ولم يجد فيهم مخالفًا؛ فإنه لا يحسن الحكم بضعفه لمجرّد أن ذلك الراوي اللينَ حفظُه قد تفرّد به، وعلى ذلك يحمل قبول الأحاديث التي أخرجها الشيخان في "الصحيحين" على سبيل الانتقاء. مع أن الذي يجتهد في البحث عن القرائن، ويكون على إلمام كافٍ بمذاهب الأئمة، سيقف على شيء منها في ذلك الحديث بتوفيق الله تعالى، وستكون طريقًا له في فهم نظائرها.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] قول ابن أبي حاتم في هذه المرتبة: "يُكتَبُ حديثُه، ويُنظَرُ فيه اعتبارًا"، لم يطلق النظر، بل جعله نظرًا مقيدًا بالاعتبار، فصار بمعنى: "يكتب حديثه للاعتبار"، وهذا يتفق مع تسلسل الأحكام بحسب المراتب.

[2] مقدمة ابن الصلاح (ص158).

[3] فتح المغيث (2 / 116 - 117).

[4] انظر: بحث "دلالة النظر والاعتبار عند المحدثين في مراتب الجرح والتعديل"، ضمن مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي، الصادرة عن مركز البحث العلمي في جامعة الملك عبد العزيز، العدد الثاني، ص:53-62، للدكتور أحمد محمد نور سيف، ويؤخذ عليه أنه فسّر كلام السخاوي بهذا التفسير، مع أن السخاوي في "فتح المغيث" (2 / 116 - 117) إنما نقل قول ابن الصلاح في هيئة المقر له، وكلام ابن الصلاح كما سبق صريح في أن الاختبار لمعرفة ضبط الراوي في نفسه، لا ضبطه في ذلك الحديث بخصوصه.

[5] مال إلى هذا القول: فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبد الله اللاحم، وهو أحد أعلام الباحثين المعاصرين في الحديث وعلومه. انظر كتابه "الجرح والتعديل" (ص300). ومن حقي أن أشير هنا إلى أنني توصلتُ إلى هذه النتيجة في أثناء البحث المشار إليه في صدر هذا الموضوع، قبل الوقوف على كلامه (حفظه الله)، ولكني كنتُ مترددًا في تقييده برغم ما ذكرتُه من الأدلة لقوة اتصال هذه المسألة بحكم حديث الصدوق ومن في مرتبته، وعندما وقفتُ على كلامه (وفقه الله) زال التردد.

[6] شرح علل الترمذي (2/ 582).

[7] قال أحمد بن حنبل: "إذا كان في الحديث قصة دل على أن راوية حفظه". "هدي الساري" (ص382)، عند الحديث الثاني والأربعين، من الفصل الثامن.

[8] انظر مثالًا صريحًا على ذلك في كتاب "العلل" لا بن أبي حاتم (1 / 171)، فقد رجح أبو حاتم سياقًا أتى به ابن لهيعة، فسأله ابنه عن وجه ذلك، فقال: "لأن في رواية ابن لهيعة زيادة رجل، ولو كان نقصان رجل كان أسهل على ابن لهيعة حفظه". وفي ترجمة أشعث بن سوار من الباب الثاني في هذا البحث، عند دراسة حديث له مال البخاري إلى أنه محفوظ، يُنظر توجيه اختيار البخاري.

[9] التاريخ الكبير (6/ 342 - 343).

[10] النبلاء (5 / 175). ولعمرو بن شعيب ترجمة مطولة في "تهذيب التهذيب" (8/ 48 - 55)، كما أن له ترجمة في هذا البحث عند دراسة حديث لعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، في الفصل الأول من الباب الأول.

[11] الجرح والتعديل (6/ 238).

[12] سؤالات أبي داود (رقم216). والمقصود بالترك هنا: ترك الاحتجاج، وليس الترك الاصطلاحي.

[13] يُنظر: ص:371-372، من هذا البحث.

[14] "جامع الترمذي" (1/ 9)، أبواب الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، بلفظ "كان أحمد بن حنبل.." الخ. و"العلل الكبير" (ص22)، باب مفتاح الصلاة الطهور، بهذا اللفظ.

[15] له دراسة موسعة في قسم الرواة الذين قال فيهم البخاري: "مقارب الحديث" من هذا البحث.

[16] انظر (ص:445-446) من هذا البحث.

[17] ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 135)، سير أعلام النبلاء (6/ 129)، ميزان الاعتدال (4/ 423)، تهذيب التهذيب (11/ 329). وله ترجمة موسعة في الفصل الأول من الباب الثاني من هذا البحث، في قسم الرواة الذين قال فيهم البخاري: "صدوق".

  • 0
  • 0
  • 3,038
المقال السابق
أحكام المراتب (2)
المقال التالي
أحكام المراتب (4)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً