بداية الشرك على الأرض
بكر بن عبد الله أبو زيد
أول وقوع الشرك في قوم نوح من الغلو في القبور: ثم كان من مكايد الشيطان أن اختلفوا بعد ذلك بتركهم اتباع الأنبياء فيما أمروا به من التوحيد والدين، ووقعوا في الشرك بسبب تعظيم الموتى.
- التصنيفات: التوحيد وأنواعه -
الأصل في بني آدم هو: "التوحيد" وهو المقصود الذي خلقوا له فيما أمرهم الله به على ألسنة أنبيائه ورسله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقد كان الناس على هذا الأصل: كلهم على الإسلام والتوحيد، والإخلاص، والفطرة، والسداد، والاستقامة: الأمة واحدة، والدين واحد، والمعبود واحد.
وذلك من أبينا أبي البشر نبي الله آدم -عليه السلام- إلى قُبيل عهد رسول الله نوح -عليه السلام- كلهم على الهدى، وعلى شريعة من الحق؛ لاتباعهم النبوة.
أول وقوع الشرك في قوم نوح من الغلو في القبور: ثم كان من مكايد الشيطان أن اختلفوا بعد ذلك بتركهم اتباع الأنبياء فيما أمروا به من التوحيد والدين، ووقعوا في الشرك بسبب تعظيم الموتى، عندئذٍ انقسموا: موحدين، ومشركين.
هكذا نفذ الشيطان إلى قلوبهم بإدباب الخلاف بينهم بترك اتباع الأنبياء، وكادهم بتعظيم موتاهم حتى عكفوا على قبورهم، ثم كادهم بتصوير تماثيلهم، ثم كادهم بعبادتهم، فكان هؤلاء المشركون في قوم نوح هم أول صنف من المشركين وشركهم هذا: "تعظيم الموتى" هو الشرك الأرضي، وهو أول شرك بالله، طرق العَالَم، وكان نوح -عليه السلام- هو أول رسول بُعِث إلى المشركين.
قال غير واحد من السلف في قول الله - تعالى -: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]، "إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم بعد ذلك عبدوهم، وذلك أول ما عبدت الأصنام، وأن هذه الأصنام صارت إلى العرب. . . " ابتدعوا الشرك، وابتدعوا عبادة الأوثان، بدعة من تلقاء أنفسهم بشبهات
زينها الشيطان لهم بالمقاييس الفاسدة، والفلسفة الحائدة.
قال البخاري في: "صحيحه" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يدعون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تُعبَد حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم: عُبدت".
عندئذٍ لما عبدت الأصنام، والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، بعث الله -رحمة بعباده- أول رسول إلى أهل الأرض وهو: رسول الله نوح -عليه السلام- وهو: نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ -وهو نبي الله إدريس عليه السلام- بن يرد بن مهلايبل بن قينن بن أنوش بن نبي الله شيث -عليه السلام- بن آدم أبي البشر -عليه السلام-.
وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام كما في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
ومكث نوح -عليه السلام- في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما. يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وينهاهم عن عبادة ما سواه فلما أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن أهلكهم الله بالغرق بدعوته. وجاءت الرسل من بعده تترى.
سَمّى الله منهم في القرآن العظيم:
هودا -عليه السلام- وهو: هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح -عليه السلام- وهو أول نبي من نسل العرب، بعثه الله في الأحقاف بحضرموت وهم قومه: عاد الأولى، وهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، كما فصل الله ذلك في سورة الأعراف: [65-72]. وفي سورة هود: [50-60]. وفي سورة المؤمنون: [31-41]. وفي سورة الشعراء: [123-140] وفي سورة: (حم السجدة): [15-16]. وفي سورة الأحقاف: [21-25] . وغيرها من سور القرآن الكريم.
ونبي الله صالحا -عليه السلام- وهو: صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح.
وهو ثاني نبي من نسل العرب بعثه الله في قومه ثمود، بعد نبي الله هود في عاد. وقد ذكر الله في القرآن العظيم من خبرهم مع نبيهم، وخبر الناقة وإصرارهم على عبادة الأصنام، في عدة سور من القرآن، في السور المذكورة، وفي سورة الحجر، وغيرها.