أنواع الغضب
أحمد علوان
الغضب المحمود: فما كان لله، وأما المذموم: فما كان للنفس، أو للهوى، أو للشيطان، أو لأمر من أمور الدنيا.
- التصنيفات: تزكية النفس - قصص مؤثرة -
مِن الغضب ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم:
فأما المحمود: فما كان لله، كما كان رسول الله لا يغضب إلا إذا انتُهكت حرماتُ الله، وفي ذلك يقول شوقي:
فإذا غضِبْتَ فإنما هي غَضْبةٌ * * * للحقِّ لا ضِغْنٌ ولا شَحْناءُ
وقد قال ربنا حكاية عن موسى عليه السلام عندما رجَع لقومه فوجدهم يعبُدون العِجل: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150].
وأما المذموم: فما كان للنفس، أو للهوى، أو للشيطان، أو لأمر من أمور الدنيا،
وفي ذلك يذكر الإمام الغزالي قصة، وفيها أن "رجلًا عابدًا بلغه أن قومًا يعبدون شجرة، فغضب لذلك، وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليسُ في صورة شيخ، فقال: أين تريد رحمك الله؟
قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك؟ تركتَ عبادتَك واشتغالك بنفسك وتفرغتَ لغير ذلك،
فقال: إن هذا من عبادتي، قال: فإنى لا أتركك أن تقطعها، فقاتله، فقال إبليس: يا هذا، إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرِضْه عليك، فقال العابد: لا بد لي من قطعها، فنابَذه للقتال، فغلبه العابد وصرعه، فعجز إبليس، فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال: وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه، فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك، إنما أنت كَلٌّ على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسيَ جيرانك، قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك عليَّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارينِ إذا أصبحت، فأنفقت على نفسك وعيالك، فتفكر العابد فيما قال،
وقال: صدق الشيخ، فرجع العابد إلى متعبده، فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه، فأخذهما، وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم يرَ شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له:
إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبتَ، والله ما أنت بقادر على ذلك، قال: فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال: هيهاتَ! فأخذه إبليسُ وصرعه، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به،
قال: يا هذا، غلبتَني، فخَلِّ عني وأخبرني كيف غلبتك أولًا وغلبتني الآن، فقال: لأنك غضبت أول مرة لله، وكانت نيتُك الآخرةَ، فسخَّرني الله لك، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا، فصرعتُك".