معركة بدر - (1) بين يدي غزوة بدر الكبرى
معركة بدر تاريخ؛ لأنها معركة حاسمة، وقد سمى الله ذلك اليوم بيوم الفرقان، ففيه انقلبت موازين الجزيرة رأساً على عقب، تغير في ذلك اليوم ميزان القوة في الأرض كلها وليس في تلك البقعة فقط، فتلك المواجهة كانت نقطة التحول والتغيير في مجرى البشرية كلها.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: يقول الله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وقد أعد المسلمون لهم قوة أول ما قدموا المدينة، فبدءوا يناوشون قريشاً كقوة أخرى في المنطقة، وبدءوا يسيطرون على الوضع على طريق الشام، فتحكموا في ذهاب القوافل وفي قدومها، وأصبح للمسلمين قوة تفعل وتأمر وتنهى، فتهاجم وتصالح وتعادي، وأصبحت دولتهم قائمة، وزادت حدة المواجهات بينها وبين مكة،
وأضر المسلمون قريشاً في تجارتهم، فحاولت قريش أن تؤلب القبائل في الجزيرة ضد المسلمين؛ وذلك أنهم استولوا على قافلتهم، وقتلوا من رجالهم في أول شهر رجب، فجاء القرآن يبين ألا حرج على هؤلاء، وأن ما تقوم به قريش أعظم مما فعله أولائك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]، فصد الناس عن دين الله أعظم فتنة تكون في الأرض.
وسنبدأ بالحديث عن معركة بدر، وقد حدثت قبلها غزوات قادت إلى هذه المواجهة، ومن ذلك الخروج إلى قافلة كانت منطلقة إلى الشام، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لملاقاتها لكن التوقيت اختلف هذه المرة، لكن القافلة سترجع مرة ثانية، وسيتربص بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين عودتها.
والحقيقة أن معركة بدر تاريخ؛ لأنها معركة حاسمة، وقد سمى الله ذلك اليوم بيوم الفرقان، ففيه انقلبت موازين الجزيرة رأساً على عقب، تغير في ذلك اليوم ميزان القوة في الأرض كلها وليس في تلك البقعة فقط، فتلك المواجهة كانت نقطة التحول والتغيير في مجرى البشرية كلها.
فليس هناك معركة حاسمة كيوم بدر، تلك المعركة هي معركة العقيدة، انتصرت فيها العقيدة السليمة على العقيدة الباطلة، مع أن تلك العقيدة الباطلة في قواميس القوى الحربية تملك كل عوامل الانتصار، لكن الانتصار لا يكون للعقائد الباطلة، فالأمم لا تنتصر إلا بالعقائد، ولا تقاتل إلا من أجل العقائد.
والآن يقاتلوننا رفعاً لتوراتهم وإنجيلهم، ونحن نضع القرآن خلف الصفوف، ووالله! لن ننتصر عليهم إلا إذا جعلنا القرآن والإسلام في المواجهة.
فقد انتصرت العقيدة السليمة على العقيدة الفاسدة في ذلك اليوم، انتصرت لا إله إلا الله التي لا تقف لها قوة في الأرض ولا في السماء، بشرط: أن أهل هذا المعتقد يعرفون معناها ويقومون بمقتضاها، فإن قاموا بذلك فوالله لن تضرهم قلة، ولن تضرهم كثرة؛ ولذلك قال الله تعالى عن ذلك اليوم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
فقد كانت العقيدة هي السلاح الأول والأخير للمقاتلين، والمسلمون ما خرجوا أصلاً لقتال ولا تسلحوا بعدة القتال، فما أخذوا سيوفاً كافية، ولا أخذوا دروعاً، ولا أخذوا حتى زاداً يكفيهم للمواجهة، فلم يكن معهم سلاح ذلك اليوم إلا سلاح العقيدة، وكفى به سلاحاً.
وهذا ليس معناه أن نهمل جانب إعداد السلاح، فالله تعالى يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وهل تظنون أننا سنمتلك قوة ذرية ونووية؟ لن نحصل على هذه القوة، ولن ننتصر بهذا السلاح، بل سننتصر بقول الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، وأسألكم بالله: إذا جاءت الملائكة ماذا تصنع أسلحتهم؟! ماذا تغني عنهم دباباتهم وطائراتهم وقنابلهم؟! فجبريل بجناح واحد يغطي مشرق الأرض ومغربها! بطرف جناح رفع قرى قوم لوط إلى عنان السماء، وجعل عاليها سافلها! ونحن نريد أن نعرف من سياق الحديث كيف جعل الله جبريل وميكائيل يقاتلون معهم؟ ونريد أن نعرف كيف استطاعوا أن يستغيثوا بالله فأنزل الملائكة معهم؟ {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124- 125]، فالذين نصرهم بالأمس قادر على نصرنا اليوم.
وأذكر أني قرأت هذا الخبر عن المجاهدين في البوسنة، تقول إذاعات الصرب: إن كتيبة من المجاهدين هاجمت قرية من قراهم التي يتمركزون فيها، وقد أبيدت القرية من أولها إلى آخرها، وقضى المجاهدون على الصرب من أولهم إلى آخرهم، ودمروا أسلحتهم في ذلك الحصن الذي تحصنوا فيه.
وتقول مصادرهم: إن عدد المجاهدين أكثر من خمسة آلاف، بينما تقول مصادرنا: إن عددهم خمسون مجاهداً، لكن إذا انطلقت التكبيرات من هنا وهناك حدث كما قال الله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]، أي قوة تستطيع أن تقف أمام هذا؟! فهم يقولون: كان المجاهدون خمسة آلاف، والمصادر الصادقة تقول: لم يكونوا سوى خمسين مجاهداً، لكنهم انتصروا بالعقيدة، وأمدهم الله بنصر من السماء!
خالد الراشد
إمام وخطيب جامع فهد بن مفلح السبيعي ـ بالخبر. المشرف العام على موقع قوافل العائدين والعائدات.
- التصنيف: