يوميات الثورات العربية.. 1 ـ (المؤتمر القومي- الإسلامي)
المشكلة الأكبر هي في الداخل، هي في الطغيان المدمر للشخصية الإنسانية ، يجب محاربة هذا الطغيان الذي أفقر البلاد والعباد، ووضع كل إمكانيات البلاد تحت تصرف العدو..
مازال خطاب المؤتمر القومي ـ الإسلامي الساذج، يعيش زمن الشعارات
التي تأسر صاحبها، فلا يتنبه للذين يتقنون فن الباطن والظاهر، الذين
يعلنون شيئا ويخفون أشياء، ولا يتنبه للواقع المتغير، الواقع الحقيقي
لبعض الأنظمة التي ترفع تلك الشعارات فتخدعه عن نفسه ويجري وراءها،
وما هي إلا سراب.
عجبت لبعض أعضاء المؤتمر القومي - الإسلامي الذي عقد مؤخرا في بيروت،
عجبت للذين يتكلمون عن (الممانعة) وما أدراك ما الممانعة، إنهم يقصدون
النظام السوري الذي يوصف عادة بهذا الوصف . هل هذه سذاجة سياسية حيث
يضعون هذا الوسام على صدر النظام السوري، أم هي السهولة التي وصف بها
ابن خلدون الشخصية العربية عندما لا ترتفع إلى درجة التحضر الإسلامي،
السهولة التي تلتقط الوصف وتعيده وتكرره دون تمحيص ودون أن تتعب نفسها
في تحري الحق ومعرفة حقيقة هذه الشعارات.
الكل يعلم أيها القوميون،اليساريون،المسلمون، الكل يعلم أمريكا ،
المهيمنة ، المتعجرفة ، الرأسمالية ، المحتلة ، المؤيدة للعدو
الصهيوني ،..ولكن هل كل من يسميها الشيطان الأكبر هو صادق في دعواه ،
أم هي الشعارات المناسبة لخداع الجماهير، بينما العلاقات في الباطن
على أحسن ما يكون لتقاسم الكعكة في المنطقة العربية .
هل مازال الشعار ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) يأسر البعض، ولذلك
فلا مانع أن يستمر الاستبداد والظلم والقهر والفساد ، كل هذا مقبول ما
دامت الدولة تقول عن نفسها أنها دولة الممانعة، وأنها تحتضن (المقاومة
) وما هذا (الاحتضان ) إلا للاستفادة منه في المناورة والمفاوضة مع
أمريكا و"إسرائيل".
هل من لوازم الممانعة الاستبداد وإشاعة الظلم وارتكاب كل الموبقات؟
وإذا كان هناك ممانعة ، فهل يجب على المثقف عضو المؤتمر القومي -
الإسلامي السكوت عن المعتقلات السياسية وعن التعذيب وعن نهب المال
العام ؟ هل هناك عقدة أسمها أمريكا، وأي نظام أو زعيم يتحدث عن
الشيطان الأكبر يجب أن يسكت عن استعباده للشعوب.
هل الأخ الأكبر (الاتحاد السوفيتي ) مازال حاضرا غير قابل للتعزية،
يقرر ما يتعين علينا من مجابهة ( السوق) والغرب و الرأسمالية ؟ هل ما
زال يفرض علينا رؤيته للعالم، وإذا كان هذا الشبح السوفيتي اختفى ،
والحرب الباردة انتهت هل نبعث هذا الشبح من جديد، وكل من يرفع شعارات
ضد أمريكا نصدقه ولو كان كذابا أشرا.
المشكلة الأكبر هي في الداخل، هي في الطغيان المدمر للشخصية
الإنسانية ، يجب محاربة هذا الطغيان الذي أفقر البلاد والعباد، ووضع
كل إمكانيات البلاد تحت تصرف العدو.
من الذي ألجأ الشعب الليبي لطلب المساعدات من الأمم المتحدة ومن
الغرب ؟ أليس الطاغية الذي فاقت تصرفاته كل وحشية الاستعمار في القرون
الماضية، وفاقت كل احتلال أجنبي لبلد عربي ومسلم، لماذا نصل دائما إلى
حافة الهاوية ما يفعله أبناء جلدتنا يجعل الناس في حالة من الشدة
واليأس والخراب، ويقولون : لم يُفعل بنا أيام الاستعمار مثل هذا . أحد
أعضاء المؤتمر ينتقد مطلب الشعب الليبي ويقول : كالمستجير من الرمضاء
بالنار، ماذا يريد عضو المؤتمر القومي - الإسلامي ؟ هل يريد أن تدمر
ليبيا عن بكرة أبيها ، لا أحد من الشرفاء العقلاء يريد التدخل الأجنبي
ولكن هل تتدخل الدول العربية أو الشعوب العربية لمساعدة أخوانهم
المظلومين في ليبيا ؟ نحن نعلم أن الغرب لا يساعد إنسانيا - إلا قليلا
منهم- وله مصالح اقتصادية ، وإذا كانت اقتصادية تبادلية فما المانع ،
فهذا أهون الشريّن .
الذين يتحدثون عن (الممانعة) يظنون أن مشكلة فلسطين يمكن أن تحل
فلسطينيا، وهذا خطأ كبير، فهي مشكلة عربية إسلامية فلسطينية ، وإذا
كان كل شعب يريد أن يحل مشكلته دون التفات إلى الشعوب المجاورة ، ودون
اهتمام بمشاكل الشعوب المجاورة الشقيقة فهذا شيء مؤسف.
عضو المؤتمر نعيم قاسم يقول: إن كل الثورات في مصلحة القضية
الفلسطينية ، وإذا كان هذا صحيحا فلماذا لا تنسحب هذه المقولة على
الثورة في سورية ؟ الجواب معروف ولكنه التناقض بعينه، أن يؤيد الثورة
ضد الظلم هناك ولا يؤيد الثورة ضد الظلم هنا . هي أمور ملتبسة على
بعض، وسكوت ومداهنة للباطل لغرض وهوى أما الحقائق فلا يدركها إلا أولو
الألباب
24/5/1432 هـ
- التصنيف: