بين فتنة الخير وفتنة الشر
فيا أيها المبتلون بفتنة الشهرة والمال الحرام، إنّ الحياة التي تفتنون بها قصيرة، وإن المال الذي يذهلكم يزول، وإن الشهرة الزائفة لا معنى لها!
الابتلاء بالخير أشدّ من الابتلاء بالشر. فقد طُبع الإنسان على التسلح والنهوض لابتلاء الشر، والاصطبار لضروب الشدائد والمحن. أمّا الابتلاء بالخير، فيأتي في غمرة الغفلة، يأتي بكل ترحاب وسرور، فنرى أنه غناء، ولا ندري أنه ابتلاء، ونرى أنه يسر، ولا ندري أنه عسر!
وقد نصبر على الفقر والكفاح والجراح؛ ولكن من يصبر على السعة والرخاء والنعماء؟ من يصبر على الشهوات تذل أعناق الرجال؟ ومن يصبر على الرغد والاسترخاء يهبط من عل بالأرواح!
وقد يصبر كثير من الناس على الابتلاء بالمرض والفقر والضعف وضيق ذات اليد، لكن القليل يصبر على السعة والاغتناء، وعلى الابتلاء بالصحة والغنى، بالسلطة والسطوة، وبسعة ذات اليد، فلا يكبح جماح قوة، ولا يدرك الحكمة من وراء يسار!
والكثيرون يصبرون على الحرمان، فلا تهوي نفوسهم، ولا تذل، ولا تلين؛ لكنهم لا يطيقون صبرا عن مفارقة مذاق الثراء والغناء، فتهون كرامتهم، وتخضع أعناقهم، وتضل آراؤهم، وتذوب قناعاتهم، وتنقلب موازينهم، فيستحيل الحرام في رأيهم حلالا، والبغيض محبوبا، ويغدو اللص في نظرهم شريفا، والخائن أمينا.
إنّ فتنة الشرّ قد تثير الإباء والكبرياء، وتبعث الأنفة والاعتزاز. أمّا فتنة الخير، فتسدل جفون عين اليقظة، فيعمى البصر، وترخي الأطراف، فتشل الحراك.
فيا أيها المبتلون بفتنة الشهرة والمال الحرام، إنّ الحياة التي تفتنون بها قصيرة، وإن المال الذي يذهلكم يزول، وإن الشهرة الزائفة لا معنى لها!
هاني مراد
- التصنيف: