كيف تكون مروضا لنفسك
فخلف من بعدهم خلف – للأسف – تقيدهم أنفسهم ولا يقيدونها, لا تهمهم إلا أنفسهم, لا تهمهم إلا أمزجتهم, لا تهمهم إلا رغباتهم الشخصية وحظوظهم الدنيوية
كيف تكون مروضا لنفسك حتى تصير منقادة لك؟!
اعلم أن النفس كالطفل الصغير إن أرضعتها ترضع وإن فطمتها تنفطم أي إن رغبتها ترغب, وإن منعتها تمتنع وإن رددتها إلى قليل تقنع ,وإن حملتها إلى طلب المعالي والهمة العالية تطلعت, وإن رددتها إلى طلب سفاسف الأمور والهمة الدونية ستقنع بها!.
فقد كان السلف الصالح - رضوان الله عليهم -يقيدون أنفسهم نحو المعالي لكونهم أصحاب الهمم العالية كما لا ينقادون لها أبداً فخلف من بعدهم خلف – للأسف – تقيدهم أنفسهم ولا يقيدونها, لا تهمهم إلا أنفسهم, لا تهمهم إلا أمزجتهم, لا تهمهم إلا رغباتهم الشخصية وحظوظهم الدنيوية مخالفين قوله تعالى { {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} } [ الأحزاب: 36 ]
فقد قرأت في بعض الكتب أن رجلا من الصالحين روَّض نفسه فأجاعها ثلاثة أيام قال: ثم رأت كسرة من الخبز مرمى في زاوية من البيت فهبت لتأكل به فقال لها أي لنفسه : رويدا ثم أخذها وخلطها بقليل من الإيدام فرضيت به.
هكذا كانوا ريروضون أنفسهم , وللغزالي في كتابه إحياء علوم الدين كلام طويل في كيفية الرياضة فليرجع إليه من شاء.
فلابد إذاً من تربية النفس على الفضائل , وتربيتها على الأعمال الصالحات وترك المنكرات, وتربية النفس على التحمل والصبر وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة ولكن المقصود ليس بالعلم فحسب بل لابد من تشمير الساعد للاهتمام لذلك مع التطبيق العملي لها قال تعالى { { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ * الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } } [ السمس : 1- 8 ]
فهنا كما ترى قسم لسبع مخلوقات لحقيقة واحدة ألا وهي النفس,, وهذا بلا ريب ما يدل على أهميتها البالغة في إصلاح الأفراد والمجتمعات.
والنفوس تنقسم على ثلاثة أقسام رئيسية كالتالي:
أولها: أفضلها وهي النفس المطمئنة على الإيمان وعلى طاعة الله وعلى الكف عن معاصي الله والدليل على ذلك قوله تعالى { {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} } [ الفجر:27-30 ]
ثانيها: النفس اللوامة, وقد بلغت من فضيلتها إلى أن قسم الله بها كما قال تعالى{ {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } } [ القيامة:2 ]
وهي التي تتعثر في الطريق ثم تقوم متذكرة بربها ملومة لنفسها التي غلبها الشيطان فتتوب ثم تتعثر مرة ثانية في الطريق فتتوب وهكذا...
هي حالتها كذلك ولكن فيها خشية وإنابة عظيمة لربِّها لكن فيها ضعف فيغلبها الشيطان.
ثالثها: وهي أدنى النفوس المسمَّى النفس الأمَّارة بالسوء كما قال تعالى { {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} } [ يوسف: 53 ]
وهذا دليل على أن النفس الأمارة بالسوء غير مرحومة , أما التي وقاها الله فإنما هي المرحومة وإلا لخشيت ربها وأنابت إليه وتابت كما قال تعالى في حق التائين الذين دعت لهم الملائكة { { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} } [ غافر: 9 ]
ومن ذلك تربية النفس على مقاومة الشيطان ومحاربته حتى تغلب عليه خصوصا الذي يوسوس لك في الصلاة ويحاول أن يصدك عن صلاة الليل وكل الخير.
مثال: إذا وسوس لك في صلاة معيَّنة فعاقبه بالاتيان بثماني ركعات من التطوع أو أكثر وقراءة أجزاء من القرآن.
وإذا أفقدك صلاة الليل بنوم أو بعدم الذكر أو غيره فعاقبه باثنى عشر ركعة في الصباح وقراءة أجزاء من القرآن أو صوم أيام معينة.
فهكذا لابد أن تحارب عدوك من جنس ما يريد أن يحاربك به وهو إفقادك للفلاح لتخسر في الدنيا والآخرة فلابد إذاً أن تكثر لك أسباب الفلاح وتنوع لتدحضره وليبكي جانبا آيسا منك بإذن الله ولن ييأس منك أبداً حتى تموت فاحذره أنه هو العدو.
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي
- التصنيف: