لنتبع نور الله
ولكن قد وصف الله هذا الوحي بالإضافة إلى كونه نور بصفة أخرى ألا وهي الروح من أمر الله, لماذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فقد قال تعالى { {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } } [ التغابن: 8 ]
إذاً هنا - كما ترى - القرآن هو النور , وأيضا قد قال تعالى في آية أخرى { { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } } [ الشورى : 52 ]
ولكن قد وصف الله هذا الوحي بالإضافة إلى كونه نور بصفة أخرى ألا وهي الروح من أمر الله, لماذا؟
والجواب: أن الروح المعروف تحيى به الأجسام أما الوحي مع كونه نور يهدي به الله من يشاء تحيى به الأجسام والأرواح.
ثم قوله تعالى { {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } }هذا الوصف: أنه من أمر الله مع أن الأرواح كلها من أمر الله يدل على أنها أعظم روح على الاطلاق لكونها كلام الله.
وقد قال تعالى في آية أخرى { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} } [ الأنفال: 24 ]
إذاً في هذه الآية أن استجابة الله نور على نور كما هو معلوم ومع ذلك يحيينا به الله لئلا يحدث حائل بيننا وبين قلوبنا , فعند ذلك لاينقذ إلى قلوبنا أي خير لنحيى به, والعياذ بالله.
وقد قال تعالى { { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} } [ الأنعام: 122 ]
إذا الحياة إنما هي في النور, أما الذي في الظلمات ليس بخارج منها فكيف يمشي بل هو كالصم البكم الذين لا يعقلون, وهم الذين وصفهم الله في سورة الأنفال والبقرة.
والرسول كذلك نورٌ يستضاء به لكونه المصدر الثاني الذي يُتلقى منه الوحي ألا وهي السنة, فلابد إذا من الاقتباس من نور وحيه لنحيى به كما قال تعالى { {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} } [ المائدة: 16]
فالأعمال الصالحة مثلاً كلها نور وإن كان نورها يتفاوت بالنسبة للناس, فايما عبد كان أعظم إخلاصا وأعمالاً كان أعظم نوراً, وأيما عبد كان أقل إخلاصاً وأعمالاً كان أقل إخلاصا وأعمالاً.
لذلك جاء في الحديث من رواية أبي مالك الأشعري " «الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، فذَكَرَ مِثلَه [أي: حَديثَ: الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحَمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسُبحانَ الله والحَمدُ لله واللهُ أكبَرُ تملأُ ما بين السَّماءِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقةُ بُرهانٌ، والصَّبرُ ضِياءٌ، والقُرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك. كلُّ النَّاسِ يغدو؛ فبائِعٌ نَفسَه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها]، إلَّا أنَّه قال: الصَّلاةُ بُرهانٌ، والصَّدَقةُ نورٌ» . [رواه مسلم ] رحمه الله بر قم 223 .
وقد قال تعالى { { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} } [ النساء:174 - 175 ]
إذاً البرهان والنور يتلازمان فمن عنده برهان لابد أن يكون له نور, ومن ليس عنده برهان لا نور له أبداً , ومع ذلك إذا أتبعه اعتصامٌ بالله والعمل الكامل بالشرع فسيدخله الله في رحمةٍ منه وهي الجنة.
ففي الحديث : " «بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ» " [رواه البخاري] رحمه الله في صحيحه. وهذا بلا شكٍ من الجزاء من جنس العمل.
وهكذا يدعوا المسلم عند خروجه من بيته إلى المسجد بهذا الذكر من رواية عبدالله بن عباس " «اللهم اجعلْ في قلبي نورًا ، و في سمعي نورًا ، و عن يميني نورًا ، و عن يساري نورًا ، و فوقي نورًا ، و تحتي نورًا ، و أمامي نورًا ، و خلفي نورًا ، و أعظِمْ لي نورًا اللهم اجعلْ لي نورًا في قلبي ، و اجعلْ لي نورًا في سمعي ، و اجعلْ لي نورًا في بصري ، و اجعلْ لي نورًا عن يميني ، و نورًا عن شمالي ، و اجعلْ لي نورًا من بين يديَّ ، و نورًا من خلفي ، وزِدْني نورًا ، و زِدْني نورًا ، و زِدْني نورًا» [رواه مسلم رحمه الله 763] .
فعلى العموم المسلم المؤمن نور على نور في كل أحواله , فإذا كان عنده مال ورخاء وصحة وأمان فجاء بالشكر الكامل صار من جملة الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم " نِعمَ المالُ الصَّالحُ للرَّجلِ الصَّالحِ " صححه الألباني في مشكلة الفقر برقم 19. فهو إذاً نور على نور .
أما إذا كان لا مال له أو عنده مرض أو شدة أخرى من ظلم أو حبس أو حرب أو غير ذلك وجاء بالصبر الكامل فقد صار من جملة العاملين في هذا الحديث من رواية أبي سعيد " «وَما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِن عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» "
رواه مسلم برقم 1053 إذاً فهو أيضاً نورٌ على نورٌ.
هذا بالنسبة في الدنيا من عيشةٍ طيبةٍ بدون توتر ولا قلق بل قد يكون أكثر طمئنينة من الموسر .
أما بالنسبة للآخرة فأجوره بلا شكٍ بلا حساب كما قال تعالى { {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} } [الزمر: 10 ]
بينما الإنسان الآخر في ظلماتٍ بعضها فوق بعض , كظلمات باطنة من الغم والهم والاكتئاب والتوتر لعدم البرهان, وظلمات ظاهرة لما يرى أمامه من الفساد العام من الظلم والطبقات مستعلية تمتص دماء طبقات مستفلة وهكذا.
ثم اعلم أن العبد المؤمن ليس بمجرد نور على نورفي نفسه فحسب بل هو نور على نور منوِّر من حوله من أسرته وجيرانه وأهل حيه وزملائه في الوظيفة, بل نور على نور منوِّر للعالم كله ليخرجهم من ظلماتهم وجهالاتهم ليعيشوا في نور في رحاب عدالة الإسلام
وفي ظل أشجاره المثمرة الوارفة بالتقى والعفاف والهدى.
نسأل الله السلامة والعافية والتوفيق وأن يجعلنا نور على نور منورين مستفيدين ما امتن الله علينا من الوحيين المباركين.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي
- التصنيف: