التتار من البداية إلى عين جالوت - إضعاف جيش الخلافة العباسية
المحور الأخير بأن يخفض من ميزانية الجيش، وأن يقلل من أعداد الجنود، وألا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح والحرب، وأن يحول الجيش إلى الأعمال المدنية والزراعية والصناعية وغيرها، حتى يصبح الجيش مشغولاً بزراعة الطماطم والخيار وبناء الكباري وعمل المخابز والأطعمة، ولا داعي للتدريب والقتال والسلاح والجهاد
والمحور الرابع والأخير: هو إضعاف جيوش الخلافة العباسية، فطلب هولاكو من الوزير الفاسد مؤيد الدين العلقمي الشيعي أن يقنع الخليفة العباسي المستعصم بالله بأن يخفض من ميزانية الجيش، وأن يقلل من أعداد الجنود، وألا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح والحرب، وأن يحول الجيش إلى الأعمال المدنية والزراعية والصناعية وغيرها، حتى يصبح الجيش مشغولاً بزراعة الطماطم والخيار وبناء الكباري وعمل المخابز والأطعمة، ولا داعي للتدريب والقتال والسلاح والجهاد، حتى لا تثار حفيظة التتار، ونقول لهم: نحن قوم سلام ولسنا قوم حرب، وانظروا إلى جيشنا ماذا يعمل، فلما قال مؤيد الدين العلقمي الشيعي هذا الكلام للخليفة المستعصم بالله وافقه على ذلك،
فخفض ميزانية التسليح وقلل أعداد الجنود، حتى أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله سنة 640 من الهجرة لا يزيد على 10 آلاف فارس فقط في سنة 654 هجرية، وكان هذا هبوطاً مروعاً في إمكانيات الخلافة العسكرية، وليس هذا فقط، بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر والضياع، فكان الجندي لا يجد ما يأكل أصلاً، حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق، وأهملت التدريبات العسكرية، وفقد قواد الجيش مكانتهم، حتى لم يوجد بينهم من له القدرة على التخطيط أو الإدارة أو القيادة، ونسي المسلمون فنون القتال والنزال، وغابت عن أذهانهم تماماً معاني الجهاد.
وهذه هي الخيانة الكبرى والجريمة العظمى، وابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية يلقي باللوم الكامل على مؤيد الدين العلقمي في نصائحه للخليفة، ولكني أنا ألقي باللوم على الخليفة ذاته، فهو الذي قبل بهذا الهوان ورضي بهذا الذل، وغاب عن ذهنه أن من أهم واجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن والأمان، وأن يدافع عن ترابه وأرضه ضد أي غزو أو احتلال، وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه وتسليح جنده، وأن يربي الشعب بكامله لا الجيش فقط على حب الجهاد والموت في سبيل الله، ولم يفعل الخليفة المستعصم ذلك، ولا عذر له عندي؛
فإنه كان يملك من السلطان ما يجعله قادراً على أخذ القرار، ولكن النفوس الضعيفة لا تقوى على أخذ القرارات الحاسمة.
كان هذا هو إعداد هولاكو ومنكو خان، وقد كان إعداداً مبهراً عظيماً كبيراً حقاً.
وفي المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين استعداداً للغزو التتري القريب عما قليل للخلافة العباسية، فما هي خطوات هولاكو في تجميع الجيوش وغزو العاصمة الإسلامية التليدة العتيدة بغداد؟ وما هو الذي فعله التتار داخل بغداد؟ وما هو رد فعل المسلمين في بغداد وما حولها من بلاد المسلمين؟ وما هي النتائج الخطيرة التي ترتبت على سقوط بغداد بعد ذلك؟ هذا ما سنعرفه وغيره بإذن الله في الدرس القادم.
وأسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- التصنيف:
- المصدر: