الكتابة
الكتابة من أفضل ما يتناوله المرء في حياته, لما لها من جميل الأثر العائد على صاحبها مع الأيام.
الكتابة من أفضل ما يتناوله المرء في حياته، لما لها من جميل الأثر العائد على صاحبها مع الأيام.
وكما أنَّ البكاءَ يبلُّ فؤاد الحزين؛ فإن الكتابة لا تقل أهميةً ولا شأناً في ذلك، ولذلك نجد بعض الناس حين تضيق به السبل، وينزعج من ازدحام الناس حوله وعلوِّ الأصوات عنده، وكثرة الأعمال الموكلة إليه حتى تجعله مضطرباً مستنفراً، يجد راحته بأن يفر ممن حوله؛ ويجلس خالياً؛ قاطعاً سبل التواصل مع الآخرين، ثم ينفث هموم قلبه، ويخرج زفرات صدره، على صفحات الورق؛ يصاحبها نزيف حبر القلم، ليُخرج بعد ذلك كلمات لربما لا تكون عظيمة، بقدر ما تشعره بالراحة، لأنها خفَّفت ضغوطات الحياة، وأطفأت نار الكبت.
ولذا فإنَّ امتهان الكتابة أمرٌ أكثر من رائع، خصوصاً إذا تعلقت في الجانب الوجداني وما ينفع الناس في شؤون حياتهم، وتوضيح سبلهم.
فإنه ومع الوقت، وحين يجد أثر هذه المقالة أو تلك الحروف في الناس يكون أعظم سعادة، وحتى لو لم يجد لها أثراً في الناس، فإنَّ شعوره بأنه ساهم بعملٍ مثمر؛ يكفي لأنْ ترتسم على محياه السعادة لإحساسه بأنَّه بادر إلى فهم ما تأخر الآخرون في معرفته، وشقَّ الطريق إلى ما تخلف عنه الآخرون.
ويكفي الكاتب شعوراً بالسعادة أنه كلما قلَّب أوراقه، رأى سنوات عمره بين يديه، ورأى فيها نفسه في فترة من مراحل حياته، فكم هو جميل أن تعطي نفسك فرصةً لمحاولة الكتابة ورسم الكلمات.
درب نفسك على الكتابة، وشجِّع من تحت يدك على ذلك لعله أن يكون له شأن، وإذا رأيت طفلك بدأ يكتب الكلمات المبعثرة على الأوراق؛ ويكثر التمزيق والعبث، فشجعه بطريقة حسنة ملائمة، فلعله أن يكون بداية مشروع أدبي عظيم.
ومن أهم ما ينبغي أن يتعلمه ممتهن الكتابة إتقانُ طريقتها، لأن ما يكتبه هو ما يواجه به المجتمع، وأن يعلم أنَّ كتاب المرء دليل عقله، وكثيراً ما يُحكم على شخصية المرء من خلال ما يكتبه، فيُعرف أسلوبه ومميزاته وانفعالاته، إلى غير ذلك، فينبغي له عند ذلك أن يكثرَ النظر في الكتب التي ستؤثِّر في شخصه وسلوكياته، ويتزودَ بالمعلومات التي ينطلق من خلالها إلى الناس حين التعبير عن مشاعره ودون تكلف.
كما ينبغي للكاتب أن يهتم بقواعد النحو والإملاء وأن يتقن الخط العربي، لأنَّ إتقان اللغة أهم ركائز الانطلاق في رحلة ممتعة آثارها جميلة، وحتى لا يكون عالة على غيره، ثم يكون ذلك مانعاً له من إخراج ما يكتبه؛ وقد يكون ما خطَّه أبهى من نفيس الجوهر المستخرج من بطون المحيطات.
فإذا اجتمع للكاتب إتقان العربية؛ مع شعور وجداني صادقٍ يخرج من صميم القلب لا تقليداً للآخرين، كان له الأثر البالغ الجميل على المدى البعيد، وهذا هو الذي ميَّز المقالات النافعة عن المقالات التي ذهبت أدراج الرياح.
وحين تبدأ قطار الكتابة، وقبل أن ينطلق، تذكر أنَّ كل ما تكتبه فإنك مؤاخذٌ به، فإياك أن تكون فتنة للمسلمين، أو أن تعمد إلى الهجوم على الشريعة ظناً منك أنَّ ذلك تقدم وحضارة وحرية، وانظر فيمن حولك ممن رحلوا عن الدنيا وقد خلَّفوا وراءهم كتباً أو مقالات، فمنهم من مات ولا يزال الناس يترحمون عليه كلما انتفعوا بعلمه ومقالاته، ومنهم من مات ولم تزل مقالاته يتوارثها أهل الباطل ويستدلون بها، وهي تدعو إلى الانحراف والخروج عن الفضيلة، فرحل الكاتب ولم تزل ذنوبه تتبعه، فما أعظم جرمه.
فاحرص على الخير فيما تكتب، واحتسب الأجر فيما تنشر، وإن نسي الناس ما كتبتَه، فإنَّ محفوظ عند الله- خيراً كان أو شراً - في كتاب لا يظل ولا ينسى، وما أجمل ما قيل:
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفِّك غير شيءٍ يسرك في القيامة أن تراه
- التصنيف:
- المصدر: