العلاقة بين الملك نجم الدين أيوب والمماليك وكيفية تربيتهم
راغب السرجاني
أنه كان يأتي بالمماليك في مرحلة الطفولة المبكرة جداً، وكان غالب هؤلاء من بلاد غير مسلمة، وفي الغالب يكون هذا المملوك غير مسلم وغير ناطق بالعربية أساساً، فكان يحضرهم ويبتدئ تربيتهم في مصر.
- التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -
العلاقة بين الملك نجم الدين أيوب والمماليك وكيفية تربيتهم
الذي استحدثه الملك الصالح أيوب وتبعه عليه سلاطين دولة المماليك، زيادة على أنه كان يأتي بالمماليك بصورة كبيرة، أنه كان يأتي بالمماليك في مرحلة الطفولة المبكرة جداً، وكان غالب هؤلاء من بلاد غير مسلمة، وفي الغالب يكون هذا المملوك غير مسلم وغير ناطق بالعربية أساساً، فكان يحضرهم ويبتدئ تربيتهم في مصر.
وهنا نقطة مهمة جداً فالملك الصالح أيوب ومن تبعه بعد ذلك من الأمراء ما كانوا يتعاملون أبداً مع المماليك كرقيق، بل كانوا يقربونهم جداً منهم، إلى درجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم، ولم تكن الرابطة بينهم رابطة المالك والمملوك، ولا رابطة السيد والعبد، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأتباعه، وهذه الرابطة تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة،
حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب الأستاذ، وليس لقب السيد.
وقد شرح المقريزي كيفية تربية المملوك الصغير، الذي يشترى وهو ما زال في مرحلة الطفولة المبكرة، ونريد أن نركز على هذا جداً؛ لأنه صار مفتاح التغيير في مصر، وبواسطته تكوّن الجيش الذي استطاع أن يقف أمام التتار بعد ذلك.
أول المراحل التربوية في حياة المملوك: هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة؛ لأنهم جاءوا من بلاد غير ناطقة باللغة العربية، ثم بعد ذلك يدفع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ بعد ذلك في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي وآداب الشريعة الإسلامية، وهذا كان عاماً على كل المماليك، ولهذه التربية المتميزة الأثر على أطفال المماليك، فقد نشئوا وهم يعظمون جداً أمر الدين الإسلامي، وأصبحت لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي، فظلت مكانة العلم والعلماء عالية جداً عند المماليك في كل مراحل حياتهم،
وهذه المعلومة من أهم المعلومات عن دولة المماليك، وهو يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في عهد المماليك، فقد ظهر في عهد دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ، مثل: العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله، وأسماء لا حصر لها.
وكان إذا وصل المماليك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال، فيعلمونهم فنون الحرب والقتال، وركوب الخيل، والرمي بالسهام، والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً من المهارة القتالية والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب.
ثم بعد ذلك يتدربون على أمور القيادة والإدارة، ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك متفوقاً تماماً في المجال العسكري والإداري، بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة، وهذا كله ولا شك كان يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال، وهذا كله يؤكد أهمية التربية.
وكان السيد الذي اشتراهم يتابع هذه الخطوات والمراحل من التربية بدقة شديدة، بل وأحياناً كان السلطان الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله يطمئن بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، وينبسط إليهم، وهو سلطان مصر كلها.
وكان المماليك يحبون أساتذتهم حباً حقيقاً فعلاً، ويدينون لهم بالولاء التام، وهكذا إذا كان القائد يخالط شعبه ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم ولا شك يحبونه ويعظمونه ويثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً، وإذا طلب منهم أمراً تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه، وأما إذا كان القائد في حالة انفصام مع شعبه، ويعيش حياته المترفة بعيداً عنهم، ويتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون أبداً بأي انتماء ناحيته، بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم التي يعيشون فيها، ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل.