تِيْجَانُ الرَّحْمَنِ وتاجُ الشَيطانِ : (2-2)
محمد بن إبراهيم النعيم
فأي التيجان تريد أن تلبسها يا عبد الله؟
أدع لك اختيار الجواب
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
(ثانيا) تاج النور
وهذا التاج من نصيب والدي حافظ القرآن، نعم إنها كرامة وحفاوة لولدهما الذي حفظ كلام الله وعمل به، وتكريما لهما لأنهما دفعا ولدهما لحفظ كتاب الله، وقد يكونا جاهلين أميين، ولكن فضل الله تعالى ليس له حد، فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُور ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ» ) ([1]).
تأمل رحمك الله في عبارات الحديث حين قال الوالدان: (بما كسينا هذا)؟ فهما لم يستطيعا كتم فرحتهما وبهجتهما بهذا التاج المبهج، فاستفسرا بما كسينا هذا؟ لعلمهما أنهما لا يستحقان هذا الثواب العظيم، وأنهما ليسا من حفظة كتاب الله، فكان الجواب (بأخذ ولدكما القرآن)، ما أعظمها فرحة، وما أجزله من ثواب، فما شعورك إذا رأيت والديك يلبسان هذا التاج يوم القيامة وهما فرحان أشد الفرح؟ فكيف سيكون فرحك؟ وكم ستبلغ سعادتك إذا كنت أنت سبب فرحهما؟
فإن استطعت أيها الابن البار أن تُلبس أبويك تاج النور وتكسيهما حلتين يوم القيامة لا يقوم لهما الدنيا فافعل، فمِن أعظم البر لوالديك وأفضل هدية تقدمها لأبويك أن تحرص على أن تلبسهما هذا التاج، ولا يتأتى لك ذلك إلا بكثرة تلاوة القرآن وتعلمه والعمل به، وإذا أردت أن تحظى بهذا التاج أيضا، فاحرص على تسجيل أبنائك في حلقات تحفيظ القرآن ليحفظوا كتاب الله، لتلبس أنت وزوجك تاجا من نور، لتقولا بإذن الله: بما كسينا هذا؟ فيقال لكما: بأخذ ولدكما القرآن.
وأما من كان يصدُّ أولاده عن القرآن، ويمنعهم من التسجيل في حلقاته فهذا إنسان محروم من هذا الثواب وقد يناله العقاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تيجان الشيطان:
أما الصنف الثاني من التيجان فإني أعيذك بالله منها، لأنها تيجان شيطانية، يمنحها الشيطان لبعض أوليائه، فيتشرف لها كل شيطان أوقع مسلما في كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن من الذي سيحظى منهم بذلك التاج؟ دعونا نسمع ما قاله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن مخطط إجرامي شيطاني يحدث يوميا ضد المسلمين بالذات.
فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إ «ذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أخذل اليوم مسلما ألبسته التاج، قال: فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: يوشك أن يتزوج، ويجيء لهذا، فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما، ويجيء هذا: فيقول لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت، ويلبسه التاج» ) ([2]).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ. قَالَ: فَيَخْرُجُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَبَرَّ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى زَنَى فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ» ) ([3]).
وتأمل في الحديث تجد أن للشيطان تاجا واحدا فقط، أو نوعا واحد من التيجان، فالحديث يقول: (ألبسته التاج) فهو مُعرف بالألف واللام.
ولعل سائلا يقول: كيف نجمع بين الحديثين السابقين والحديث الذي رواه جابر بن عبد الله t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، قَالَ الأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ» ) ([4]).
ويمكن الجمع بين الروايتين أن إبليس يدني منه أكثر الشياطين فتنة، بناء على أعظم الفتن كل يوم، فإذا اجتمع عقوق والدين وطلاق وزنى وقتل، كان الزنا والقتل أعظم فتنة؛ لأنها ذنوب لا يمكن إصلاحها وترقيعها، وإذا جاءت فتن دنيا مع فتنة طلاق، كانت فتنة التفريق بين الزوجين أعظمها فتنة، وهكذا.
وتأمل في الحديث الأخير أن إبليس قرّب إليه من فرَّق بين زوجين والتزمه، ولكن لم يلبسه التاج، وإنما كان التاج لمن قتل مسلما!
فكأنّ الحديث يوضح حرص إبليس - أعاذنا الله منه - على نشر القتل في أوساط المسلمين، وأنه هدف أسمى يسعى إليه، ويكافئ أتباعه يوميا عليه.
وإن ظاهرة القتل من الظواهر التي كثرت في مجتمعنا، وأصبحت الجرائد لا تخلوا أخبارها اليومية عن جريمة قتل أو انتحار، مما لم نكن نسمعه من قبل.
وأشارت الأحاديث الأخرى أن أقرب الشياطين منزلة من إبليس هم أكثرهم فتنة ونشرا للفساد في أوساط المسلمين، خصوصا الطلاق والعقوق والشرك والزنا والقتل.
\ ثم تأمل مرة أخرى في أعظم الفتن والمعاصي التي يحرص عليها جنود إبليس كل يوم: الشرك والزنا والقتل وعقوق الوالدين والتفريق بين الأزواج، فكلها عظائم، وكبائر ذنوب، فجنود إبليس يتقربون إلى إبليس بإضلال المسلمين ودفعهم إلى ارتكاب كبائر الذنوب وأعظم الفتن في المجتمع.
فالطلاق تفكيك للأسرة، وتفريق بين المسلمين، وقطع للأرحام، وتشريد للأولاد.
وعقوق الوالدين جحود وتنكر لفضلهما.
والشرك انفكاك عن العبودية لله عز وجل وانقطاع عنها.
والزنا هتك للأعراض، وخلط للأنساب، وتفكيك لروابط الأسرة المسلمة.
والقتل قطع لحياة الفرد بغير حق.
إن تيجان الرحمن -عز وجل- ستُمنح يوم القيامة، فهي باقية، وتيجان الشيطان تُمنح في الدنيا، وهي فانية، بل ومن وراءها نار حامية.
فأي التيجان تريد أن تلبسها يا عبد الله؟
أدع لك اختيار الجواب، وصلِّ على النبي الأواب صلى الله عليه وسلم .
كتب للمؤلف :
- كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟
- كيف ترفع درجتك في الجنة ؟
- كيف تحظى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟
- كيف تنجو من كرب الصراط ؟
- أمنيات الموتى .
- كيف تملك قصورا في الجنة ؟
- أعمال ثوابها كقيام الليل .
- كيف تثقل ميزانك ؟
- كيف تفتح أبواب السماء ؟
- كيف تجعل الخلق يدعون لك ؟
- كيف تنجو من عذاب القبر؟
- ذنوب قولية وفعلية تكفرها الصدقة.
- أعمال أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم .
- كيف تسابق إلى الخيرات؟
([1]) رواه الحاكم، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (1434).
([2]) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (2449).
([3]) التعليقات الحسان (9/37).
([4]) رواه الإمام أحمد، ومسلم واللفظ له (2813).