الإلحاد... وحرب الأرقام

منذ 2019-07-19

لكن الأخطر في هذه الاستطلاعات إنها تريد تشويه العقيدة والهوية إن لم يمكن طمسها وإحداث البلبلة وبث الفتنة وتشجيع المنحلين والمنحرفين عقائديا وتصويرهم بأنهم ليسوا حفنة في المجتمع بل تيارا أساسيا وفصيلا يجب أن يعمل له حساب.

الإلحاد... وحرب الأرقام

"استطلاعات الرأي ليست دائما مجردة أحيانا هي موجَّهة وأحيانا تفتقر إلى المصداقية خاصة فهي جزء من اللعبة"

هذه مقولة أحد خبراء الاعلام في منطقتنا وهو يتحدث عن دور استطلاعات الرأي في تشكيل اتجاهات الناس في منطقتنا... ومع تطور الاتصالات والثورة التكنولوجية وزيادة أهمية البحوث العلمية فرضت دراسات الرأي العام واستطلاع اتجاهاته نفسها بقوة وأصبحت ميزة بارزة تعتمد عليها الكثير من الفعاليات في مختلف الميادين... ولكن بدلا من أن يكون هدفها كشف توجهات الرأي العام وجس نبض المجتمع بخصوص نظرته أو موقفه من قضية من القضايا تحولت إلى صناعة الرأي العام وتوجيهه في اتجاه معين وتثبيت قضايا كان المجتمع يعتبرها هامشية ليجعلها قضايا حياتية وتستغلها قوى خارجية وداخلية لتمرير أجندتها في المنطقة.

ولكن الأخطر في هذه الاستطلاعات إنها تريد تشويه العقيدة والهوية إن لم يمكن طمسها وإحداث البلبلة وبث الفتنة وتشجيع المنحلين والمنحرفين عقائديا وتصويرهم بأنهم ليسوا حفنة في المجتمع بل تيارا أساسيا وفصيلا يجب أن يعمل له حساب.

ففي العشر سنوات الأخيرة تعددت الدراسات الميدانية والتي ترصد الدين في المجتمعات العربية والإسلامية ومعظم هذه الدراسات تقوم به هيئات ومؤسسات غربية.

وبالرغم من أن هناك دراسة أجريت طوال عام 2010 وصدرت نتائجها عام 2012 أجراها منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة وهو‪ مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات في أكثر من 230 دولة كشف فيها أن الإلحاد أصبح الديانة الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والاسلام. وكشفت الخارطة أن أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط حيث لا يزيدون على 2% (مليونان ومئة ألف) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم لاسيمّا أن أكبر عدد مؤمنين ما زال في الشرق الأوسط.

إلا أنه في  عام 2014  شهد سيلا من تلك النوعية من استطلاعات الرأي التي تحاول رصد نسبة وأعداد الملحدين في منطقتنا وتميزت بمبالغات كبيرة فقد نقلت البي بي سي العربية عن مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرا أوضح أرقاما من مؤشر الإلحاد في كل دول العالم أعده مركز (ريد سي) التابع لمعهد (جلوبال) حيث صنف مصر الأولى عربيا في نسبة الالحاد بمجموع 866 ملحدا تليها المغرب بـ 325 ملحدا وتونس بــ320 ملحدا وسجلت باقي الدولي العربية أرقام متباينة لكنها ليست بالكبيرة اذ يتواجد بالعراق 242 ملحدا  و 178 في السعودية و170 في الأردن بالمقابل ينخفض العدد في ليبيا التي يوجد بها 34 ملحدا و 70 في السودان و 56 في سوريا و32 في اليمن وفي العام نفسه نشر موقع فرانس 24 استطلاعا أعده معهد غالوب الدولي الذي يتخذ من زيوريخ مقرا له ذكر فيه أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9 بالمئة من مجموع عدد سكان المملكة..

ثم نشر أحد الأستاذة المطرودين من الأزهر أن عدد الملحدين قد وصل إلى 75 مليون ملحد حول العالم العربي...

ولم تقل الجهات التي أعلنت هذه الأرقام وهي البي بي سي من أجرى هذه الاستطلاعات وكيف تمت وما هي نوعية الشرائح التي تم استطلاعه رأيها ثم عند النظر إلى هذه الأرقام نجد التضارب بينها في الدول المختلفة حينها يدرك المرء جيدا ما تعنيه هذا السيل من الدراسات والمغزى منها والمقصد من وراءها.

ومن المثير للاندهاش أن بعض الجهات الإعلامية ترصد عدد الملحدين بمقدار الدخول لصفحاتهم على الانترنت فيذكر موقع البي بي سي العربي صفحة الملحدين التونسيين يتابعها أكثر من 10 آلاف وصفحة الملحدين السودانيين يتابعها أكثر من 3000 آلاف بينما تضم صفحة الملحدين السوريين أكثر من 4000 وعلى تويتر يتابع صفحة الملحدين العرب أكثر من ثمانية آلاف متابع ... إذن عدد الملحدين هم عدد المتابعين وهذا شيء لا يمت إلى علم الاستطلاعات والتوثيق بصلة.

وهذا باحث آخر يستنتج أنه على الفيسبوك يوجد 50 ألف ملحد عربي وعلى اليوتيوب يوجد 10 ألاف حساب شخصي لملحدين عرب ويتردد على مواقع الإلحاد تقريبا 80 ألف شخص لنقل أن نسبة الملحدين فيهم 80% إذا فعدد الملحدين العرب الذين يترددون على تلك المواقع هم 64 ألف شخص إذا فإن عدد الملحدين النشطاء على الإنترنت والمجهرين بإلحادهم تقريبا 100 ألف شخص وهناك نسبة لا تقل عن الضعف ملحدين خائفين من الإجهار بإلحادهم.

لذلك فإن هذا الباحث الفذ!!! يعتقد من وجهة نظره التي يطلق عليها متواضعة أن عدد الملحدين في العالم العربي هو رقم يتراوح بين ال 250 – 300 ألف شخص.

وأخيرا أجرت شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة استطلاعا للآراء في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصالح شبكة بي بي سي عربي الذي نشرته في يونيو الماضي 2019 وشارك فيه أكثر من 25 ألفا من سكان عشر دول بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية في أواخر عام 2018 وربيع عام 2019.

ووصفت البي بي سي الاستطلاع بأنه أكبر وأوسع وأعمق استطلاع للآراء في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وذكرت الشبكة في صفحتها على شبكة الانترنت أن الاستطلاع خلص إلى وجود طيف واسع من الآراء حول قضايا شتى من الدين إلى حقوق المرأة ومن الهجرة إلى تقبل المثليين جنسيا. وكما تقول الشبكة فقد كشف الاستطلاع أن عددا متزايدا باضطراد من العرب يديرون ظهورهم للدين والتدين.

ورصد الاستطلاع أنه منذ عام 2013 ارتفعت نسبة الذين يصفون أنفسهم بأنهم غير متدينين من 8 في المائة إلى 13 في المائة. ويصف ثلث التونسيين وربع الليبيين أنفسهم هكذا أما في مصر فقد تضاعف حجم هذه المجموعة بينما تضاعف حجمها أربع مرات في المغرب.

وكانت نسبة الزيادة الكبرى بين من هم دون سن الثلاثين من أعمارهم إذ تبلغ نسبة غير المتدينين في هذه المجموعة 18 في المائة. ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا اليمن الذي انخفضت فيه نسبة غير المتدينين من 12 في المائة في عام 2013 قبيل اندلاع الحرب في البلاد إلى 5 في المائة في عام 2019.

ولم تذكر شبكة البي بي سي أو الباروميتر العربي خصائص هذه العينة التي تم اجراء البحث عليها حيث تبين من بعض الإجابات على الأسئلة خاصة السياسية منها أن هذه العينة تتبع أحد المحاور السياسية في العالم العربي الذي يعاني كثيرا من الاستقطاب السياسي في العشر سنين الأخيرة.

كما شكك الباحث الأمريكي من أصل مصري ومدير مركز بروكنجز شادي حميد في طبيعة السؤال الخاص بالتدين في هذا المسح وهل المقصود به الدين عامة أو التدين بصورة خاصة حيث أن شبكة البارومتر طرحت على صفحتها مصطلح 'no-religious’ فهل تقصد مصطلح “not religious" وبالتالي هل تقصد ليس دينيا أو ملحدا أو ليس متدينا بمعنى أنه مسلم ولكن لا يفعل بعض مظاهر الدين ويتساءل الباحث أي السؤالين تم توجيهه إلى المستطلعين فهذا ليس واضحا ولم تذكره جهات البحث.

وهناك أيضا تفريق بين مصطلحي الملحد واللاديني: فالملحد الذي لا يؤمن بوجود إله أما اللاديني فيؤمن بوجود قوة خارقة ولكن ليس هناك دين صحيح...فهناك اختلاف بين هذين بالرغم من أن النتيجة واحدة في كل من الحالتين.

ومن الملاحظ أن البي بي سي العربية هي من تقف وراء كل هذه الاستطلاعات أي أنها أصبحت رأس حربة في هذه الهجمة على المسلمين.

وفي النهاية يجب علينا التمييز بين الاستطلاعات الاحترافية المنضبطة بمنهجية موضوعية ولا يعنيها سوى استجلاء الحقائق المجردة وتنشر بالتفصيل خصائص العينة المستطلعة ومنهجها في الاستطلاع وبين تلك المدفوعة بالأهواء الأيديولوجية والسياسية والمشحونة بحمولة دعائية التي تسعى إلى توجيه الرأي العام وسوقه إلى التعلق بقناعات معينة خاصة في ظل الهجمة على العقيدة والهوية.

  • 3
  • 0
  • 2,268

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً